محتويات
'); }
تعريف الاستعارة المكنية
تُعرف الاستعارة على أنّها ضرب من المجاز اللغوي يتم فيه استعمال العبارة على غير ما وضعت له في اللغة، وقرينتها التي تمنع إيراد المعنى الحقيقي قد تكون لفظية أو حالية، وهي في حقيقتها تشبيه حُذف أحد طرفيه، ويسمى المشبه به مستعارًا منه، والمشبه مستعارًا له، واللفظ مستعارًا، وهي نوع من أنواع علم البيان، وتنقسم الاستعارة بحسب طرفيها إلى مكنية وتصريحية.[١]
تعرف المكنية على أنها استعارة ذُكر فيها لفظ المشبه “المستعار له” وحُذف منها المشبه به “المستعار منه” ورمز له بشيء من لوازمه، فعند قولنا: “السماء تبكي”، لتبين لنا أنّ السماء شبّهت بالإنسان الذي يبكي، وهنا قد ذُكر المشبه “السماء” وحُذف المشبه به “الإنسان” مع ذكر رمز من رموز المشبه به وهو البكاء الذي يختص به الإنسان، وهذه تسمى استعارة مكنية.[٢]
'); }
أمثلة توضيحية على الاستعارة المكنية
حتى يتضح المعنى من الاستعارة المكنية ويصل إلى الأذهان نسرد فيما يلي العديد من الأمثلة:
من القرآن الكريم
تعددت ألوان البلاغة في القرآن الكريم، وكثرت مجيء الاستعارات القرآنية، ومن ذلك الاستعارة المكنية ومنها:
- قال الله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الريح العقيم}:[٣] شبّهت الآية الكريمة الريح التي لا تحمل المطر بالمرأة العقيم التي لا تحمل الجنين، وهي استعارة مكنية؛ حيث ذُكر المشبه “الريح” وحُذف المشبه به ” المرأة العقيم” وقد ورد في الآية رمز وصفة متعلقة بالمشبه به وهو العقم، والقرينة العقيم، والجامع بينهما أي: بين الريح والمرأة عدم الإخصاب. [٢]
- قال الله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}:[٤] شبّهت الآية الكريمة قلوب المؤمنين بالبنيان القوي الذي يضطرب وهذه استعارة مكنية حيث حُذف منها المشبه به “البنيان القوي المضطرب” وذُكر المشبه “قلوب المؤمنين” وقد ورد في الآية صفة متعلقة بالمشبه به وهي الزلزلة المصاحبة لاضطراب البنيان، والجامع بينهما الثبات.[٥]
- قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}:[٦] شبهت الآية الكريمة الذل بطائر، وهذه استعارة مكنية حيث حُذف منها المشبه به “الطائر” وذُكر المشبه “الذل” وقد ورد في الآية صفة تتعلق بالمشبه به ملازمة له وهي “الجناح” والجامع بين الذل والطائر الإحسان والتواضع. [٧]
من السنة النبوية
استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أطيافًا من الاستعارة ليقرب المعنى لذهن السامع ومن أمثلة الاستعارة المكنية:
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا”:[٨] شبّه النبي صلاة العشاء والفجر بالحجر الثقيل وهذه استعارة مكنية حيث حُذف فيها المشبه به، وذُكر المشبه، وقد ورد في الحديث النبوي ضفة متعلقة بالمشبه به وهي الثقل والجامع بينهما ثقل الشيء وعدم المقدرة على القيام به.[٩]
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الدّينَ يُسرٌ ولن يُشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه”:[١٠] شبّه النبي الدين بهيئة كائن ضخم لا طاقة لأحد في مغالبته، وهذه استعارة مكنية حيث حُذف فيها المشبه به “الكائن الضخم” وذُكر المشبه “الدين” وقد ورد في الحديث صفة متعلقة بالمشبه به وهي المشادة والمغالبة التي تحصل بين الرجال والجامع بينهما هي القوة العظيمة.[١١]
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ”:[١٢] شبه النبي رمضان بالشخص العزيز المبارك الذي يكون لمجيئه بين المؤمنين هيبة ووقار، وهذه استعارة مكنية حيث حُذف منها المشبه به “الشخص المبارك” وذُكر المشبه “رمضان” مع ذكر صفة من صفات تتعلق بالمشبه به وهي”المجيء” والجامع بينهما ما يترتب على مجيئه من خير واحترام.[١٣]
من الشعر العربي
أبدع العرب في تمثيل البلاغة في أشعارهم فهم أهل الفصاحة والبلاغة، ومن أمثلة الاستعارة المكنية في الشعر العربي:
- قال أبو ذؤيب الهذلي في عينية يرثي بها أبنائه:[١٤]
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها
-
-
- أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
-
شبّه الشاعر المنية بالسبع، وهذه استعارة مكنية حُذف فيها المشبه به “السبع” وذكر المشبه “المنية”، القرينة هي الأظفار، والجامع بين السبع والمنية هو الاغتيال.[٢]
- قال السري الرفاء يمدح أبا الحسن باروخ:[١٥]
مواطنُ لم يَسحَبْ بها الغَيُّ ذيلَه
-
-
- وَكَمْ للعوالي بينَها من مساحِبِ
-
شبّه الشاعر في هذه الأبيات الغي بالإنسان، والعلاقة بينهما أنّ كليهما يقود إلى الزلل، وهذه استعارة مكنية حيث حذف الشاعر المشبه به “الإنسان” وذكر المشبه “الغي” ورمز للمشبه به برمز وصفات تدل عليه وهو قوله “يسحب ذيله”.[١٦]
- قال أبو العتاهية مهنئًا المهدي بالخلافة:[١٧]
أَتَتهُ الخِلافَةُ مُنقادَةً
-
-
- إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذيالَها
-
وَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلّا لَهُ
-
-
- وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلّا لَها
-
شبّه الشاعر الخلافة بالغادة وهي الفتاة الحسناء ترتدي ثوبًا طويل الذيل، وهذه استعارة مكنية حيث حُذف منها المشبه به “الغادة” وذكر المشبه “الخلافة” ومع ذلك فقد رمز الشاعر للمشبه به برمز وصفات تدل عليه وهي قوله “أتته منقادة”، والجامع بين الخلافة والغادة بهاء المنظر والحسن. [١٦]
أمثلة عامة
نسرد فيما يلي أمثلة عامة على الاستعارة المكنية لتمكينها في عقل القارئ:
- سمعتُ العصفور يغني: شُبّه العصفور بالإنسان الذي يغني وهذه استعارة مكنية؛ حيث حُذف منها المشبه به “الإنسان” وذُكر المشبه “العصفور” مع ذكر صفة مرتبطة بالمشبه به تدل عليه وهي “الغناء” والجامع بينهما الصوت الندي.
- رأيتُ الجندي يفترس عدوه: شُبه الجندي بالأسد الذي يفترس فريسته، وهذه استعارة مكنية؛ حيث حُذف منها المشبه به “الأسد المفترس” وذكر المشبه “الجندي” مع ذكر صفة مرتبطة بالمشبه به وهي الافتراس، والجامع بين الجندي والأسد المفترس الشجاعة والقوة.
- رد على الصدى بصوت حزين: شُبّه الصدى بالإنسان الذي يتكلم ويرد، وهذه استعارة مكنية حيث حُذف منها المشبه به “الإنسان” وذُكر المشبه “الصدى” مع ذكر صفة مرتبطة بالمشبه به وهي التكلم والحديث، والجامع بينهما ترداد الكلام.
تدريبات على الاستعارة المكنية
- بيّن نوع الاستعارة في الجمل التالية مع الشرح.
- وإذا العناية لاحظتك عيونُها.
- حدثني التاريخ عن أمجاد أمتي.
- كشّر الظالم عن أنيابه.
- في الجملة الأولى: شُبهت العناية بإنسان يلاحظ، وهذه استعارة مكنية حُذف منها المشبه به “الإنسان” وذكر المشبه “العناية” وارتبط بالمشبه به صفة من صفاته وهي الملاحظة بالعين.
- في الجملة الثانية: شُبه التاريخ بالإنسان الذي يتحدث، وهذه استعارة مكنية حُذف منها المشبه به “الإنسان” وذكر المشبه “التاريخ” وارتبط بالمشبه به صفة من صفاته وهي الكلام والحديث.
- في الجملة الثالثة: شُبه الظالم بالحيوان الذي له أنياب، وهذه استعارة مكنية حُذف منها المشبه به “الحيوان” وذكر المشبه “الظالم” وارتبط بالمشبه به صفة من صفاته وهي الأنياب التي تُفترس بها الفريسة.
- عدِّد أركان الاستعارة في الجمل التالية مع بيان نوعها.
- طار الرجل من فرحته.
- يهجم علينا الزمان.
- تبتسم الضمائر والعقول.
- في الجملة الأولى: المستعار له: الرجل، المستعار منه: محذوف والمقصود به الطائر، اللفظ المستعار: طار، استعارة مكنية، شبه الرجل بالطائر الذي يطير.
- في الجملة الثانية: المستعار له: الزمان، المستعار منه: محذوف والمقصود به الجيش، اللفظ المستعار: يهجم، استعارة مكنية، شبه الزمان بالجيش الذي يهجم على عدوه.
- في الجملة الثالثة: المستعار له: الضمائر والعقول، المستعار منه: محذوف والمقصود به الإنسان، اللفظ المستعار: تبتسم، استعارة مكنية، شبه الضمائر والعقول بالإنسان الذي يبتسم.
المراجع
- ↑ عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 173_175. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد أحمد قاسم محيي الدين ديب، علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني، صفحة 198. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية:41
- ↑ سورة الأحزاب، آية:11
- ↑ أحمد فتحي رمضان الحياني، الاستعارة في القرآن الكريم: أنماطها ودلالاتها البلاغية، صفحة 108. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:24
- ↑ [مجموعة من المؤلفين]، الموسوعة القرآنية المتخصصة، صفحة 550. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:651.
- ↑ محمد علي إبراهيم حسين علي الطائي، الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، صفحة 107.
- ↑ رواه البغوي، في شرح السنة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2/470.
- ↑ محمد علي إبراهيم حسين علي الطائي، الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، صفحة 99_100. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1898.
- ↑ محمد علي إبراهيم حسين علي الطائي، الاستعارة في الحديث النبوي الشريف، صفحة 111. بتصرّف.
- ↑ أدونيس، ديوان الشعر العربي، صفحة 322، جزء 1.
- ↑ تقديم وشرح كرم البستاني، ديوان السري الرفاء، صفحة 84.
- ^ أ ب عبد العزيز عتيق، علم البيان، صفحة 181.
- ↑ “أَلا ما لِسَيِّدَتي ما لَها”، بوابة الشعراء.