محتويات
الحجاب الشّرعي
لم يأتِ الإسلام بشريعةٍ تُخالف الفطرة السليمة أو تناقضها، ,وبالتالي فإنّ كل ما جاء به الإسلام هي أحكام منطقيّة، ولها قيمة مجتمعيّة وغاية سعى الإسلام إلى تحقيقها، ومن تلك الأحكام كانت فرضيّة الحجاب؛ حيثُ إنّ المرأة العفيفة كان -قبل الإسلام وفي غالب الديانات الأخرى- يظهر عليها طابعٌ معين، ومن أهم ما كان يظهر عليها التزامها بالحجاب، إلّأ أنّ الإسلام -وكما هو ديدنه- عندما شرع الحجاب لم يدعه بالحالة التي أخذها العرب عن الأمم والأديان السابقة؛ بل أعطاه صِبغةً تُميّزه عن غيره من الأديان، وتجعل له قيمةً أكبر، وأهميةً أعظم، ومن ذلك أنْ جعل للحجاب صفات وشروط لا بُدّ للمرأة المسلمة من التقيُّد بها حتى تكون آخذةً وعاملةً بالمقصود من الحجاب، وحتى تؤدّي تلك الفريضة دورها الذي شُرعت لأجله.
شروط الحجاب الشرعي
هنالك مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها في الحجاب لكي يتّصف بكونه حجاباً شرعياً، فالتزام المسلمة بتلك الشروط في حجابها يدلّ على مدى التزامها بأحكام الله والتصديق بما جاء به الوحي، وإن فُقدت إحدى تلك الشروط من حجابها؛ فإنّها قد أساءت تطبيق ما فرضه الله عليها، ويمكن إجمال الشروط التي يجب توافرها في الحجاب الشرعي بما يلي:[١]
- يُشترط في الحجاب الشرعي أن يكون ساتراً لجميع الجسد (من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين)، ويُستثنى من ذلك الوجه والكفين، وقد اختلفت الروايات عند الفقهاء في حكم تغطية الوجه؛ حيثُ ذهب فريقٌ منهم إلى أنّه يجب تغطية الوجه كما يجب تغطية باقي البدن، ودليلهم لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[٢] فقالوا أنّ قول الله تعالى (يدنين) في الآية يعني وجوب تغطية الجسد كاملاً، ويُعتبر الوجه والكفّين من ضمن الجسد، وذهب فريقٌ من العلماء إلى أنّ الوجه والكفين ليسا من ضمن قوله تعالى سابق الذكر، وبناءً على ذلك فلا يشملهما الحجاب الشرعي؛ فلا تكون تغطيتهما واجبةً، واستدلّوا على ما ذهبوا إليه بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر لما دخلت عليه بثيابٍ رقيقة: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ)،[٣] فقد استثنى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الوجه والكفّين من التغطية في الحديث السابق؛ ممّا يدل على جواز كشفهما وعدم وجوب ذلك.
- يُشترط أن يكون الحجاب فضفاضاً؛ فإذا كان اللباس ضيّقاً أو أنّه يصف الجسم ويظهر تفاصيله، فإنّ ذلك الحجاب لا يُعتبَر حجاباً شريعاً؛ لمخالفته أحد شروط الحجاب، وينطبق ذلك على جميع لباس المرأة الذي يغطّي جسمها من أعلى رأسها إلى أُخمُص قدميها.
- ألّا يكون اللباس أو الحجاب رقيقاً؛ فيُظهِر ما تحته من الجسد أو الثّياب؛ لأنّ ذلك يثير الفتنة والشهوة عند الرجال؛ حيثُ إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى أسماء بنت أبي بكر عن لبس مثل تلك الثياب عندما رآها تلبس ثياباً رقيقة، فأعرض عنها ثمّ قال لها: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ)،[٣] فإنّ اللباس الذي يُظهر ما تحته لا يقوم بالوظيفة التي شُرّع لأجلها وهي الستر والتغطية؛ بل إنّه يثير الشهوة ويحرّكها.
- يشترط في الحجاب ألّا يكون من اللباس المتعارف عليه (كونه من لباس الرجال)؛ للنّهي عن تشبه النساء بالرجال، وقد روي ابن عباس -رضي الله عنهما- في ذلك قوله: ( لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ؛ المتشبِّهاتِ بالرِّجالِ منَ النِّساءِ والمتشبِّهينَ بالنِّساءِ منَ الرِّجالِ)،[٤] فلا يجوز للنساء لبس ما فيه تشبُّه بالرجال، وإنْ فعلْنَ فإنّ ذلك لا يُعتبَر حجاباً شرعياً، كما أنّه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء من ناحية اللباس وغيره، وكما يُشترط في الحجاب ألّا يكون فيه ما يشير على كونِه من لباس الشُهرة؛ كالتشبّه بأهل المعاصي أو الكفّار، ولبس ما يوافق لباسهم، أو أن يكون فيه تكبّر أو إسراف أو خيلاء.
- يُشترَط كذلك ألّا يكون في الحجاب رائحة عطرٍ ظاهرةٌ، وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّما امرأةٍ تطيَّبت، ثمَّ خرَجت إلى المسجِدِ، لم تُقبَلْ لَها صلاةٌ حتَّى تغتسِلَ).[٥]
الحجاب في الإسلام
يُعدُّ الحجاب دليلاً على طهارة القلب، وصدق الإيمان، وصفاء الاعتقاد؛ حيثُ إنّ الحجاب والالتزام به يدفع الفتنة عن المرأة المسلمة ويَعفُّها، وهو دليلٌ على أنها امرأةٌ لا تقبل إلا بكل ما هو حسن، كما أنّ الحجاب يحفظ المرأة المسلمة ويجعل لها مكانةً خاصةً في المجتمعات عموماً وفي المجتمع الإسلامي خاصةً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).[٢] إنّ أهم ما يدعو إليه الحجاب من الخصال الطيبة خصلتيّ العفّة والحياء، وهما من علامات الإيمان ودلائله؛ حيثُ إنّ الإيمان أمرٌ قائمٌ على الاعتقاد القلبي بالدرجة الأولى؛ إلا أنّه يمكن الاستدلال على صدقه من خلال أعمال المؤمن وأقواله، وبالتالي فإنّ القلب وعاء، وحسبما يكون محتواه يكون شكله الخارجي (العمل).
معنى الحجاب
- معنى الحجاب في اللغة: السّتر، يقال: حُجِب الشيء حجباً وحجاباً، وحَجَبَه: أي ستره، وامرأة محجوبة: أي أنها قد لبست شيئاً حجبها عن الناس، أو أنّها استترت بشيء حجب الناس عن أن يروها.[٦]
- الحجاب في الاصطلاح: هو ما تلبسه المرأة من الثياب لستر عورتها عن الأجانب من غير المحارم، وبناءً على ذلك فإن الحجاب يشمل ستر جميع الجسد ابتداءً من أعلى الرأس وحتى باطن القدمين.[٧]
أهمية الحجاب في الإسلام
عندما فُرِضت الأحكام الشرعية فإنّ مما راعته أن توافق الفطرة، وتكون موافقتها للفطرة إمّا بتطبيقها بشكلها الذي جاءت به، أو بالنتيجة التي تترتب عليها وما يتبعها من آثار، فالحجاب جاء لستر المرأة وحفظها من أن يتعرّض لها من ساء خُلُقه، وهو بذلك يوافق الفطرة السليمة في هيئته وفي أثره، وتظهر أهمية الحجاب الشرعي في عدد من الأمور، منها:[٨]
- الحجاب طاعة لله وتطبيقٌ لأحكامه؛ فإن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمة بارتداء الحجاب والتستُّر ما أمكن، ونهى المسلمات عن الفجور والفحش في القول أو اللبس أو الحركة، أو فعل ما يدعو إلى تحريك الشهوة لدى الطرف الآخر، كما أمر الرجل المسلم بغض البصر والبعد عن انتهاك حرمات الله، فالتزام المرأة بالحجاب الشرعي دليل على سعي المرأة المسلمة لطاعة الله ونيل رضاه، وطريقٌ أوّلي في انتهاج الخطى المحمديّة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيثُ يُعتبَر الإعراض عن الحجاب بشروطه سابقة الذكر إعراضٌ عن تطبيق أحكام الله ورفضٌ لما أمر به، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا).[٩]
- الحجاب يدلّ على صدق الإيمان وقوة التقوى: حيثُ قرن ذكر الحجاب بالإيمان في أغلب الآيات التي ورد فيها الحجاب، ومثال ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)،[١٠] وقال تعالى في سورة النور مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ).[١١]
- الحجاب إشارة على طهارة القلب ونقاء السريرة وصدق العمل؛ فإنّ المرأة العفيفة الطاهرة في نفسها وقلبها لا يكفيها أن تذكر ذلك؛ بل تدلّل عليه بصدق التطبيق لأوامر الله سبحانه وتعالى، وخير ما يُظهر طهارة قلب المرأة ونقاء سريرتها التزام بالحجاب الشرعي كما أمر به الله سبحانه وتعالى، كما أنّ الحجاب الشرعي يُوجِد حاجزاً معنويّاً بين المرأة والرجل؛ مما يمنع الفاحشة بينهما في الكلام أو الفعل، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).[١٢]
- الحجاب دليلٌ على العفَّة والحياء؛ فبالحجاب تتميّز المرأة العفيفة من غيرها، كما أنّ التزام المرأة بشروط الحجاب وأحكامه وآدابه يُظهِر عفّتها، وعدم التزامها به دليلٌ على بُعدِها عن الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ).[١٠]
- الحجاب يناسب الغيرة؛ فالرجل مجبولٌ على الغيرة، فهو لا يحب أن يُرى من زوجته أو شقيقته أو محرمه شيءٌ، فجاء الحجاب ليلبي تلك الفطرة ويعززها؛ حيثُ إنّ الفطرة السليمة توافق الدين كما مرّ سابقاً.
المراجع
- ↑ محمد أحمد إسماعيل المقدم (2004)، عودة الحجاب (الطبعة الثانية)، مصر: دار القمة ، صفحة 153، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الأحزاب، آية: 59.
- ^ أ ب رواه الألباني، في غاية المرام، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 187، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2784، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3249، صحيح.
- ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 298، جزء 1.
- ↑ محمد رواس قلعجي – حامد صادق قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 174.
- ↑ علي محمد مقبول الأهدل (19/8/2014)، “فوائد الحجاب”، الألوكة الاجتماعية، اطّلع عليه بتاريخ 19-2-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 36.
- ^ أ ب سورة الأحزاب، آية: 59.
- ↑ سورة النور، آية: 31.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 53.