'); }
السرقة
إنّ السرقة من الذنوب العظيمة التي حرّمها الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ورتّب عليها الحدّ في الدّنيا، وعقوبة النار في الآخرة، والسارق: هو من يدخل مستتراً إلى حرز غيره فيأخذ منه، وقد ورد لعن السارق على لسان رسول الله، فقال: (لعن اللهُ السارقَ، يسرقُ البيضةَ فتقطعُ يدُه، ويسرقُ الحبلَ فتقطعُ يدُه)،[١] وقد بايع رسول الله الصحابة -رضي الله عنهم- ألّا يقعوا فيها، وهذا ممّا يدلّ على عظم هذه الجريمة، والسرقة منافية للإيمان، والنّاس سواسيةٌ في العقاب على جريمة السّرقة، أيّاً كان السارق؛ فإذا وصلت إلى الإمام وجب تنفيذها ولا ينفع التنازل عنها، ومن أعظم السرقات سرقة بيت مال المسلمين؛ فهو ملكٌ لجميع المسلمين، وليس لأحدٍ معيّنٍ منهم، والقائمون عليه إنّما هم مؤتمنون على حفظه، وتوزيع أمواله لمستحقّيها من المسلمين، ولا يحقّ لأحدٍ منهم الاعتداء على أيّ شيءٍ منه بغير وجه حقٍّ، فمن اعتدى عليه فقد اعتدى على جميع المسلمين، ويدخل في سرقة بيت مال المسلمين: الأخذ من الماء والكهرباء دون الحساب على العدّاد، وكذلك استعمال الأجهزة والمعدّات التي تخصّ بيت مال المسلمين لأغراضٍ شخصيّةٍ، ولا تكفي التوبة من هذه الأفعال؛ بل لا بدّ من ردّ الحقوق إلى أصحابها، وتقوم الدّوائر الحكوميّة في الوقت الرّاهن مقام بيت مال المسلمين، فلا يجوز استخدام مخصّصات الدوائر للمصلحة الشخصيّة، ومنها التحايل في تنفيذ المشاريع الحكوميّة، والاعتداء على الأراضي المخصّصة للمرافق الحكوميّة، وكذلك أخذ راتبٍ على ساعاتٍ يقضيها الموظّف خارج العمل.[٢]
الألفاظ ذات الصّلة بلفظ السرقة
قد تتداخل الألفاظ أثناء التعبير عنها، فمنها ما يقوم مقام لفظ السرقة، فيستحقّ العقوبة عليه وتترتّب عليه جميع الأحكام، ومنها ما تختلف عنه فلا تترتّب عليها الأحكام، ومن هذه الألفاظ:[٣]
'); }
- الاختلاس؛ اختلس الشيء أي استلبه نهزةً ومخاتلة، ويعتمد السارق خلسةً على السرعة في الهرب، ويكون الاختلاس بالمجاهرة، فالفرق بين السرقة والاختلاس، أنّ الأولى تكون خفية، والثانية تكون جهرة أمام الناس، والاختلاس لا يعدّ من السرقة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ليس على خائِنٍ ولا مُنتَهِبٍ ولا مُخْتَلِسٍ قطْعٌ)[٤].
- جحد الأمانة أو خيانتها؛ وهو إنكارها، والجاحد أو الخائن؛ هو الّذي يؤتمن على شيءٍ بطريق الوديعة أو العاريّة، ثمّ يدّعي ضياعه، أو ينكر أنّه كان عنده، فالفرق بين الخيانة والسرقة هو قصور الحرز في الخيانة.
- الحرابة؛ وهي الاستيلاء على الشيء مع تعذّر الغوث، وتسمّى قطع الطريق أو السرقة الكبرى، والفرق بين الحرابة والسرقة، أنّ الحرابة هي الخروج لأخذ مالٍ أو قتلٍ أو إرعابٍ؛ مكابرةً واعتماداً على القوّة، خارج حدّ الغوث، أمّا السرقة؛ فهي أخذ المال خفيةً، والحرابة قد لا يأخذ الخارج لها المال، أمّا السرقة فلا بدّ من أخذ المال فيها.
- الغصب؛ وهو أخذ حقّ الغير عدواناً، ويتحقّق الغصب بأن يكون مجاهرةً أمام الناس، أمّا السرقة فلا تكون إلّا خفيةً بعيداً عن أعينهم، وهذا هو الفرق بين الغصب والسرقة.
- النبش؛ وهو استخراج الشيء من باطن الأرض، والنبّاش هو من يأخذ أكفان الموتى من قبورهم بعد دفنهم.
- النشل؛ والنشّال هو المختلس خفيف اليدّ من اللصوص، يشقّ ثوب الغير ويأخذ ما فيه على غفلةٍ من صاحبه، ويقال له الطرّار، والفرق بين النشل والسرقة هو تمام الحرز.
- النهب؛ وهو الأخذ قهراً، والفرق بين النهب والسرقة، أنّ النهب لا يكون خفية.
شروط تطبيق حدّ السرقة
لا بدّ من توافر عددٍ من الشروط في السارق والمسروق، حتى يُقام عليه الحدّ، ويكون بذلك مستحقّاً للعقوبة، ومن هذه الشروط:[٥]
- بلوغ المال المسروق حدّ النصاب أو أكثر.
- أن يُؤخذ المسروق من حرزه.
- أن يؤخذ بخفيةٍ عن الناس؛ فلا يعدّ من أخذ مال غيره نهباً أو غصباً سارقاً.
- أن يكون المسروق محترماً؛ فلا يعتدّ بسرقة الخمر أو الأصنام أو آلات اللّهو المحرّمة.
- ألّا يسرق السارق ممّا يملكه ابنه، أو أحداً من فروعه.
- ألّا يسرق السّارق ممّا يملكه والده، أو أحدٌ من أصوله.
- أن يكون السارق بالغاً.
- أن يكون السارق عاقلاً.
- أن يكون السارق قاصداً السرقة.
- أن يكون السارق مختاراً غير مكرهٍ.
- أن يكون غير مضطرٍّ للسّرقة بسبب الجوع؛ ولا بدّ في ذلك من بيّنة.
- أن يكون غير مؤتمن على المال المسروق.
- ألّا يكون المسروق شريكاً للسارق.
- أن تثبت السرقة بشهادة عدلين، أو بإقرار السارق إقراراً مفصلّاً بعد اتّهامه بالسرقة، مع كونه بالغاً عاقلاً.
- أن تصل الجريمة إلى السلطان أو من يوكّله.
- أن يقوم المسروق منه برفع دعوى على السارق.
حدّ السرقة
نصّ القرآن الكريم، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والإجماع على أنّ السارق تقطع يده اليُمنى، وتواتر ذلك عند أهل العلم أيضاً، وكلّ هذه النصوص على إقامة الحدّ، أشارت إلى أنّ من شروط تطبيق الحدّ على السارق ألّا يكون مرتدّاً؛ إذ إنّه لو كان مرتدّاً لكان الحكم عليه بالقتل، واتّفق الفقهاء على أنّ إقامة الحدّ لا تحتاج إلى مطالبة المسروق بإقامته، والعلماء متّفقون على أنّ نصاب السرقة الذي يكون حدّه القطع، هو دينار ذهبٍ أو عشرة دراهم من الفضّة، واتفقوا أيضاً على أنّ اللّصوص وقُطّاع الطريق ونحوهما، إذا وصل أمرهما إلى وليّ الأمر لم يسقط الحدّ عنهم، حتّى لو تابوا بعد ذلك، فإنّ توبتهم الصادقة تكون لهم بمثابة كفّارةٍ وبمثابة ردّ الحقوق إلى أهلها.[٦]
مراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6783، صحيح.
- ↑ أمين الشقاوي (4-7-2015)، “السرقة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد الألفي، أحكام السرقة في الشرع الإسلامي، صفحة 265-269.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1448، حسن صحيح.
- ↑ “شروط السارق والمسروق”، islamweb.net، 2-11-2004، اطّلع عليه بتاريخ 26-8-2018. بتصرّف.
- ↑ عبدالله آل سيف (28-1-2015)، “حد السرقة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2018. بتصرّف.