معارك و غزوات

سبب غزوة حنين

سبب غزوة حنين

سُبِقت غزوة حنين بحدثٍ عظيم، وهو فتح مكة المُكرَّمة على يد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، وقد شاع خبر هذا الفتح بين القبائل إلى أن وصل إلى قبيلتي هوازن وثقيف، وقد كانوا يدينون بالشّرك وعبادة الأوثان، فقاموا بحشد قِواهم المادّية والبشرية حتى اجتمع رأيهم على قتال المُسلمين وهزيمتهم بعد أن ذاع صيتهم في جزيرة العرب،[١] واتّحدت مع هذه القبائل نصر، وجشم، وسعد بن بكر، وبعض بني هلال، وقد امتلأت قلوبهم بالكِبر والعُجب بسبب انتصار المسلمين، وذهبوا إلى مالك بن عوف النصري، وقرّروا الذهاب لحرب المسلمين.[٢]

أحداث غزوة حنين

قرَّر مالك بن عوف أن يأخذ معه النساء والأطفال والبعير إلى الحرب؛ حتى يُبقي المقاتلين في حالة ثباتٍ ويقاتلوا عن أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وتجمّعوا في وادٍ يُطلق عليه وادي أوطاس، أما المُسلمين فقد نزلوا في وادي حُنين، فقام مالك بن عوف بإرسال ثلاثة رسل؛ ليأتوه بخبر المُسلمين، فعادوا إليه وقد ملأ قلوبهم الخوف والوجل من عظمة ما رأوا، وقالوا له: “رأينا رجالا بيضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، ما تقاتل أهل الأرض إنما تقاتل أهل السماء، وإذا أطعتنا رجعت بالناس”، فغضب مالك وحبس الرّسل الثلاثة، وبقي على رأيه مصمّماً على الحرب،[٣] وكانت هذه الغزوة في العاشر من شهر شوال، في السنة الثامنة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد هزيمة المُشركين في مكة المكرَّمة وفتحها بأيامٍ قلائل، وقد كان عدد المُشركين آنذاك يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، وخرج كل من جاء مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفتح مكة المكرّمة، بالإضافة لمن أسلموا بعد الفتح، ولمَّا التقى الجيشان في ساحة المواجهة، لم يثبت المشركون أمام المُسلمين وانهزموا.[٤]

ولكن تلا ذلك انشغال المُسلمين في تقسيم الغنائم، ممَّا قلب موازين المعركة ورجَّح كفة المُشركين، فهرب المسلمون الجدد ومن كان معهم من أهل مكة، وبقي النبي -صلَّى الله عليه وسلمَّ- في ساحة المعركة، وكان قد انتشر بين المسلمين إشاعة استشهاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ)،[٥] فتفاوتت ردَّات الفعل عند من وصلتهم هذه الشائعة بين يائسٍ ومنهزمٍ، وثابتٍ مُقاتلٍ، فصدح العبَّاس في صفوفهم بصوتٍ عالٍ، وقال لهم إن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لازال على قيد الحياة، فعاد المسلمون إلى أماكنهمم، وانتصروا على المُشركين، وكانت الغنائم من هذه الغزوة كثيرة، فقام النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- بتوزيعها على المُسلمين، وكان لحديثي الإسلام قسمٌ كبيرٌ منها؛ لتأليف قلوبهم وزيادة رسوخهم على عقيدة الإسلام، ولم يكن للأنصار حظاً من هذه الغنائم؛ لِما كان من ثباتهم وصدق إيمانهم.[٤]

ويجدر بالذَّكر أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ أن يعود أصحاب الغنائم إليه نادمين تائبين؛ ممَّا دفعه إلى التريُّث في توزيع الغنائم على المُسلمين بضع ليالٍ، ولكن لم يأتِه منهم أحد، أمَّا عن المُشركين وقائدهم مالك بن عوف؛ فقد هربوا من أرض المعركة وذهبوا إلى الطائف، فجمع رسول الله الغنائم في مكانٍ ووضع عليها حارساً، وذهب -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المكان الذي هرب إليه مالك وجيشه في الطائف، وحاصرهم مع المسلمين لفترة طويلة، ثمّ رجعوا.[٦]

نتيجة غزوة حنين

تظهر نتائج عزوة حُنين بما كان فيها من الهزيمة والنصر، وما كان في توقيتها من التقارب الزمني بينها وبين فتح مكة، فقد كان من أبرز نتائجها أن قويت شوكة المُسلمين، وانكسرت راية الشرك في جزيرة العرب، وجعل الله -تعالى- الغنائم من غزوة حُنينٍ بمثابة الشُكر للمسلمين على فتح مكة المكرَّمة، ومنها كذلك أنَّ الله -تعالى- أنعم على المسلمين بالنَّصر يوم حُنين بعد أن ذاقوا ألم الهزيمة، فازداد فرحهم بنصر الله لهم، وإمدادهم بعونه على الرَّغم من قوة المَشركين في العدد والعُدَّة، ولم يجرؤ العرب بعد ذلك على قتال النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-.[٧]

المراجع

  1. ابراهيم بن ابراهيم قريبي (1412)، كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.
  2. صفي الدين المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، بيروت: دار الهلال، صفحة 380. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الاولى)، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، صفحة 103. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2930، صحيح.
  6. صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 517. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الاولى)، صفحة 327-329، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

سبب غزوة حنين

سُبِقت غزوة حنين بحدثٍ عظيم، وهو فتح مكة المُكرَّمة على يد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، وقد شاع خبر هذا الفتح بين القبائل إلى أن وصل إلى قبيلتي هوازن وثقيف، وقد كانوا يدينون بالشّرك وعبادة الأوثان، فقاموا بحشد قِواهم المادّية والبشرية حتى اجتمع رأيهم على قتال المُسلمين وهزيمتهم بعد أن ذاع صيتهم في جزيرة العرب،[١] واتّحدت مع هذه القبائل نصر، وجشم، وسعد بن بكر، وبعض بني هلال، وقد امتلأت قلوبهم بالكِبر والعُجب بسبب انتصار المسلمين، وذهبوا إلى مالك بن عوف النصري، وقرّروا الذهاب لحرب المسلمين.[٢]

أحداث غزوة حنين

قرَّر مالك بن عوف أن يأخذ معه النساء والأطفال والبعير إلى الحرب؛ حتى يُبقي المقاتلين في حالة ثباتٍ ويقاتلوا عن أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وتجمّعوا في وادٍ يُطلق عليه وادي أوطاس، أما المُسلمين فقد نزلوا في وادي حُنين، فقام مالك بن عوف بإرسال ثلاثة رسل؛ ليأتوه بخبر المُسلمين، فعادوا إليه وقد ملأ قلوبهم الخوف والوجل من عظمة ما رأوا، وقالوا له: “رأينا رجالا بيضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، ما تقاتل أهل الأرض إنما تقاتل أهل السماء، وإذا أطعتنا رجعت بالناس”، فغضب مالك وحبس الرّسل الثلاثة، وبقي على رأيه مصمّماً على الحرب،[٣] وكانت هذه الغزوة في العاشر من شهر شوال، في السنة الثامنة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد هزيمة المُشركين في مكة المكرَّمة وفتحها بأيامٍ قلائل، وقد كان عدد المُشركين آنذاك يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، وخرج كل من جاء مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفتح مكة المكرّمة، بالإضافة لمن أسلموا بعد الفتح، ولمَّا التقى الجيشان في ساحة المواجهة، لم يثبت المشركون أمام المُسلمين وانهزموا.[٤]

ولكن تلا ذلك انشغال المُسلمين في تقسيم الغنائم، ممَّا قلب موازين المعركة ورجَّح كفة المُشركين، فهرب المسلمون الجدد ومن كان معهم من أهل مكة، وبقي النبي -صلَّى الله عليه وسلمَّ- في ساحة المعركة، وكان قد انتشر بين المسلمين إشاعة استشهاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ)،[٥] فتفاوتت ردَّات الفعل عند من وصلتهم هذه الشائعة بين يائسٍ ومنهزمٍ، وثابتٍ مُقاتلٍ، فصدح العبَّاس في صفوفهم بصوتٍ عالٍ، وقال لهم إن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لازال على قيد الحياة، فعاد المسلمون إلى أماكنهمم، وانتصروا على المُشركين، وكانت الغنائم من هذه الغزوة كثيرة، فقام النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- بتوزيعها على المُسلمين، وكان لحديثي الإسلام قسمٌ كبيرٌ منها؛ لتأليف قلوبهم وزيادة رسوخهم على عقيدة الإسلام، ولم يكن للأنصار حظاً من هذه الغنائم؛ لِما كان من ثباتهم وصدق إيمانهم.[٤]

ويجدر بالذَّكر أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ أن يعود أصحاب الغنائم إليه نادمين تائبين؛ ممَّا دفعه إلى التريُّث في توزيع الغنائم على المُسلمين بضع ليالٍ، ولكن لم يأتِه منهم أحد، أمَّا عن المُشركين وقائدهم مالك بن عوف؛ فقد هربوا من أرض المعركة وذهبوا إلى الطائف، فجمع رسول الله الغنائم في مكانٍ ووضع عليها حارساً، وذهب -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المكان الذي هرب إليه مالك وجيشه في الطائف، وحاصرهم مع المسلمين لفترة طويلة، ثمّ رجعوا.[٦]

نتيجة غزوة حنين

تظهر نتائج عزوة حُنين بما كان فيها من الهزيمة والنصر، وما كان في توقيتها من التقارب الزمني بينها وبين فتح مكة، فقد كان من أبرز نتائجها أن قويت شوكة المُسلمين، وانكسرت راية الشرك في جزيرة العرب، وجعل الله -تعالى- الغنائم من غزوة حُنينٍ بمثابة الشُكر للمسلمين على فتح مكة المكرَّمة، ومنها كذلك أنَّ الله -تعالى- أنعم على المسلمين بالنَّصر يوم حُنين بعد أن ذاقوا ألم الهزيمة، فازداد فرحهم بنصر الله لهم، وإمدادهم بعونه على الرَّغم من قوة المَشركين في العدد والعُدَّة، ولم يجرؤ العرب بعد ذلك على قتال النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-.[٧]

المراجع

  1. ابراهيم بن ابراهيم قريبي (1412)، كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.
  2. صفي الدين المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، بيروت: دار الهلال، صفحة 380. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الاولى)، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، صفحة 103. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2930، صحيح.
  6. صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 517. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الاولى)، صفحة 327-329، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

سبب غزوة حنين

سُبِقت غزوة حنين بحدثٍ عظيم، وهو فتح مكة المُكرَّمة على يد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، وقد شاع خبر هذا الفتح بين القبائل إلى أن وصل إلى قبيلتي هوازن وثقيف، وقد كانوا يدينون بالشّرك وعبادة الأوثان، فقاموا بحشد قِواهم المادّية والبشرية حتى اجتمع رأيهم على قتال المُسلمين وهزيمتهم بعد أن ذاع صيتهم في جزيرة العرب،[١] واتّحدت مع هذه القبائل نصر، وجشم، وسعد بن بكر، وبعض بني هلال، وقد امتلأت قلوبهم بالكِبر والعُجب بسبب انتصار المسلمين، وذهبوا إلى مالك بن عوف النصري، وقرّروا الذهاب لحرب المسلمين.[٢]

أحداث غزوة حنين

قرَّر مالك بن عوف أن يأخذ معه النساء والأطفال والبعير إلى الحرب؛ حتى يُبقي المقاتلين في حالة ثباتٍ ويقاتلوا عن أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وتجمّعوا في وادٍ يُطلق عليه وادي أوطاس، أما المُسلمين فقد نزلوا في وادي حُنين، فقام مالك بن عوف بإرسال ثلاثة رسل؛ ليأتوه بخبر المُسلمين، فعادوا إليه وقد ملأ قلوبهم الخوف والوجل من عظمة ما رأوا، وقالوا له: “رأينا رجالا بيضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، ما تقاتل أهل الأرض إنما تقاتل أهل السماء، وإذا أطعتنا رجعت بالناس”، فغضب مالك وحبس الرّسل الثلاثة، وبقي على رأيه مصمّماً على الحرب،[٣] وكانت هذه الغزوة في العاشر من شهر شوال، في السنة الثامنة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد هزيمة المُشركين في مكة المكرَّمة وفتحها بأيامٍ قلائل، وقد كان عدد المُشركين آنذاك يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، وخرج كل من جاء مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفتح مكة المكرّمة، بالإضافة لمن أسلموا بعد الفتح، ولمَّا التقى الجيشان في ساحة المواجهة، لم يثبت المشركون أمام المُسلمين وانهزموا.[٤]

ولكن تلا ذلك انشغال المُسلمين في تقسيم الغنائم، ممَّا قلب موازين المعركة ورجَّح كفة المُشركين، فهرب المسلمون الجدد ومن كان معهم من أهل مكة، وبقي النبي -صلَّى الله عليه وسلمَّ- في ساحة المعركة، وكان قد انتشر بين المسلمين إشاعة استشهاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ)،[٥] فتفاوتت ردَّات الفعل عند من وصلتهم هذه الشائعة بين يائسٍ ومنهزمٍ، وثابتٍ مُقاتلٍ، فصدح العبَّاس في صفوفهم بصوتٍ عالٍ، وقال لهم إن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لازال على قيد الحياة، فعاد المسلمون إلى أماكنهمم، وانتصروا على المُشركين، وكانت الغنائم من هذه الغزوة كثيرة، فقام النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- بتوزيعها على المُسلمين، وكان لحديثي الإسلام قسمٌ كبيرٌ منها؛ لتأليف قلوبهم وزيادة رسوخهم على عقيدة الإسلام، ولم يكن للأنصار حظاً من هذه الغنائم؛ لِما كان من ثباتهم وصدق إيمانهم.[٤]

ويجدر بالذَّكر أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ أن يعود أصحاب الغنائم إليه نادمين تائبين؛ ممَّا دفعه إلى التريُّث في توزيع الغنائم على المُسلمين بضع ليالٍ، ولكن لم يأتِه منهم أحد، أمَّا عن المُشركين وقائدهم مالك بن عوف؛ فقد هربوا من أرض المعركة وذهبوا إلى الطائف، فجمع رسول الله الغنائم في مكانٍ ووضع عليها حارساً، وذهب -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المكان الذي هرب إليه مالك وجيشه في الطائف، وحاصرهم مع المسلمين لفترة طويلة، ثمّ رجعوا.[٦]

نتيجة غزوة حنين

تظهر نتائج عزوة حُنين بما كان فيها من الهزيمة والنصر، وما كان في توقيتها من التقارب الزمني بينها وبين فتح مكة، فقد كان من أبرز نتائجها أن قويت شوكة المُسلمين، وانكسرت راية الشرك في جزيرة العرب، وجعل الله -تعالى- الغنائم من غزوة حُنينٍ بمثابة الشُكر للمسلمين على فتح مكة المكرَّمة، ومنها كذلك أنَّ الله -تعالى- أنعم على المسلمين بالنَّصر يوم حُنين بعد أن ذاقوا ألم الهزيمة، فازداد فرحهم بنصر الله لهم، وإمدادهم بعونه على الرَّغم من قوة المَشركين في العدد والعُدَّة، ولم يجرؤ العرب بعد ذلك على قتال النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-.[٧]

المراجع

  1. ابراهيم بن ابراهيم قريبي (1412)، كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.
  2. صفي الدين المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، بيروت: دار الهلال، صفحة 380. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الاولى)، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، صفحة 103. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2930، صحيح.
  6. صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 517. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الاولى)، صفحة 327-329، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

سبب غزوة حنين

سُبِقت غزوة حنين بحدثٍ عظيم، وهو فتح مكة المُكرَّمة على يد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، وقد شاع خبر هذا الفتح بين القبائل إلى أن وصل إلى قبيلتي هوازن وثقيف، وقد كانوا يدينون بالشّرك وعبادة الأوثان، فقاموا بحشد قِواهم المادّية والبشرية حتى اجتمع رأيهم على قتال المُسلمين وهزيمتهم بعد أن ذاع صيتهم في جزيرة العرب،[١] واتّحدت مع هذه القبائل نصر، وجشم، وسعد بن بكر، وبعض بني هلال، وقد امتلأت قلوبهم بالكِبر والعُجب بسبب انتصار المسلمين، وذهبوا إلى مالك بن عوف النصري، وقرّروا الذهاب لحرب المسلمين.[٢]

أحداث غزوة حنين

قرَّر مالك بن عوف أن يأخذ معه النساء والأطفال والبعير إلى الحرب؛ حتى يُبقي المقاتلين في حالة ثباتٍ ويقاتلوا عن أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وتجمّعوا في وادٍ يُطلق عليه وادي أوطاس، أما المُسلمين فقد نزلوا في وادي حُنين، فقام مالك بن عوف بإرسال ثلاثة رسل؛ ليأتوه بخبر المُسلمين، فعادوا إليه وقد ملأ قلوبهم الخوف والوجل من عظمة ما رأوا، وقالوا له: “رأينا رجالا بيضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، ما تقاتل أهل الأرض إنما تقاتل أهل السماء، وإذا أطعتنا رجعت بالناس”، فغضب مالك وحبس الرّسل الثلاثة، وبقي على رأيه مصمّماً على الحرب،[٣] وكانت هذه الغزوة في العاشر من شهر شوال، في السنة الثامنة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد هزيمة المُشركين في مكة المكرَّمة وفتحها بأيامٍ قلائل، وقد كان عدد المُشركين آنذاك يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، وخرج كل من جاء مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفتح مكة المكرّمة، بالإضافة لمن أسلموا بعد الفتح، ولمَّا التقى الجيشان في ساحة المواجهة، لم يثبت المشركون أمام المُسلمين وانهزموا.[٤]

ولكن تلا ذلك انشغال المُسلمين في تقسيم الغنائم، ممَّا قلب موازين المعركة ورجَّح كفة المُشركين، فهرب المسلمون الجدد ومن كان معهم من أهل مكة، وبقي النبي -صلَّى الله عليه وسلمَّ- في ساحة المعركة، وكان قد انتشر بين المسلمين إشاعة استشهاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ)،[٥] فتفاوتت ردَّات الفعل عند من وصلتهم هذه الشائعة بين يائسٍ ومنهزمٍ، وثابتٍ مُقاتلٍ، فصدح العبَّاس في صفوفهم بصوتٍ عالٍ، وقال لهم إن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لازال على قيد الحياة، فعاد المسلمون إلى أماكنهمم، وانتصروا على المُشركين، وكانت الغنائم من هذه الغزوة كثيرة، فقام النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- بتوزيعها على المُسلمين، وكان لحديثي الإسلام قسمٌ كبيرٌ منها؛ لتأليف قلوبهم وزيادة رسوخهم على عقيدة الإسلام، ولم يكن للأنصار حظاً من هذه الغنائم؛ لِما كان من ثباتهم وصدق إيمانهم.[٤]

ويجدر بالذَّكر أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ أن يعود أصحاب الغنائم إليه نادمين تائبين؛ ممَّا دفعه إلى التريُّث في توزيع الغنائم على المُسلمين بضع ليالٍ، ولكن لم يأتِه منهم أحد، أمَّا عن المُشركين وقائدهم مالك بن عوف؛ فقد هربوا من أرض المعركة وذهبوا إلى الطائف، فجمع رسول الله الغنائم في مكانٍ ووضع عليها حارساً، وذهب -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المكان الذي هرب إليه مالك وجيشه في الطائف، وحاصرهم مع المسلمين لفترة طويلة، ثمّ رجعوا.[٦]

نتيجة غزوة حنين

تظهر نتائج عزوة حُنين بما كان فيها من الهزيمة والنصر، وما كان في توقيتها من التقارب الزمني بينها وبين فتح مكة، فقد كان من أبرز نتائجها أن قويت شوكة المُسلمين، وانكسرت راية الشرك في جزيرة العرب، وجعل الله -تعالى- الغنائم من غزوة حُنينٍ بمثابة الشُكر للمسلمين على فتح مكة المكرَّمة، ومنها كذلك أنَّ الله -تعالى- أنعم على المسلمين بالنَّصر يوم حُنين بعد أن ذاقوا ألم الهزيمة، فازداد فرحهم بنصر الله لهم، وإمدادهم بعونه على الرَّغم من قوة المَشركين في العدد والعُدَّة، ولم يجرؤ العرب بعد ذلك على قتال النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-.[٧]

المراجع

  1. ابراهيم بن ابراهيم قريبي (1412)، كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.
  2. صفي الدين المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، بيروت: دار الهلال، صفحة 380. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الاولى)، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، صفحة 103. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2930، صحيح.
  6. صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 517. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الاولى)، صفحة 327-329، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

سبب غزوة حنين

سُبِقت غزوة حنين بحدثٍ عظيم، وهو فتح مكة المُكرَّمة على يد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام، وقد شاع خبر هذا الفتح بين القبائل إلى أن وصل إلى قبيلتي هوازن وثقيف، وقد كانوا يدينون بالشّرك وعبادة الأوثان، فقاموا بحشد قِواهم المادّية والبشرية حتى اجتمع رأيهم على قتال المُسلمين وهزيمتهم بعد أن ذاع صيتهم في جزيرة العرب،[١] واتّحدت مع هذه القبائل نصر، وجشم، وسعد بن بكر، وبعض بني هلال، وقد امتلأت قلوبهم بالكِبر والعُجب بسبب انتصار المسلمين، وذهبوا إلى مالك بن عوف النصري، وقرّروا الذهاب لحرب المسلمين.[٢]

أحداث غزوة حنين

قرَّر مالك بن عوف أن يأخذ معه النساء والأطفال والبعير إلى الحرب؛ حتى يُبقي المقاتلين في حالة ثباتٍ ويقاتلوا عن أنفسهم وأموالهم ونسائهم، وتجمّعوا في وادٍ يُطلق عليه وادي أوطاس، أما المُسلمين فقد نزلوا في وادي حُنين، فقام مالك بن عوف بإرسال ثلاثة رسل؛ ليأتوه بخبر المُسلمين، فعادوا إليه وقد ملأ قلوبهم الخوف والوجل من عظمة ما رأوا، وقالوا له: “رأينا رجالا بيضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، ما تقاتل أهل الأرض إنما تقاتل أهل السماء، وإذا أطعتنا رجعت بالناس”، فغضب مالك وحبس الرّسل الثلاثة، وبقي على رأيه مصمّماً على الحرب،[٣] وكانت هذه الغزوة في العاشر من شهر شوال، في السنة الثامنة من هجرة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد هزيمة المُشركين في مكة المكرَّمة وفتحها بأيامٍ قلائل، وقد كان عدد المُشركين آنذاك يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، وخرج كل من جاء مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفتح مكة المكرّمة، بالإضافة لمن أسلموا بعد الفتح، ولمَّا التقى الجيشان في ساحة المواجهة، لم يثبت المشركون أمام المُسلمين وانهزموا.[٤]

ولكن تلا ذلك انشغال المُسلمين في تقسيم الغنائم، ممَّا قلب موازين المعركة ورجَّح كفة المُشركين، فهرب المسلمون الجدد ومن كان معهم من أهل مكة، وبقي النبي -صلَّى الله عليه وسلمَّ- في ساحة المعركة، وكان قد انتشر بين المسلمين إشاعة استشهاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ)،[٥] فتفاوتت ردَّات الفعل عند من وصلتهم هذه الشائعة بين يائسٍ ومنهزمٍ، وثابتٍ مُقاتلٍ، فصدح العبَّاس في صفوفهم بصوتٍ عالٍ، وقال لهم إن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لازال على قيد الحياة، فعاد المسلمون إلى أماكنهمم، وانتصروا على المُشركين، وكانت الغنائم من هذه الغزوة كثيرة، فقام النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- بتوزيعها على المُسلمين، وكان لحديثي الإسلام قسمٌ كبيرٌ منها؛ لتأليف قلوبهم وزيادة رسوخهم على عقيدة الإسلام، ولم يكن للأنصار حظاً من هذه الغنائم؛ لِما كان من ثباتهم وصدق إيمانهم.[٤]

ويجدر بالذَّكر أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحبَّ أن يعود أصحاب الغنائم إليه نادمين تائبين؛ ممَّا دفعه إلى التريُّث في توزيع الغنائم على المُسلمين بضع ليالٍ، ولكن لم يأتِه منهم أحد، أمَّا عن المُشركين وقائدهم مالك بن عوف؛ فقد هربوا من أرض المعركة وذهبوا إلى الطائف، فجمع رسول الله الغنائم في مكانٍ ووضع عليها حارساً، وذهب -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المكان الذي هرب إليه مالك وجيشه في الطائف، وحاصرهم مع المسلمين لفترة طويلة، ثمّ رجعوا.[٦]

نتيجة غزوة حنين

تظهر نتائج عزوة حُنين بما كان فيها من الهزيمة والنصر، وما كان في توقيتها من التقارب الزمني بينها وبين فتح مكة، فقد كان من أبرز نتائجها أن قويت شوكة المُسلمين، وانكسرت راية الشرك في جزيرة العرب، وجعل الله -تعالى- الغنائم من غزوة حُنينٍ بمثابة الشُكر للمسلمين على فتح مكة المكرَّمة، ومنها كذلك أنَّ الله -تعالى- أنعم على المسلمين بالنَّصر يوم حُنين بعد أن ذاقوا ألم الهزيمة، فازداد فرحهم بنصر الله لهم، وإمدادهم بعونه على الرَّغم من قوة المَشركين في العدد والعُدَّة، ولم يجرؤ العرب بعد ذلك على قتال النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-.[٧]

المراجع

  1. ابراهيم بن ابراهيم قريبي (1412)، كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، صفحة 87. بتصرّف.
  2. صفي الدين المباركفوري، كتاب الرحيق المختوم، بيروت: دار الهلال، صفحة 380. بتصرّف.
  3. أحمد أحمد غلوش (2004)، كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (الطبعة الاولى)، صفحة 596. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مصطفى السباعي (1985)، كتاب السيرة النبوية دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، صفحة 103. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 2930، صحيح.
  6. صالح بن طه عبد الواحد (1428)، كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام (الطبعة الثانية)، صفحة 517. بتصرّف.
  7. محمد بن عبد الباقي الزرقاني (1996)، كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الاولى)، صفحة 327-329، جزء 3. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى