جديد حكم سماع الاغاني بدون موسيقى

'); }

الأصل في الأشياء الإباحة

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأحكام الشرعية تحتاج إلى دليل من مصادر التّشريع لتأخذ موقعها في بين الأمر والنّهي ومراتب كلّ منهما، فالأصل في تصرّفات المسلم الإباحة ما لم يرد دليل بخلاف ذلك، ومسألة سماع الأغاني بمصاحبة آلة العزف أو دونها تحتاج إلى بحث وبيان، وتناول الفقهاء قديماً وحديثاً هذه المسألة الفقهية بشيء من التّفصيل، وذلك لأنّ تعلّقات الموضوع في باب السّماع كثيرة، وأركانه وقرائنه وبيئته متعدّدة؛ لذا تجد الحكم عند الفقهاء بالإباحة في صورة من صور السّماع، وبالنّهي في صورة أخرى، بمعنى أنّ الحكم ينتقل بحسب حالته، غير أنّ جمهور أهل العلم على اتّفاق في نقاط الانطلاق في أصول المسألة، ويظهر السؤال عن حكم سماع الأغاني بدون الموسيقى، هل هو مباح أم منهي عنه، وما ضوابط ذلك؟

تعريف الغناء

يختلف معنى الغناء فيف اللغة عن معناه في الاصطلاح؛ وفيما يأتي بيان ذلك:

'); }

  • الغناء في لغة العرب يعني كلّ كلام موزون وغير موزون، يجري على الألسن باللحن والتّرنم على وجه التطريب، وقد يكون مقروناً بآلة العزف أو غير مقترن بها.[١]
  • الأشعار المُنشدة أو الكلمات الملحّنة عادة ما تحرّك المشاعر، ومثالها: ما تنشده الأم لوليدها عند النوم، أو ما يلحّنه حادي الأبل لتنشط وتزيد همّتها في المشي، وكذلك ما يصدر من المنشدين في حفلات الأفراح.[٢]
  • المصطلحات التي تُذكر مع الغناء كثيرة؛ أهمّها: الحداء والنّصب والطّرب والإنشاد، أمّا الحداء فهو غناء خاصّ بالإبل، والنّصب إنشاد بين الحداء والغناء، والطرب ما رافقه اهتزاز وحركة، أمّا الإنشاد فهو تحسين الصوت بالأشعار.[٣]

حكم سماع الأغاني بدون موسيقى

من معلوم أنّ أنواع الغناء تتعدّد، وحكمها متعلّق بأحوال كلّ نوع منها، وبيان ذلك على النحو الآتي:[٤]

  • إذا اقترن الغناء بآلة العزف أيّاً كان نوعها وتسميتها؛ فهو محرّم ما عدا الدّف، فقد أباحه بعض أهل العلم، مع ضرورة أنّ تكون كلمات الغناء المصاحبة للدّف مشروعه، واقتصر بعضهم إباحة الدّف على النساء ضمن ضوابط.
  • الغناء غير المصاحب لآلة عزف أو موسيقى فالكلام فيه على وجوه:
    • يحرم الغناء بصوت امرأة للرجال، وذلك قياساً على حرمة رفعها للأذان، ورفع صوتها بتلاوة القرآن الكريم، فمن باب أولى نهيها عن رفع صوتها أمام الرجال بالغناء حتى لو كانت كلماته مشروعة.
    • يجوز للمرأة أن تغنّي بحضرة النساء بكلام حَسن ليس فيه فحش ولا فجور ولا دعوة إلى رذيلة أو حرام.
    • إذا كان الغناء بصوت رجل فقد أباحه بعض أهل العلم وذهب آخرون إلى كراهيته، ولكن إذا كانت كلمات الغناء تقع ضمن الكلام المباح أو الذي فيه دعوة إلى فضيلة جاز، وذلك قياساً على الشعر؛ فقد كان يُلقى بحضرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فلا ينكر على من فعله، بل ثبت أنّ الرّسول -عليه الصلاة والسلام- أمر حسان بن ثابت -رضي الله عنه- بقول الشعر، ثمّ إنّ كعباً -رضي الله عنه- أنشد شعراً أمام النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم وابتدأه على عادة العرب في شعرها بالغزل، وكان غزلاً عفيفاً طاهراً ولم ينكر الرسول ما أنشده كعب.
    • قال أهل العلم إنّه لا ينبغي الإكثار من الشعر والحداء بشكل مبالغ فيه.
    • لا شكّ أنّ الغناء إذا كان يتضمن كلمات قبيحة وكان فيها دعوة إلى فساد أو معصية، كأنْ يصف النّساء أو يرغّب بشرب الخمر فإنّه محرّم.
    • الغناء بكلام مباح أو حسن إذا رافقه محرّم حرّمُ لأجل ذلك، كمجالس الاختلاط وحضور الخمور، وهذا يؤكّده حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إذ يقول: (ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى ؤوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ).[٥][٦]
    • أجاز أهل العلم للمرأة أنْ تنشد كلمات مباحة بلحن وترنيم بحضور محارمها شريطة ألّا يكون في ذلك سبباً في الإلهاء عن ذكر الله -تعالى- وإقامة الصلاة.[٧]
    • الراجح عند أهل العلم أنّ ما تعارف عليه النّاس اليوم بالأناشيد الدينية، ومصنّف عند العلماء بالسّماع، فإنّها مشروعة إن كانت كلماتها تحثّ على الخير،[٢] وقد فصّل الإمام الشاطبي في هذه المسألة في كتابه الاعتصام، وبين صوراً من تلك الإنشادات المشروعة، مثل: الدّفاع عن الإسلام وأهله، وطلب الحاجات بالإنشاد الشعري والتّشفع عند كبراء القوم، ومنه ما يُقال لشحذ الهمم للجهاد وبذل النفس في سبيل الله، وكذلك ما يُنشد لوعظ النّفس ودعوتها للاستقامة على أمر الله تعالى،[٨] لكنّه عقّب تعقيباً مهمّا للتمييز بين ما أُلِّف من الإنشاد المشروع في العصر الأول وما آل إليه الحال بعدهم؛ فقال: (لكنّ العرب لم يكن لها من تَحسين النغمات ما يجري مجرى ما الناس عليه اليوم، بل كانوا يُنشدون الشِّعر مطلقًا من غير أن يتعلّموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يُرقّقون الصوت ويمطّطونه على وجه لا يليق أميّة العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطرابٌ يُلهي، وإنّما كان لهم شيء من النشاط؛ كما كان الحبشة وعبد الله بن رواحة يحدوان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق: نحن الذين بايعوا محمّداً على الجهاد ما حيينا أبداً، فيُجيبهم صلى الله عليه وسلم بقوله: اللهم لا خير إِلّا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة).[٨]
    • تجدر الإشارة إلى أنّ الأغاني الشائعة اليوم في حياة الناس محرّمة؛ لأنها تقوم على كثير من المخالفات الشرعية من حيث مرافقة الآت العزف للكلام الفاحش، ومن حيث مجالسها التي يكثر فيها الاختلاط والسّفور والتبرّج.[٢]

المراجع

  1. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، صفحة 665، جزء 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت نوح القضاة (30-7-2012)، “حكم الغناء والموسيقى”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2018. بتصرّف.
  3. محمد الجريتلي (24-10-2009)، “المعازف وما يتعلق بها من أحكام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-4-2018. بتصرّف.
  4. أبو فيصل البدراني، حكم الغناء والمعازف وآلات الملاهي والمؤثرات الصوتية، صفحة 16. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 3263، صحيح.
  6. فتاوى شرعية، “حكم الغناء: بين المانعين والمجيزين”، www.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
  7. مركز الفتوى (7-2-2018)، “حكم غناء الفتاة أمام أخواتها”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2018. بتصرّف.
  8. ^ أ ب إبراهيم الشاطبي (1992)، الاعتصام (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: دار ابن عفان، صفحة 345-246. بتصرّف.
Exit mobile version