الذبياني هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر، لقب بالنابغة نظراً لإبداعه بالشعر، فقد كان لشعره مكانة مرموقة ومميزة في الجاهلية، لأنه كان يلمس الواقع الذي يعيشه ويصفة بكلمات سهلة وبسيطة.
محتويات
ديوان النابغة الذبياني
أمن آل مية
أمن آل مية رائح أو مغتد
عجلان ذا زاد وغير مزود
أفد الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكأن قد
زعم البوارح أن رحلتنا غداً
وبذاك خبرنا الغداف الأسود
لا مرحباً بغد ولا أهلاً به
إن كان تفريق الأحبة في غد
حان الرحيل ولم تودع مهدداً
والصبح والإمساء منها موعدي
في إثر غانية رمتك بسهمها
فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة
منها بعطف رسالة وتودد
ولقد أصابت قلبه من حبها
عن ظهر مرنان بسهم مصرد
نظرت بمقلة شادن متربب
أحوى أحم المقلتين مقلد
والنظم في سلك يزين نحرها
ذهب توقد كالشهاب الموقد
صفراء كالسيراء أكمل خلقها
كالغصن، في غلوائه، المتأود
والبطن ذو عكن، لطيف طيه
والإتب تنفجه بثدي مقعد
محطوطة المتنين، غير مفاضة
ريا الروادف، بضة المتجرد
قامت تراءى بين سجفي كلة
كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
أو درة صدفية غواصها
بهج، متى يرها يهل ويسجد
أو دمية من مرمر، مرفوعة
بنيت بآجر، تشاد، وقرمد
سقط النصيف، ولم ترد إسقاطه
فتناولته، واتقتنا باليد
بمخضب رخص، كأن بنانه
عنم، يكاد من اللطافة يعقد
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
نظر السقيم إلى وجوه العود
تجلو بقادمتي حمامة أيكة
برداً أسف لثاته بالإثمد
كالأقحوان، غداة غب سمائه
جفت أعاليه، وأسفله ندي
زعم الـهمام بأن فاها بارد
عذب مقبله، شهي المورد
زعم الـهمام، ولم أذقه، أنه
عذب، إذا ما ذقته قلت: ازدد
زعم الـهمام، ولم أذقه، أنه
يشفى، بريا ريقها، العطش الصدي
أخذ العذارى عقدها، فنظمنه
من لؤلؤ متتابع، متسرد
لو أنها عرضت لأشمط راهب
عبد الإله، صرورة متعبد
لرنا لبهجتها، وحسن حديثها
ولخاله رشداً وإن لم يرشد
بتكلم، لو تستطيع سماعه
لدنت لـه أروى الـهضاب الصخد
وبفاحم رجل، أثيث نبته
كالكرم مال على الدعام المسند
فإذا لمست لمست أجثم جاثماً
متحيزاً بمكانه، ملء اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدف
رابي المجسة، بالعبير مقرمد
وإذا نزعت نزعت عن مستحصف
نزع الحزور بالرشاء المحصد
وإذا يعض تشده أعضاؤه
عض الكبير من الرجال الأدرد
ويكاد ينزع جلد من يصلى به
بلوافح، مثل السعير الموقد
لا وارد منها يحور لمصدر
عنها ولا صدر يحور لمورد
أبلغ بني ذبيان
أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهم
بعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما
بجمع، كلون الأعبل الجون لونه
ترى، في نواحيه، زهيراً وحذيما
هم يردون الموت، عند لقائه
إذا كان ورد الموت، لا بد، أكرما
أتاركة تدللها قطام
أتاركة تدللها قطام
وضناً بالتحية والكلام
فإن كان الدلال، فلا تلجي
وإن كان الوداع، فبالسلام
فلو كانت غداة البين منت
وقد رفعوا الخدور على الخيام
صفحت بنظرة فرأيت منها
تحيت الخدر، واضعة القرام
ترائب يستضيء الحلي فيها
كجمر النار بذر بالظلام
كأن الشذر والياقوت، منها
على جيداء فاترة البغام
خلت بغزالها ، ودنا عليها
أراك الجزع أسفل من سنام
تسف بريره وترود فيه
إلى دبر النهار، من البشام
كأن مشعشعاً من بصرى
نمته البخت، مشدود الختام
نمين قلاله من بيت راس
إلى لقمان في سوق مقام
غذا فضت خواتمه علاه
يبيس القمحان من المدام
على انيابها بغريض مزن
تقبله الجباه من الغمام
فأضحت في مداهن باردات
بمنطلق الجنوب على الجهام
تلذ لطعمه ، وتخال فيه
إذا نبهتها، بعد المنام
فدعها عنك إذ شطت نواها
ولجت من بعادك في غرام
ولكن ما أتاك عن ابن هند
من الحزم المبين والتمام
فداء ما تقل النعل مني
إلى أعلى الذؤابة للهمام
ومغزاه قبائل غائظات
على الذهيوط في لجب لهام
يقدن مع امرىء يدع الهوينا
ويعمد للمهمات العظام
أعين على العدو بكل طرف
وسلهبة تجلل في السمام
وأسمر مارن يلتاح، فيه
سنان، مثل نبراس النهام
وأنبأه المنبىء أن حياً
حلولاً من حرام أو جذام
و أن القوم نصرهم جميع
فئام مجلبون إلى فئام
فأوردهن بطن الأتم
شعثاً يصن المشي كالحدإ التوام
على إثر الأدلة والبغايا
وخفق الناجيات من الشآم
فباتوا ساكنين، وبات يسري
يقربهم له ليل التمام
فصبحهم بها صهباء صرفاً
كأن رؤوسهم بيض النعام
فذاق الموت من بركت عليه
وبالناجين أظفار دوام
وهن كأنهن نعاج رمل
يسوين الذيول على الخدام
يوصين الرواة ، إذا ألموا
بشعث مكرهين على الفطام
وأضحى ساطعاً بجبال حمسى
دقاق الترب مختزم القتام
فهم الطالبون ليدركوه
وما راموا بذلك من مرام
إلى صعب المقادة ذي شريس
نماه ، في فروع المجد ، نام
أبوه قبله وأبو أبيه
بنوا مجد الحياة على إمام
فدوخت العراق فكل قصر
يجلل خندق منه ، وحام
وما تنفك محلولاً عراها
على متناذر الأكلاء طام
يا دار مية
يا دار مية بالعلياء، فالسند
أقوت، وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلاناً أسائلها
عيت جواباً، وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأياً ما أبينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ردت عليه أقاصيه، ولبده
ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد
خلت سبيل أتي كان يحبسه
ورفعته إلى السجفين، فالنضد
أمست خلاءً، وأمسى أهلها احتملوا
أخنى عليها الذي أخنى على لبد
فعد عما ترى، إذ لا ارتجاع لـه
وانم القتود على عيرانة أجد
مقذوفة بدخيس النحض، بازلها
لـه صريف، صريف القعو بالمسد
كأن رحلي، وقد زال النهار بنا
يوم الجليل، على مستأنس وحد
من وحش وجرة، موشي أكارعه
طاوي المصير، كسيف الصيقل الفرد
سرت عليه، من الجوزاء، سارية
تزجي الشمال عليه جامد البرد
فارتاع من صوت كلاب، فبات لـه
طوع الشوامت من خوف ومن صرد
فبثهن عليه، واستمر به
صمع الكعوب بريئات من الحرد
وكان ضمران منه حيث يوزعه
طعن المعارك عند المحجر النجد
شك الفريصة بالمدرى، فأنفذها
طعن المبيطر، إذ يشفي من العضد
كأنه، خارجا من جنب صفحته
سفود شرب نسوه عند مفتأد
فظل يعجم أعلى الروق، منقبضاً
في حالك اللون صدق، غير ذي أود
لما رأى واشق إقعاص صاحبه
ولا سبيل إلى عقل، ولا قود
قالت لـه النفس: إني لا أرى طمعاً
وإن مولاك لم يسلم، ولم يصد
فتلك تبلغني النعمان، إن لـه
فضلاً على الناس في الأدنى، وفي البعد
ولا أرى فاعلاً، في الناس، يشبهه
ولا أحاشي، من الأقوام، من أحد
إلا سليمان، إذ قال الإلـه له:
قم في البرية، فاحددها عن الفند
وخيس الجن! إني قد أذنت لـهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد
فمن أطاعك، فانفعه بطاعته
كما أطاعك، وادلله على الرشد
ومن عصاك، فعاقبه معاقبةً
تنهى الظلوم، ولا تقعد على ضمد
إلا لمثلك،أو من أنت سابقه
سبق الجواد، إذا استولى على الأمد
أعطى لفارهة، حلو توابعها
من المواهب لا تعطى على نكد
الواهب المائة المعكاء، زينها
سعدان توضح في أوبارها اللبد
والأدم قد خيست فتلاً مرافقها
مشدودةً برحال الحيرة الجدد
والراكضات ذيول الريط، فانقها
برد الـهواجر، كالغزلان بالجرد
والخيل تمزع غرباً في أعنتها
كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرد
احكم كحكم فتاة الحي، إذ نظرت
إلى حمام شراع، وارد الثمد
يحفه جانبا نيق، وتتبعه
مثل الزجاجة، لم تكحل من الرمد
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا
إلى حمامتنا ونصفه، فقد
فحسبوه، فألفوه، كما حسبت
تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائةً فيها حمامتها
وأسرعت حسبةً في ذلك العدد
فلا لعمر الذي مسحت كعبته
وما هريق، على الأنصاب، من جسد
والمؤمن العائذات الطير، تمسحها
ركبان مكة بين الغيل والسعد
ما قلت من سيء مما أتيت به
إذاً فلا رفعت سوطي إلي يدي
إلا مقالة أقوام شقيت بها
كانت مقالتهم قرعاً على الكبد
إذاً فعاقبني ربي معاقبةً
قرت بها عين من يأتيك بالفند
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
ولا قرار على زأر من الأسد
مهلاً، فداء لك الأقوام كلهم
وما أثمر من مال ومن ولد
لا تقذفني بركن لا كفاء لـه
وإن تأثفك الأعداء بالرفد
فما الفرات إذا هب الرياح لـه
ترمي أواذيه العبرين بالزبد
يمده كل واد مترع، لجب
فيه ركام من الينبوت والخضد
يظل، من خوفه، الملاح معتصماً
بالخيزرانة، بعد الأين والنجد
يوماً، بأجود منه سيب نافلة
ولا يحول عطاء اليوم دون غد
هذا الثناء، فإن تسمع به حسناً
فلم أعرض، أبيت اللعن، بالصفد
ها إن ذي عذرة إلا تكن نفعت
فإن صاحبها مشارك النكد
أمحمول على النعش الـهمام
ألم أقسم عليك لتخبرني
أمحمول على النعش الـهمام
فإني لا ألام على دخول
ولكن ما وراءك يا عصام
فإن يهلك أبو قابوس يهلك
ربيع الناس والشهر الحرام
ونمسك بعده بذناب عيش
أجب الظهر ليس لـه سنام
بقية قدر
بخالة أو الذنابة أو سوى
مظنة كلب أو مياه المواطر
ترى الراغبين العاكفين ببابه
على كل شيزى أترعت بالعراعر
لـه بفناء البيت سوداء فخمة
تلقم أوصال الجزور العراعر
بقية قدر من قدور تورثت
لآل الجلاح كابراً بعد كابر
تظل الإماء يبتدرن قديمها
كما ابتدرت سعد مياه قراقر
وهم ضربوا أنف الفزاري بعدما
أتاهم بمعقود من الأمر قاهر
أتطمع في وادي القرى وجنابه
وقد منعوا منه جميع المعاشر
ذات الصفا
ألا أبلغا ذبيان عنى رسالةً
فقد أصبحت عن منهج الحق جائره
أجدكم لن تزجروا عن ظلامة
سفيهاً ولن ترعوا لذي الود آصره
فلو شهدت سهم وأبناء مالك
فتعذرني من مرة المتناصره
لجاؤوا بجمع، لم ير الناس مثله
تضاءل منه، بالعشي، قصائره
ليهنىء لكم قد نفيتم بيوتنا
مندى عبيدان المحلىء باقره
وإني لألقى من ذوي الضغن منهم
وما أصبحت تشكو من الوجد ساهره
كما لقيت ذات الصفا من حليفها؛
وما انفكت الأمثال في الناس سائره
فقالت لـه: أدعوك، للعقل، وافياً
ولا تغشيني منك بالظلم بادره
فواثقها بالله، حين تراضيا
فكانت تديه المال غباً، وظاهره
فلما توفى العقل، إلا أقله
وجارت به نفس، عن الحق جائره
تذكر أنى يجعل الله جنةً
فيصبح ذا مال، ويقتل واتره
فلما رأى أن ثمر الله ماله
وأثل موجوداً، وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها
مذكرة، من المعاول، باتره
فقام لـها من فوق جحر مشيد
ليقتلها، أو تخطىء الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فأسه؛
وللبر عين لا تغمض ناظره
فقال: تعالى نجعل الله بيننا
على ما لنا أو تنجزي لي آخره
فقالت: يمين الله أفعل، إنني
رأيتك مسحوراً، يمينك فاجره
أبى لي قبر، لا يزال مقابلى
وضربة فأس فوق رأسي فاقره