'); }
قبل البدء في الحديث عن قصيدة حمزة ينبغى التعرف على الشاعرة .
فدوى طوقان : شاعرة فلسطينية ، ولدت عام 1917م ، فلسطينية الأصل والمنشـأ ، ولدت في نابلس ، وهي أخت الشاعر الكبير ابراهيم طوقان ، الذي توفي وهو في سن مبكرة ، حيث قامت بكتابة قصيدة خاصة به أسمتها أخي ابراهيم . لها باع طويل في التاريخ النضالي ، أهمها قصيدة حمزة التي تصف الواقع الفلسطيني المرير المتمثل بممارسات الاحتلال القذرة بحق الشعب الفلسطيني .
وفي هذا المقام ، ينبغى التعرف على الشخص المذكور في القصيدة “حمزة” ، هو ابن عم الشاعرة هدم الاحتلال منزله ، وسجن ابنه ، ورغم ذلك لم تضعف عزيمته بل بقى صامدا يدعو من حوله الى الوقوف في وجه الظلم والاستبداد .
'); }
شرح قصيدة حمزة :
كان حمزة
واحدًا من بلدتي كالآخرين ،
طيّبًا يأكل خبزهْ ، بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبين .
تذكر ابن عمها الرجل المسن الكبير ، الذي يعمل ويأكل من عمل يده ، يعيش حياته البسيطة كغيره من أبناء وطنه المسلوب .
قال لي حين التقينا ذات يومٍ ،
وأنا أخبط في تيه الهزيمهة ،
اصمدي، لا تضعفي يا ابنة عمي ،
هذه الأرض التي تحصدها نار الجريمهْ ،
والتي تنكمش اليوم بحزنٍ وسكوتْ ،
قلبها المغدور حيًا لا يموتْ .
مرت به يوماً بعد هزيمة عام 1967 “النكسة ” ، تجر أذيال الهزيمة ” ، فطالبها بألا تضعف ، وان تبقى واقفة ، وثابتة بأن الأرض مهما طالتها الهزائم ستبقى حية في قلوبنا ولن تموت ولن تضيع .
هذه الأرض امرأة ،
في الأخاديد وفي الأرحام ،
سر الخصب واحد ،
قوَّةُ السرِّ التي تُنبتُ نخلاً ،
وسنابل ،
تُنبتُ الشعب المقاتلْ .
عندما قابل ابنة عمه ، أخبرها عن سر أرضه ، فهي كالمرأة ، مثلما تحمل المرأة في رحمها من رجال ومقاومين تحمل ألأرض خصوبة تجعلها تنبت السنابل حتى لو حرقت من صميمها .
دارت الأيام لم ألتق فيها –
بابن عمّي ،
غير أنّي كنتُ أدري ،
أَنَّ بطن الأرض تعلو وتميدْ ،
بمخاضٍ وبميلادٍ جديدْ
هذه الأرض ستبقى صامدة ، لن تموت ، وبالرغم من طول الوقت الذي ابعدها عن ابن عمها الا أن أرضهه بقيت صامدة حية الروح والفؤاد .
كانت الخمسة والستُّون عامْ
صخرةً صمّاءَ تستوطن ظهرهْ
حين ألقى حاكمُ البلدة أمرهْ :
انسفوا الدار وشدّوا ،
ابنه في غرفة التعذيب ،
ألقى حاكم البلدة أمرهْ ،
ثم قام
يتغنّى بمعاني الحبَّ والأمنِ
وإحلال السلام !!
كان عمر حمزة 65 عاما ، وكان انحناء ظهره دليلا على ضعفة ، وقلة حيلته ، عندما قرر الاحتلال أن يعتقل ابنه، ويهدم منزله ، الذي يأويه وعائلته فالمحتل الذي ينادي بالسلام بلسانه ويده تمسك السكين وتطعن في قلب الوطن .
طوَّق الجندُ حواشي الدار
والأفعى تلوَّت
وأتمّت ببراعهْاكتمال الدائرهْ
وتعالت طرقاتٌ آمرهْ:
(اتركوا الدار)! وجادوا بعطاء
ساعةٍ أو بعض ساعهْ
منح الاحتلال أهل البيت الذي يملكه حمزة ساعة ، وربما أقل من ذلك ، ليحمل ما باستطاعته قبل أن يخلي الدار التي ترك فيها ذكرياته وحياته ومسيرة ستين عاما .
ساعةٌ، وارتفعت ثم هوت
غرفُ الدار الشهيدهْ
وانحنى فيها ركام الحجرات
يحضنُ الأحلام والدفء الذي كان –
ويطوي
في ثناياه حصاد العمر، ذكرى
سنوات
عمرت بالكدح، بالإصرار بالدمعِ –
بضحكات سعيدهْ
تهاوى الركام ، وسقط المنزل ، وسقطت الأحلام ، والضحكات والذكريات شهيدة ، كأبناء الشعب الحزين .
وبقى في القلب غصة الفراق ، فالحنين للحجر أقوى أنواع الحنين .
أمس أبصرتُ ابنَ عمي في الطريقْ
يدفَعُ الخطو على الدرب بعزمٍ ويقينْ!
لم يزل حمزَةُ مرفوعَ الجبينْ
كفاني أظل بحضنها
كفاني أموت على أرضها
وأُدفنُ فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنَى
وأبعثُ عشبًا على أرضها
وأبعثُ زهرهْ
تعيثُ بها كف طفلٍ نمتْهُ بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
ترابًا
وعشبًا
وزهرهْ
فحمزة العجوز مازال باقيا على ارضه ، حتى بعد خسارة ابنه الذي أصبح أسيرا ، وبعد هلاك منزله ، مازال باقيا رافعا رأسه يتمنى ان مات أن يدفن بأرضه أو أن يصبح هو وهي واحد للأبد ..