محتويات
نزار قباني
نزار بن توفيق القباني شاعر سوري، وُلد في 21 مارس 1923 وهو من أسرة دمشقية، درس الحقوق في الجامعة السورية، ولقد أصدر أول ديوان له بعنوان قالت لي السمراء، ولقد تغنّى في جمال المرأة في كثير من قصائده، وفي هذا المقال سنقدم لكم شعراً عن الجمال لنزار قباني.
قصيدة إلى تلميذة
قل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً
قد كاد يقتلني بك التمثال
ما زلت في فن المحبة طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبال
لم تستطيعي بعد أن تتفهمي
أنّ الرجال جميعهم أطفال
إني لأرفض أن أكون مهرجاً
قزماً.. على كلماته يحتالُ
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمت في حرم الجمال جمالُ
كلماتنا في الحب تقتل حبنا
إنّ الحروف تموت حين تقالُ
قصص الهوى قد أفسدتك فكلها
غيبوبة وخرافةٌ وخيالُ
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوج الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أنّ الوصول محالُ
هو أن تظلّ على الأصابع رعشةٌ
وعلى الشفاه المطبقات سؤالُ
هو جدول الأحزان في أعماقنا
تنمو كروم حوله .. وغلالُ..
هو هذه الأزمات تسحقنا معاً ..
فنموت نحن .. وتزهر الآمالُ
هو أن نثور لأي شيءٍ تافهٍ
هو يأسنا .. هو شكنا القتّالُ
هو هذه الكف التي تغتالنا
ونقبل الكف التي تغتالُ
لا تجرحي التمثال في إحساسه
فلكم بكى في صمته تمثالُ
قد يطلع الحجر الصغير براعماً
وتسيل منه جداولٌ وظلالُ
إني أحبك من خلال كآبتي
وجهاً كوجه الله ليس يطالُ
حسبي وحسبك أن تظلي دائماً
سراً يمزقني وليس يقالُ
قصيدة سبتمبر
الشعر يأتي دائماً مع المطر
ووجهك الجميل يأتي دائماً
مع المطر
والحب لا يبدأ إلّا عندما
تبدأ موسيقى المطر
إذا أتى أيلول يا حبيبتي
أسأل عن عينيك كل غيمة
كأن حبي لك
مربوط بتوقيت المطر
مشاهد الخريف تستفزني
شحوبك الجميل يستفزني
والشفة المشقوقة الزرقاء تستفزني
والحلق الفضي في الأذنين يستفزني
و كنزة الكشمير
والمظلة الصفراء والخضراء تستفزني
جريدة الصباح
مثل امرأة كثيرة الكلام تستفزني
رائحة القهوة فوق الورق اليابس
تستفزني
فما الذي أفعله
بين اشتعال البرق في أصابعي
وبين أقوال المسيح المنتظر؟
ينتابني في أول الخريف
إحساس غريب بالأمان والخطر
أخاف أن تقتربي..
أخاف أن تبتعدي..
أخشى على حضارة الرخام من أظافري..
أخشى على منمنمات الصدف الشامي من مشاعري..
أخاف أن يجرفني موج القضاء والقدر..
هل شهر أيلول الذي يكتبني؟
أم أن من يكتبني هو المطر؟
أنت جنون شتوي نادر..
يا ليتني أعرف يا سيدتي
علاقة الجنون بالمطر
سيدتي
التي تمر كالدهشة في أرض البشر..
حاملة في يدها قصيدة..
و في اليد الأخرى قمر..
يا امرأة أحبها..
تفجر الشعر إذا داست على أي حجر
يا امرأة تحمل في شحوبها
جميع أحزان الشجر..
ما أجمل المنفى إذا كنا معاً..
يا امرأة توجز تاريخي..
وتاريخ المطر
قصيدة يجوز أن تكوني
يجوز أن تكوني
واحدةً من أجمل النساء..
دافئةً..
كالفحم في مواقد الشتاء..
وحشيةً.. كقطةٍ تموء في العراء..
آمرةً.. ناهيةً
كالربّ في السماء..
يجوز أن تكوني
سمراء.. إفريقية العيون
عنيدةً.. كالفرس الحرون..
عنيفةً..
كالنار، كالزلزال، كالجنون..
يجوز أن تكوني..
مثيرةً للجلد، للأعصاب، للخيال..
وتتقنين اللهو في مصائر الرجال..
يجوز أن تضطجعي أمامي..
عاريةً..
كالسيف في الظلام..
مليسةً كريشة النعام..
نهدك مهرٌ أبيضٌ
يجري..
بلا سرجٍ ولا لجام..
يجوز أن تبقي هنا..
عاماً وبعض عام..
فلا يثير حسنك المدمر اهتمامي..
كأنّما..
ليست هناك امرأةٌ.. أمامي..
يجوز أن تكوني سلطانة الزمان والعصور..
وأن أكون أبلهاً.. معقد الشعور..
يجوز أن تقولي
ما شئت عن جبني.. وعن غروري
وأنّني .. وأنّني..
لا أستطيع الحب كالخصيان في القصور
يجوز أن تهددي..
يجوز أن تعربدي..
يجوز أن تثوري..
لكن أنا..
رغم دموع الشمع والحرير..
وعقدة الحريم في ضميري
لا أقبل التزوير في شعوري..
يجوز أن تكوني
شفّافةً كأدمع الربابه
رقيقةً كنجمةٍ
عميقةً كغابة..
لكنّني أشعر بالكآبة..
فالجنس في تصوري
حكاية انسجام..
كالنحت ، كالتصوير، كالكتابة..
وجسمك النقي كالقشطة والرخام
لا يحسن الكتابة
قصيدة عندما تبكين
إنّي أُحبكِ عندما تبكينَ
وأحبُّ وجهكِ غائماً وحزينا
الحزن يصهُرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلةٌ
وتصيرُ أجملَ عندما يبكين
قصيدة نهر الأحزان
عيناكِ كنهري أحزانِ
نهري موسيقى.. حملاني
لوراءِ، وراءِ الأزمانِ
نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي.. ثمَّ أضاعاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيانِ
عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعدِ محترقٌ
نيراني تأكلُ نيراني
أأقول أحبّكِ يا قمري؟
آهٍ لو كانَ بإمكاني
فأنا لا أملكُ في الدنيا
إلّا عينيكِ وأحزاني
سفني في المرفأ باكيةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجانِ
ومصيري الأصفرُ حطّمني
حطّمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دونكِ ليلكتي؟
يا ظلَّ الله بأجفاني
يا صيفي الأخضرَ يا شمسي
يا أجملَ.. أجملَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعرٍ إسباني
يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجداني
إنّي لا أملكُ في الدنيا
إلّا عينيكِ.. و أحزاني
أأقولُ أحبكِ يا قمري؟
آهٍ لو كان بإمكاني
فأنا إنسانٌ مفقودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعني دربي.. ضيّعَني
اسمي.. ضيَّعَني عنواني
تاريخي! ما ليَ تاريخٌ
إني نسيانُ النسيانِ
إني مرساةٌ لا ترسو
جرحٌ بملامحِ إنسانِ
ماذا أعطيكِ؟ أجيبيني
قلقي؟ إلحادي؟ غثياني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
يرقصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألفُ أحبّكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن ناري ودُخاني
فأنا لا أملكُ في الدنيا
إلّا عينيكِ وأحزاني