أسباب النزول
لقد نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بعد بعثته، وقد كان القرآن ينزل على فتراتٍ ولم ينزِل دفعةً واحدةً، وفي بعض الحالات كان الله تعالى يُنزل الآيات لأسبابٍ معيّنةٍ، سواء لتوضيح موقف الدين من مسألةٍ معينةٍ حصلت مع النبي صلى الله عليه وسلّم أو أحد من الصحابة، أو لتعليم المسلمين علوم الدين، وقد استطاع العلماء تدوين أسباب نزول بعض السور اعتماداً على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم الصحيحة أو موافقته على ما ورد من أحد الصحابة.
أسباب نزول سورة الكوثر
عن ابنِ عباسٍ قال: لما قدم كعبُ بنُ الأشرفِ مكةَ قالت له قريشٌ: أنت خيرُ أهلِ المدينةِ وسيِّدُهم، قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا الصنبورِ المنبترِ من قومِه يزعمُ أنَّهُ خيرٌ منا ونحنُ أهلُ الحجيجِ وأهلُ السدانةِ وأهلُ السقايةِ، قال: أنتم خيرٌ منه، قال: فأنزلت: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وأُنزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوْا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبِتِ وَالطَّاغُوتِ إلى قولِه: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا.
فبعض المشركين أخذوا يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلّم لظنهم أنه سينقطِع ذكره بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم، وهذا كان شأن الجاهلين فقد كانوا يظنون أنَّ الشخص ينقطع ذكره بعد وفاته إذا لم يكن له أولاد ذكور يحملون اسمه، وهنا نزلت الآيات لتنصر النبي عليهم وتطمئنه بأن خير الدنيا والآخرة له، وبأنهم هم من سينقطع ذكرهم ولا خير لهم في الدنيا والآخرة.
التعريف بسورة الكوثر
سورة الكوثر سورةٌ مكيّةٌ نزلت في مكة المكرمة، وعدد آياتها ثلاث آياتٍ، وترتيبها في المصحف الشريفة١٠٨ ولكن ترتيبها في النزول ١٥، وقد نزلت بعد سورة العاديات، وهي أصغر سورةٍ في القرآن الكريم، ولم يذكر فيها لفظ الجلالة عز وجل.
لقد بدأت السورة بالتأكيد على ما منحه الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم من نعمٍ كثيرةٍ، فالكوثر يعني في اللغة العربيّة الخير الكثير، وهو ما دلّ عليه الله عزّ وجل بداية السورة، ومن هذه النعم نهر الكوثر، والكوثر هو نهرٌ في الجنة وهبه الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه سلم حيث ترد الأمة الإسلاميّة جميعها عند هذا النهر، كما أنّه عز وجل طمأن النبي صلى الله عليه وسلّم بأنه سيُخزي أعداءه وبأن كل من يبغضه ويكرهه هو من ينقطع الخير عنه في الدنيا والآخرة، بينما ذِكر النبي يبقى مخلّداً عبر الأزمان، ويتردد في كل مكانٍ وفوق المنابر وعلى لسان كل مسلمٍ، وفي آخر الآيات دعاه الله عز وجل إلى الالتزام بالصلاة وتقديم الهدي تقرّباً إليه عز وجل.