شرح سورة الجمعة للأطفال

'); }

التسبيح لله تعالى وبعثة خاتم المرسلين

تعدّ سورة الجُمُعة من السور المسبِّحات؛ التي تبتدئ بتسبيح الله -تعالى- والثناء عليه، والمقصود من التّسبيح أي تمجيد الله -تعالى- وتنزيهه عن كلّ أمر لا يليق به -سبحانه و تعالى-، وعن كلّ نقص وعيب، فالله -تعالى- هو الملك العظيم الذي يدبّر هذا الكون، وهو القدّوس الذي ليس مثله أحد، فالله -تعالى- منزّه عن كلّ عيب ونقص، وهو العزيز الذي لا غالب له.[١]

وهو -سبحانه- الحكيم في كلّ فعل وقول، وتصرّف وتدبير، فجميع الخلائق في السماوات وفي الأرض تسبح لله -تعالى- وتنزّهه وتمجّده، فالله -تعالى- مستحقّ لهذا الثناء لعظمته، وفضله على الخلق جميعهم.[١] ومن أعظم الفضائل التي أنعم الله -تعالى- بها على خلقه هو إرسال النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فقد أرسله الله -تعالى- للعرب.[١]

'); }

ومن فضله عليهم أنّه منهم، فهو من قبائل العرب، وهم يعرفون أصله ونسبه، ويشهدون له بخُلُقه الحسن، وكان أغلب العرب أُميّين؛ أي لا يعرفون القراءة والكتابة، فأرسل الله -تعالى- إليهم سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- برسالة الإسلام ليرشدهم إلى طريق الهدى والصّلاح، وليتلو عليهم القرآن الكريم ويعلّمهم أحكامه ومعانية ومقاصده.[١]

مواضيع قد تهمك

وكذلك ليعلمهم كلّ علم ينفعهم، فقد كان العرب يعيشون قبل الإسلام حياة مظلمة وغير منظّمة، فلم يكن لديهم ما ينظّم عقيدتهم، أو أخلاقهم، أو معاملاتهم، فمنّ الله -تعالى- عليهم بإرسال نبيّه محمّد لدعوتهم للهداية، وقد حفظ الله -تعالى- رسالة الإسلام، حتى بلغت العرب والعجم، وبلغت من كان في عهد النبيّ والأجيال التي جاءت بعد ذلك على مرّ العصور.[١]

اليهود وانحرافهم عن شريعة الله ونهايتهم

بعدما بيّن الله -تعالى- فضله العظيم على الأمّة؛ حيث بعث فيها رسولًا أميّاً منهم، وميّزهم الله -تعالى- عن غيرهم، وجعلهم أمّة متقدّمة، تتنافس مع باقي الأمم، وتفوّقت على جميع الطوائف، بيّن حال اليهود الذين يظنّون أنفسهم علماء لا يسبقهم أحد، فضرب الله -تعالى- بهم مثلًا، حيث كان قد أمرهم الله -تعالى- بتعلّم التوراة والعمل بما فيها من أحكام.[٢]

فلم يفعلوا ما أمرهم بهم، فلم يكن لهم أيّ فضل على غيرهم، فشبّههم بالحمار الذي يحمل فوق ظهره كتبًا متنوّعة من العلم، فلا يعلم ما فيها ولا يستفيد منها شيئًا، فكذلك حال علماء اليهود لم يستفيدوا من التّوراة شيئًا ولم يُعلي لهم الله -تعالى- بها شأنًا.[٢] وقد وصف الله اليهود بانحرافهم عن شريعة الله وعدم اتّباع ما جاء في التوراة أبشع الأوصاف.[٢]

ولو كانوا قد فقهوا منها شيئًا لكانوا اتّبعوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في دعوته، فقد بشرّهم الله -تعالى- في كتابهم بنبوّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وأمرهم بالإيمان به واتّباعه، إلّا أنّهم أعرضوا عن ذلك ولم يستجيبوا، فهم ظالمون لأنفسهم بعنادهم وإصرارهم على الكفر، مع أنّهم يعلمون أنّهم على باطل، ويُظهرون أنّهم على حق.[٢]

لذلك أمر الله -تعالى- رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يطلب منهم إثباتًا لصدقهم وهذا الطلب هو أن يتمنّوا الموت، فإن كانوا متأكدين من صدقهم سيفعلوا ذلك، إلّا أنّ الله -تعالى- بيّن أنّهم على باطلٍ من أمرهم ولن يفعلوا ذلك أبدًا، فهم يفعلون المعاصي والذّنوب وهذا يجعلهم يخافون ساعة الموت، ويفرّون منها.[٢]

فالعاصي لله والذي يذنب ويعلم بذنبه هو مَن يخشى الموت، فهو يعلم أنّ الله -تعالى- قد أمره بخلاف ذلك، ويعلم أنّه لا مفرّ له من الحساب والجزاء الذي أعدّه الله -تعالى- لعباده، إلّا أنّ نهاية اليهود هي الموت، ويرجع أمرهم بعد ذلك إلى الله -تعالى-، فيخبرهم بأعمالهم ويجزيهم عن أفعالهم وضلالهم وإنكارهم لرسالة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.[٢]

أحكام صلاة الجمعة

بينت السورة أحكام صلاة الجمعة، وهي صلاة الظّهر من يوم الجمعة، وأوّل هذه الأحكام هو وجوب الصلاة، فيجب على من سمع النّداء يوم الجمعة أن يُلبي هذا النداء، فيترك عمله وأشغاله ويذهب لأداء الصّلاة، وقد أمر الله -تعالى- بترك البيع في وقت الصّلاة، فيحرم على المسلم البيع في وقت الصلاة، ولا يجوز له فعل ذلك في أيّ حال من الأحوال.[٣]

ويجب على المسلم أن يترك البيع وجميع الأعمال التي تشغله ويذهب لأداء صلاة الجمعة، فإذا انتهت الصّلاة يعود جميع النّاس لأعمالهم وأشغالهم، وقد بيّنت الآيات أهميّة اتّباع أمر الله -تعالى- واجتناب نهيه، فالخير الذي أعده الله -تعالى- للمؤمنين في الآخرة أعظم من الأمور التي يسعون إليها في هذه الدنيا، ويجب على المسلم أن لا يخالف أمر الله -تعالى-.[٣]

التحذير من الانشغال والتثاقل عن الصلاة

حذّر الله -تعالى- المسلمين من الانشغال عن الصّلاة أو من التثاقل عن أدائها، فقد أباح الله للنّاس العمل قبلها وبعدها، إلّا أنّه أوجب عليهم السّعي للصّلاة في وقتها، وبعد انقضائها فالمسلم مخيّر بأمره، فإمّا يعود إلى رزقه وأعماله، أو يفعل ما يشاء، وأخبر الله -تعالى- عن حال من يترك الصّلاة وينشغل عنها من أجل التّجارة والرّزق.[٤]

وقيل إنّ هذه الآية قد نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو قائم يخطب بالنّاس، وسبب ذلك أنّه قد أقبلت قافلة من بلاد الشّام يقودها دحية الكلبي، وكان في ذلك الوقت غير مسلم، فجاء بأنواع وأصناف من التّجارة إلى أهل المدينة المنورة، وكانوا يلاقوه بالتّصفيق، ودقّ الطبول، وغير ذلك.[٤]

فلمّا جاءت قافلته في يوم جمعة، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يخطب في النّاس، قام النّاس من الخطبة وخرجوا إلى القافلة، ولم يتبقَ إلّا اثني عشر رجلًا، فأنزل الله -تعالى- هذه الآيات التي تحذّر من ترك الصّلاة والانشغال بغيرها.[٤]

ويتبيّن من الآية أهميّة اتّباع أمر الله -تعالى-، فهو الأفضل وهو الخير للمسلم في الدنيا والآخرة، ويجب على المسلم أن يجعل أمر الله -تعالى- فوق كلّ شيء، فعند سماع أمرٍ من أوامر الله -تعالى- لا يكون للمسلم إلّا السّمع والطاعة.[٤]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للطنطاوي، صفحة 375-376. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 862. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ابن أبي زمنين، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين، صفحة 392. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 458-460. بتصرّف.
Exit mobile version