محتويات
'); }
الحكمة من نزول القرآن مفرّقا
اقتضت حكمة الله -تعالى- نزول القرآن الكريم مفرّقاً لتثبيت فؤاد النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة رضي الله عنهم، وتحدّي المشركين وإعجازهم، بالإضافة إلى التدرّج في التشريع الإسلامي، من خلال نزول القرآن الكريم مع كل حدث وكل مناسبة معلماً، ومرشداً، ومشرّعاً للأحكام، وقد اعتنى العلماء بدراسة الأحداث والمناسبات التي نزلت بشأنها آيات القرآن الكريم، وعُرف هذا العلم بأسباب النزول، وقد خصّصوا لهذا العلم العظيم العديد من المؤلّفات، ومن أشهرها كتاب أسباب النزول للواحدي، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي، واعتمدوا في معرفة أسباب النزول على صحة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة -رضي الله عنهم- الذين عايشوا التنزيل ووقفوا على الأسباب.[١]
سبب نزول سورة الفلق والناس
نزلت سورتا الفلق والناس معاً، ولذلك أُطلق عليهما اسم المعوّذتين، وهما سورتان مكيّتان، ومن المفصل، وقد نزلتا بعد سورة الفيل، وهما آخر سورتين في ترتيب المصحف، حيث إن ترتيب سورة الفلق الثالثة عشر بعد المئة، وسورة الناس هي الأخيرة في ترتيب سور المصحف، ويبلغ عدد آيات سورة الفلق خمس آيات، بينما يبلغ عدد آيات سورة الناس ست آيات، وقد افتتحت المعوّذتين بفعل الأمر (قل أعوذ)، ولم يذكر فيهما لفظ الجلالة،[٢][٣] وقد ورد في كتب التفسير ذكر سبب نزول سورتا الفلق والناس، حيث قيل إن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي عليه الصلاة والسلام، فطلب منه اليهود أن يحضر لهم مشاط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدّة أسنانٍ من مشطه، فأخذها وأعطاها لليهود، فسحروه بها، وكان لُبيْد بن الأعصم اليهودي من تولى عمل السحر، ووضعه في بئر ذروان التي تعود لبني زريق.[٤]
'); }
فمرض النبي عليه الصلاة والسلام، وانتثر شعره، واستمر مرضه ستة أشهر، وكان يخيّل إليه أنه قد أتى زوجاته، وهو في الحقيقة لا يأتيهن، وأخذ وضعه يزداد تدهوراً، وهو لا يدري ما أصابه، وفي أحد الأيام، وبينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، جاءه ملاكان، جلس أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فَقالَ أحَدُهُما لِصَاحِبِهِ: “ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قال: وما الطب، قال: سحر، قالَ: مَن سحره؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ اليهودي، قالَ: في مَاذَا؟ قالَ: في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ، قالَ: فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في ذَرْوَانَ -وذَرْوَانُ بئْرٌ في بَنِي زُرَيْقٍ-“، ثم انتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبر عائشة -رضي الله عنها- بالأمر، ثم بعث عمار بن ياسر، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام رضي الله عنهم، فوجدوا ماء البئر وكأنه نقع الحناء، فأزاحوه ورفعوا الصخرة، فأخرجوا الحجاب.[٤]
فوجدوا فيه مشاط رأس النبي عليه الصلاة والسلام، وأسنان مشطه، ووتر معقود إحدى عشرة عقدة ومغروزة بالإبر، فأنزل الله -تعالى- قوله: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)،[٥] وقوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَـهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)،[٦] وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ المعوّذتين، وكلما قرأ آية انحلّت عقدة، ووجد تحسّناً حتى انحلت العقد كلها، فقام -عليه الصلاة والسلام- نشيطاً من غير بأس، وكان جبريل -عليه السلام- يقول: “بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن عين وحاسد الله يشفيك”، فقال الصحابة رضي الله عنهم: “يا رسولَ الله، أفلا نؤُم الخبيث؟! فنقتله”؟! فكان من حلم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رفض قتل اليهودي الخبيث حتى لا يثير على الناس شراً.[٤]
فضل سورة الفلق والناس
ورد في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تدل على عظم فضل سورة الفلق وسورة الناس، ومنها ما رُوي عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا أُعلِّمُكَ سُوَرًا ما أُنْزلتْ في التوراةِ ولا في الزبورِ ولا في الإنجيلِ ولا في الفرقانِ مثلهنَّ لا يأتيَنَّ عليكَ ليلةٌ إلا قرأتَهُنَّ فيها {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ})،[٧] ورُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال مخاطباً ابن عابس الجهني رضي الله عنه: (يا ابنَ عابس ألا أدلُّكَ أو قالَ : ألا أخبِرُكَ بأفضلِ ما يتعوَّذُ بِهِ المتعوِّذونَ قالَ بلى يا رسولَ اللَّهِ قالَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).[٨][٩]
مراحل نزول القرآن
يُعرّف القرآن الكريم على أنه كلام الله -تعالى- المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحياً بواسطة الملك جبريل عليه السلام، المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، وهو أول مصدرٍ من مصادر التشريع الإسلامي، وينقسم إلى ثلاثين جزءاً، ويبلغ عدد سوره مئة وأربع عشرة سورة،[١٠] ومن الجدير بالذكر أن أهل العلم اختلفوا في طرفٍ من مسألة نزول القرآن الكريم، وأجمعوا على طرفٍ آخر، فقد اختلفوا في أصل نزول القرآن، فقال فريق منهم أنه نزل جملةً واحدة من الله -تعالى- إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).[١١][١٢]
وقال الفريق الآخر أن القرآن الكريم لم ينزل جملةً واحدةً بل نزل مفرّقاً، ولكن بداية نزوله كانت في ليلة القدر، وأجمع أهل العلم على أن القرآن الكريم نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- منجّماً، أي مفرّقاً بحسب الوقائع والأحداث لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلً)،[١٣] وقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)،[١٤][١٢]
المراجع
- ↑ أ. طاهر العتباني (1-11-2010)، “علم أسباب النزول”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ “سورة الفلق 113/114”، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ “سورة الناس 114/114”، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت “أسباب النزول للواحدي”، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفلق، آية: 1-5.
- ↑ سورة الناس، آية: 1-6.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 6/859، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن ابن عابس الجهني، الصفحة أو الرقم: 5447، صحيح.
- ↑ “الْمُعَوِّذَتَانِ”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2019. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى القرآن في قاموس المعجم الوسيط”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-3.
- ^ أ ب “هل نزل القرآن جملة واحدة أم مفرَّقاً ؟”، www.islamqa.info، 02-07-2012، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 106.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 32.