البحتري من أشهر شعراء العرب، ترك لمسة واضحة ومؤثرة في الشعر، فقد برع بالمدح والوصف، وتميز شعره بجمالية اللفظ ولطافته وخياله المبدع، ووجود موسيقى ساحرة في أشعاره.
محتويات
- ١ ديوان البحتري
- ١.١ رحلت عنك رحيل المرء عن وطنه
- ١.٢ أبا الحسين دعاء من فتى علقت
- ١.٣ أبلغ أبا صالح إما مررت به
- ١.٤ أبكاء في الدار بعد الدار
- ١.٥ الحمد لله على ما أرى
- ١.٦ ظلم الدهر فيكم وأساء
- ١.٧ ألا تعجبون كما أعجب
- ١.٨ شوق له بين الأضالع هاجس
- ١.٩ بعينك لوعة القلب الرهين
- ١.١٠ سل الحلبي عن حلب
- ١.١١ أقصرا ليس شأني الإقصار
- ١.١٢ حرمت النجح حرمانا مبينا
ديوان البحتري
رحلت عنك رحيل المرء عن وطنه
- رحلت عنك رحيل المرء عن وطنه ورحلة السكن المشتاق عن سكنه
- وما تباعدت، إلا أن مستتراً من الزمان نأته الدار عن جننه
- أنس لو اني بنصف العمر من أمم أشريه، ما خلتني أغليت في ثمنه
- فإن تكلفت صبراً عنك أو منيت نفسي به فهو صبر الطرف عن وسنه
- وما تعرضت من شينوخ عارفةً، إلا تعرض عثنون على ذقنه
- فاسلم، أبا صالح، للمجد تعمره بأريحية محمود النثا حسنه
أبا الحسين دعاء من فتى علقت
- أبا الحسين دعاء من فتى علقت يداه منك بحبل غير مجدود
- إني بدولتك الغراء في شرف أعلو بذكرك فخراً غير مردود
- يجلني لك أقوام لما عرفوا من خدمة قدمت إجلال تمجيد
- وأنت أولى وأحرى أن تتمم ما قد كان من نعم عندي بتجديد
- فأنت أكرم منسوب إلى كرم وأنت أجود مرتاح إلى الجود
- وأنت طود الحجى في الناس، قد علموا وأنت فجر الدجى في الأزمن السود
أبلغ أبا صالح إما مررت به
- أبلغ أبا صالح، إما مررت به، رسالةً من قتيل الماء والراح
- ألآن أقصرت إقصاراً ملكت به مقادتي، وأطعت الله واللاحي
- أشكو إليك، وما الشكوى بمجدية، خطبين قد طولا حزني وإبراحي
- من نوبة واختلال بت بينهما، فلا يكن لك إمسائي وإصباحي
- بني قشير! ألا سقياً لمضطهد؛ بني قشير ألا سقياً لملتاح
- عندي لكم نعمة، بالأمس، واحدة، لا خير في غرة من غير أوضاح
أبكاء في الدار بعد الدار
- أبكاءً في الدار، بعد الدار، وسلواً بزينب عن نوار
- لا هناك الشغل الجديد بحزوى، عن رسوم برامتين قفار
- ماظنت الأهواء قبلك تمحى من صدور العشاق نحو الديار
- نظرة ردت الهوى الشرق غرباً، وأمالت نهج الدموع الجواري
- رب عيش لنا برامة رطب، وليال فيها طوال قصار
- قبل أن يقبل المشيب، وتبدو هفوات الشباب في إدبار
- كل عذر من كل ذنب، ولكن أعوز العذر من بياض العذار
- كان حلواً هذا الهوى، فأداه عاد مراً والسكر قبل الخمار
- وإذا ما تنكرت لي بلاد، وخليل، فإنني بالخيار
- وخدان القلاص حولاً، إذا قا بلن حولاً من أنجم الأسحار
- يترقرقن كالسراب وقد خضن غماراً من السراب الجاري
- كالقسي المعطفات، بل الأسهم مبريةً، بل الأوتار
- قد مللناك يا غلام، فغاد بسلام، أو رائح أو سار
- سرقات مني خصوصاً، فإلاً من عدو، أو صاحب، أو جار
- أنا من ياسر، ويسر، وسعد، لست من عامر، ولا عمار
- لا أريد النظير يخرجه الشتم إلى الإحتجاج، والإفتخار
- وإذا رعته بناحية السو ط، على الذنب، راعني بالفرار
- ما بأرض العراق، يا قوم، حر يفتديني من خدمة الأحرار
- هل جواد بأبيض من بني الأصفر ضخم الجدود، محض النجار
- لم ترع قومه السرايا، ولم يغزهم غير جحفل جرار
- أو خميس كأنما طرقوا منه بليل أو صبحوا بنهار
- في زهاه أبو سعيد على آ ثار خيل قد صبحته بثار
- فحوته الرماح أغيد، مجدو لاً، قصير الزنار، وافي الإزار
- يتلظى كأنه الصنوف السبي في عسكر شهاب النار
- فوق ضعف الصغار، إن وكل الأمر إليه، ودون كيد الكبار
- رشأ، تخبر القراطق منه، عن كنار يضيء تحت الكنار
- لك من ثغره وخديه ما شئت من الأقحوان والجلنار
- أعجمي، إلا عجالة لفظ؛ عربي تفتح النوار
- وكأن الذكاء يبعث منه، في سواد الأمور، شعلة نار
- يا أبا جعفر، وما أنت بالمد عو، إلا لكل أمر كبار
- شمس شمس، وبدر آل حميد يوم عد الشموس والأقمار
- وفتى طيء، وشيخ بني الصا مت، أهل الأحساب، والأخطار
- لك من حاتم، وأوس، وزيد، إرث أكرومة، وإرث فخار
- سمح بين برمة أعشار تتكفا وجفنة أكسار
- وسيوف مطبوعة للمنايا، واقعات مواقع الأقدار
- تلك أفعالهم على قدم الدهر، وكانوا جداولاً من بحار
- أملي فيكم، وحقي عليكم، ورواحي إليكم، وابتكاري
- واضطرابي في الناس، حتى إذا عد ت إلى حاجة، فأنتم قصاري
- ولعمري للجود للناس للنا س سواه بالثوب والدينار
- وعزيز إلا لديك بهذا الفخ أخذ الغلمان بالأشعار
الحمد لله على ما أرى
- الحمد لله على ما أرى من قدر الله الذي يجري
- ما كان ذا العالم من عالمي يوماً، ولا ذا الدهر من دهري
- يعترض الحرمان في مطلبي، ويحكم الخزاز في شعري
ظلم الدهر فيكم وأساء
- ظلم الدهر فيكم، وأساء، فعزاءً، بني حميد، عزاء
- أنفس ما تكاد تفقد فقداً، وصدور ما تبرح البرحاء
- أصبح السيف داءكم، وهو الدا ء الذي لا يزال يعيي الدواء
- وانتحي القتل فيكم، فبكينا بدماء الدموع تلك الدماء
- يا أبا القاسم المقسم في النجدة، الجود والندى أجزاء
- والهزبر الذي، إذا دارت الحر ب به صرف الردى كيف شاء
- الأسى واجب على الحر، إما نيةً حرةً، وإما رياء
- وسفاه أن يجزع المرء مما كان حتماً على العباد، قضاء
- ولماذا تتبع النفس شيئاً، جعل الله الفردوس منه بواء
- أتبكي من لا ينازل بالسيف مشيحاً، ولا يهز اللواء
- والفتى من رأى القبور لما طا ف به من بناته، أكفاء
- لسن من زينة الحياة كعد الله منها الأموال والأبناء
- قد ولدن الأعداء قدماً، وورثن التلاد الأقاصي البعداء
- لم يئد كثرهن قيس تميم، عيلةً بل حميةً وإباء
- وتغشى مهلهل الذل فيهن وقد أعطي الأديم حباء
- وشقيق بن فاتك، حذر العا ر عليهن، فارق الدهناء
- وعلى غيرهن أحزن يعقو ب، وقد جاءه بنوه عشاء
- وشعيب من أجلهن رأى الوحدة ضعفاً، فاستأجر الأنبياء
- واستزل الشيطان آدم في الجنة لما أغرى به حواء
- وتلفت إلى القبائل، فانظر أمهات ينسبن أم آباء
- ولعمري ما العجز عندي، إلا أن تبيت الرجال تبكي النساء
ألا تعجبون كما أعجب
- ألا تعجبون كما أعجب حبيبي يسيء ولا بعتب
- وأبغي رضاه على جوره فيأبى علي ويستصعب
- عتبت فديتك يا مذنب فجئتك أبكي وأستعتب
- تحملت عنك وفيك الذنو ب وأيقنت أني أنا المذنب
- أذلفاء إن كان يرضيكم غذابي فدونكم عذبوا
- ألا رب طالبة وصلنا أبينا عليها الذي تطلب
- أردنا رضاكم بإسخاطها وبخلك من جودها
شوق له بين الأضالع هاجس
- شوق له بين الأضالع هاجس وتذكر للصدر منه وساوس
- ولربما نجى الفتى من همه وخد القلاص، وليلهن الدامس
- ما أنصفت بغداد، حين توحشت لنزيلها، وهي المحل الآنس
- لم يرع لي حق القرابة طيء فيها، ولا حق الصداقة فارس
- أعلي! من يأملك بعد مودة ضيعتها مني، فإني آيس
- أوعدتني يوم الخميس، وقد مضى من بعد موعدك الخميس الخامس
- قل للأمير، فإنه القمر الذي ضحكت به الأيام، وهي عوابس
- قدمت قدامي رجالاً، كلهم متخلف عن غايتي، متقاعس
- وأذلتني، حتى لقد أشمت بي من كان يحسد منهم، وينافس
- وأنا الذي أوضحت، غير مدافع، نهج القوافي، وهي رسم دارس
- وشهرت في شرق البلاد وغربها، فكأنني في كل ناد جالس
- هذي القوافي قد زففت صباحها، تهدى إليك، كأنهن عرائس
- ولك السلامة والسلام، فإنني غاد، وهن على علاك حبائس
بعينك لوعة القلب الرهين
- بعينك لوعة القلب الرهين وفرط تتابع الدمع الهتون
- وقد أصغيت للواشين، حتى ركنت إليهم بعض الركون
- ولو جازيت صباً عن هواه لكان العدل الا تهجريني
- نظرت، وكم نظرت فأقصدتني فجاءات البدور على الغصون
- وربة نظرة أقلعت عنها بسكر في التصابي، أو جنون
- فيا لله ما تلقى القلوب الهوائم من جنايات العيون
- وقد يئس العواذل من فؤاد لجوج في غوايته، حرون
- فمن يذهل أحبته، فإني كفيت من الصبابة ما يليني
- ولي بين القصور إلى قويق أليف أصطفيه، ويصطفيني
- يعارض ذكره في كل وقت، ويطرق طيفه في كل حين
- لقد حمل الخلافة مستقل بها، وبحقه فيها المبين
- يسوس الدين والدنيا برأي، رضًى لله في دنيا ودين
- تناول جوده أقصى الأماني، وصدق فعله حسن الظنون
- فما بالدهر من بهج وحسن، وما بالعيش من خفض ولين
- ولم تخلق يد المعتز إلا لحوز الحمد بالخطر الثمين
- تروع المال ضحكته، إذا ما غدا متهللاً، طلق الجبين
- أمين الله، والمعطى تراث الأمين، وصاحب البلد الأمين
- تتابعت الفتوح وهن شتى الأماكن في العدى، شتى الفنون
- فما تنفك بشرى عن تردي عدو خاضع لك، مستكين
- فرار الكوكبي، وخيل موسى، تثير عجاجة الحرب الزبون
- وفي أرض الديالم هام قتلى، نظام السهل منها والحزون
- وقد صدمت عظيم الروم عظمى من الأحداث قاطعة الوتين
- بنعمى الله عندك غير شك، وريحك أقصدته يد المنون
- نصرت على الأعادي بالأعادي، غداة الروم تحت رحًى طحون
- يقتل بعضها بعضاً بضرب مبين للسواعد، والشؤون
- إذ الأبدان ثم بلا رؤوس تهاوى، والسيوف بلا جفون
- فدمت ودام عبد الله بدر الدجى في ضوئه، وحيا الدجون
- تطيف به الموالي، حين يبدو، إطافتها بمعقلها الحصين
- ترى الأبصار تغضي عن مهيب وقور في مهابته، ركين
- جواد، غلست نعماه فينا، ولم يظهر بها مطل الضنين
- ظننت به التي سرت صديقي، فكان الظن قدام اليقين
- وكنت إليه في وعد شفيعي، فصرت عليه في نجح ضميني
- وما ولي المكارم مثل خرق أغر، يرى المواعد كالديون
- وصلت بيونس بن بغاء حبلي، فرحت أمت بالسبب المتين
- فقد بوأتني أعلى محل شريف في المكان بك المكين
- وما أخشى تعذر ما أعاني من الحاجات، إذ أمسى معيني
- وإن يدي، وقد أسندت أمري إليه اليوم، في يدك اليمين
سل الحلبي عن حلب
- سل الحلبي عن حلب، وعن تركانه حلبا
- أرى التطفيل كلفه نزول الكرخ، مغتربا
- ألست مخبري عن حز م رأيك أيةً ذهبا
- نسيت المروزي ويو منا معه الذي اقتضبا
- وقد ذبح الدجاج لنا، فأمسى ديكه عزبا
- هلم نكافه عما ابـتغى فينا، وما احتسبا
- بشعرك إنه ضمد من الحق الذي وجبا
- ألم يوسعك من غرف تخال جفانها جوبا
- وقد شمرت عن جد، كأنك مشعر غضبا
- إذا امعنت في لون، رأينا النار والحطبا
- وإن لجلجت عن غصص، دعونا الويل والحربا
- وخفنا أن يكون المو ت قد فاجاك، أو كربا
- وشربك من نبيذ التمر تنقل بعده الرطبا
- محاسن لو ترى بالشا م كبر أهلها عجبا
- أترقد عن ثلاثتك التي أهملتها لعبا
- وفيها ما ترد به الظماء، وتذهب السغبا
- خساراً منك لا عقلاً أتيت به، ولا أدبا
أقصرا ليس شأني الإقصار
- أقصرا ليس شأني الإقصار وأقلا لن يغني الإكثار
- وبنفسي مستغرب الحسن، فيه حيد عن محبه، وازورار
- فاتر الناظرين ينتسب الورد إلى وجنتيه، والجلنار
- مذنب يكثر التجني فمنه الذنب ظلماً، ومني الاعتذار
- هجرتنا عن غير جرم نوار، ولديها الحاجات والأوطار
- وأقامت بجو بطياس، حتى كثر الليل دونها والنهار
- إن جرى بيننا وبينك هجر و تناءت منا ومنك الديار
- فالغليل الذي علمت مقيم، والدموع التي عهدت غزار
- يا خليلي نمتما عن مبيت بته آنفاً، ونومي مطار
- لسوار من الغمام تزجيها جنوب كما تزجى العشار
- مثقلات، تحن في زجل الرعد بشجو، كما تحن الظؤار
- بات برق يشب في حجرتيها، بعد وهن كما تشب النار
- فاسقياني، فقد تشوفت الراح، وطاب الصبوح والابتكار
- كان عند الصيام للهو وتر، طلبته الكؤوس والأوتار
- بارك الله للخليفة في الملك الذي حازه له المقدار
- رتبة من خلافة الله قد طا لت بها رقبة له، وانتظار
- طلبته فقراً إليه، وما كان به، ساعةً، إليها افتقار
- أعوزت دونه القناعة حتى حشمت في طلابه الأسفار
- وهي موقوفة إلى أن يوافي غائب ما وفى به الحضار
- علم الله سيرة المهتدي بالله، فاختاره لما يختار
- لم تخالج فيه الشكوك، ولا كا ن لوحش القلوب عنه نفار
- أخذ الأولياء، إذ بايعوه بيدي مخبت، عليه الوقار
- وتجلى للناظرين أبي، فيه عن جانب القبيح ازورار
- وأرتنا السجاد سيما طويل الليل، في وجهه لها آثار
- ولديه تحت السكينة والإخبات سطو على العدى واقتدار
- وقضاء إلى الخصوم وشيك، لا يروى فيها، ولا يستشار
- راغب حين ينطق الوفد عن عون برأي، أو حجة تستعار
- مستقل، ولو تحمل ما حمل رضوى لانبت حبل مغار
- أيما خطة تعود بضر، فهو للمسلمين منها جار
- زاد في بهجة الخلافة نوراً، فهو شمس للناس، وهي نهار
- وأجار الدنيا من الخوف والحيف، فهل يشكر المجير المجار
- ألتقي النقي، والفاضل المفضل فينا، والمرتضى المختار
- ولدته الشموس من ولد العباس عم النبي والأقمار
- صفوة الله، والخيار من الناس جميعاً، وأنت منها الخيار
- أللباب اللباب ينميك منها لذرى المجد، والنضار النضار
- فبكم قدمت قصياً قريش، وبها قدمت قريشاً نزار
- زين الدار مشهد منك كانت قبل ترضاه من أبيك الدار
- وأنارت لما ركبت إليها، والموالي الحماة، والأنصار
- في جبال ماج الحديد عليهن ضحًى، مثل ما تموج البحار
- وغدا الناس ينظرون، وفيهم فرح أن رأوك واستبشار
- طلعة تملأ القلوب، ووجه خشعت دون ضوئه الأبصار
- ذكروا الهدي من أبيك، وقالوا: هي تلك السيما، وذاك النجار
- وعليهم سكينة لك، إلا مد أيد يوما بها ويشار
- بهتوا حيرةً وصمتاً، فلو قيل أحيروا مقالةً ما أحاروا
- وقليل إن أكبروك لك الهيبة ممن رآك، والإكبار
- كلهم عالم بأنك فيهم نعمة، ساعدت بها الأقدار
- فوقت نفسك النفوس من السو ء، وزيدت في عمرك الأعمار
حرمت النجح حرمانا مبينا
- حرمت النجح حرماناً مبينا ودافع ظالمي حيناً فحينا
- وأصبح قد تعرض دون حقي أخس قضاتكم حسباً ودينا
- سيرضى بالبنات إذا رآه حصيف كان يطلب البنينا
- أرى مائتي تعذر مبتغاها وكان الحق أن أعطى مئينا
- وعظم بليتي ألا أرى لي على مكروه دافعها معينا
- أبا حسن وثم عفاف نفس وآباء خصيم الخائينا
- متى تهب التفضل عن سماح إذا لم تقسم الإنصاف فينا