'); }
موقف الإسلام من الخرافات
جاء الإسلام برسالة تجمع بين أشواق الروح، وحاجات الجسد، وإعمال العقل، وأرسى التشريع الإسلامي أحكامه الناظمة للحياة الإنسانية انطلاقاً من وسطية لا يطغى بها جانب على آخر، وفي سبيل تحرير العقل من الأوهام والخرافات التي عُرف بها العقل العربي عند بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد دعا الإسلام إلى ضرورة إعمال الفكر وإطلاق الطاقات الكامنة في العقل الإنساني، وخاطب المولى -سبحانه- الناس بما يستدعي التفكير، وإنتاج نتائج عقلية صادقة بناءً على معطياتٍ سليمة؛ ومن ذلك قوله -سبحانه- في معرض الدعوة إلى التفكير في نتائج فرضية وجود إلهين اثنين للكون: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)،[١] كما عاب على العرب في الجاهلية تعلّقهم بالأوهام، وانسياقهم وراء كلّ قناعة مبناها على الدجل والظنّ والكهانة، على اعتبار أنّ الظنّ في غير محلّه لا يغني من الحقّ شيئاً.
ولأنّ التطبيق العمليّ لشرائع الإسلام لا يستقيم بوجود العقائد القائمة على ادّعاء معرفة الغيب؛ فقد قرّر القرآن الكريم اختصاص المولى -عزّ وجلّ- بمعرفة الغيب، وأنّ هذه الخاصّية من كمال ألوهية الله سبحانه، قال الله تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)،[٢] ويتساءل الكثيرون عن حكم الأبراج وقراءتها، وهل تعدّ من العلوم القائمة على الدجل والشّعوذة، أم أنّها علم مؤصّل بأسس وحقائق علمية لا تقبل الطعن أو التشكيك؟
'); }
حكم قراءة الأبراج
- معلوم عند أهل الاختصاص أنّ علم الأبراج ينقسم إلى قسمين تبعاً لحكم النظر فيه وتعلّمه؛ فالعلم بأسماء الأبراج، ومطالعها، ومساقطها، وطريق سيرها، والاستدلال بها على الطريق، والاهتداء بها في مواعيد الزّرع المناسبة، ومعرفة اتّجاه القبلة من خلالها وتحديد أوقات الصلاة كلّ ذلك من العلم المباح الذي ورد في ثنايا آيات القرآن الكريم والسّنة وأخبار الصحابة والسّلف، أمّا ما يدّعيه المنجّمون استشرافاً لعالم الغيب فلا يجوز ولا يصحّ الاستدلال به على الحوادث الواقعة أو المنتظرة.[٣]
- قال أهل العلم إذا كانت قراءة الأبراج من باب الاعتقاد بأثرها فهو محرّم، وتكره قراءتها من باب التسلية؛ لأنّ في ذلك إهدار لوقت المسلم فيما لا فائدة منه، ولا حقيقة له، وإنّ التّسلي بما يدّعيه الانسان ممّا اختصّ الله به من علم الغيب لا يجوز ولا يليق بالمسلم، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).[٤][٣]
- عدّ العلماء علم التنجيم من السّحر، وهو محرّم بالأدلّة من القرآن والسنة، وأجمع على تحريمه علماء الأمة، وبيّن أهل العلم أنّ علم التنجيم المحرّم على نوعين، وبيان ذلك في ما يأتي:[٥]
- النوع الأول: قيام المنجّم بالاستدلال على الحوادث والوقائع عن طريق حركات النجوم، وهو من جنس الاستقسام الأزلام.
- النوع الثاني: القائم على الاعتقاد بتأثير القوى السماوية على القوى الأرضية؛ مثل: الطلاسم ونحوها، وهذا محرّم بقول الله تعالى: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ)،[٦]
- العرّاف اسم عام يشمل المنجّم، والكاهن، والرّمال الذين يدّعون معرفة ما في مستقبل الأيام من وقائع وحوادث، وكلّهم منطوٍ في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من أتى عرَّافًا فسألَه عن شيٍء لم تُقْبَلْ لهُ صلاةٌ أربعين ليلةً).[٧]
- الاعتقاد بأنّ برجاً معيناً من النجوم هو الذي يجلب السعد أو النّحس اعتقاد فاسد لا تقوم به حجّة.
اضطراب علم الأبراج
لمّا كان علم الأبراج قائم على الظنّ، وادّعاء الغيب كانت نتائجه مليئة بالاضطراب والتناقض، من حيث الاعتقاد أنّ لمواليد كلّ برج صفات وخصائص معينة؛ فإنّه يولد في كلّ ساعة الآلاف من البشر في العالم، ولم يثبت أنّ هؤلاء يحملون الصفات نفسها، فكيف يستقيم كلام المنجّمين باتفاق خصائص مواليد الشهر الواحد أو البرج الواحد، وقد ظهر اختلاف المنجّمين في الأبراج التي يبنون عليها أحكامهم من عدّة وجوه؛ منها: أعداد البروج، وأسماؤها، ومدّة كلّ منها، ودلالاتها على خصائص المولودين فيها، وتفصيل ذلك فيما يأتي:[٨]
- الاختلاف في أسماء البروج اختلافاً واضحاً، فالمتتبّع لهذه المسألة يجد أنّ الأبراج عند المصريين واليونانيين والعرب هي: الحمل، والثّور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدّلو، والحوت، بينما أسماؤها عند الصينيين: برج الفأر، والقطّ، والحصان، والدّيك، والجاموس، والتنين، والماعز، والكلب، والنمر، والثعبان، والقرد، والخنزير.
- الاختلاف في دلالة كلّ برج من الأبراج على طباع الناس، ونشأ هذا الاختلاف تبعاً لاختلاف أسماؤها؛ فعلى سبيل المثال فإنّ مولود برج الحمل عند اليونانيين ومن وافقهم يكون أسمر اللون، متّصفاً بطول القامة، وله رأس كبير، وهو سريع الغضب والانفعال لكنّه قريب الرضا، ويمتاز بسرعة الانتقال من موضعٍ لآخر، وهو جريء في قول الحقّ، وهو معاند في رأيه، ولا يعمل إلّا ما يقتنع به، وهو حسن الحال ومعروفاً بصبره على الأهوال والمحن، ومن هنا فإنّ المتمعّن بهذه الصفات يجدها قريبة من صفات الحمل، وهذا البرج نفسه يقابله عند الصينيين برج الفأر من حيث التوقيت، وقالوا في صفاته أنّه برج عدوانيّ، ومواليده أصحاب فتنة، بالرّغم من أنّهم يظهروا في بادىء الأمر أنّهم هادئون ومتّزنون، لكنّ حقيقتهم على غير ذلك، ويحذّروا من التعامل معهم، وقالوا أيضاً إنّ مواليد برج الفأر أصحاب اهتمامات سطحية وتافهة، وأحياناً يظهر عليهم اختلال في الأعصاب، وكثيراً ما يظهرون الشكوى والتذمّر، ومن صفاتهم الإيجابية أنّهم يميلون للعمل ضمن مجموعة، ومن كلّ هذا نلحظ أنّ الاختلاف الدائر بين نفس المواليد اختلفت صفاتهم عند أصحاب علوم الأبراج تبعاً لاختلاف مسمّى كلّ برج عند أصحابه.
- الاختلاف في المدّة المحدّدة لكلّ برج؛ فالصينيون اعتمدوا لكلّ برج سنة كاملة، خلافاً لليونانيين الذين حدّدوا مدّة كلّ برج بما يقارب الشهر، ولا شكّ أنّ هذا يترتّب عليه اختلافاً عظيماً بين صفات الأبراج عند كلّ منهما، لا سيّما وأنّ مدّعوا هذا العلم يُقرّون بتباين الصفات في البرج الواحد باختلاف ساعة الولادة.
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 91.
- ↑ سورة النمل، آية: 65.
- ^ أ ب مركز الفتوى (2-1-2014)، “علم الأبراج، أنواعه، وحكم تعاطي كل نوع”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 3.
- ↑ مركز الفتوى (25-9-2000)، “حكم التنجيم والاعتقاد بتأثير الأبراج”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 102.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 2230، صحيح.
- ↑ محمد المنجد (5-5-2010)، “حكم معرفة طبائع الناس وصفاتهم من خلال أبراجهم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 13-5-2018. بتصرّف.