حكم تارك صلاة الجمعة
يأثم الإنسان بتركهِ لِصلاة الجُمعة إثماً عظيماً إذا كان ذلك من غير عُذرٍ، فقد ثبت في الحديث الشّريف عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ: لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ علَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ)،[١] وجاء في بعض الرّوايات أنّ من يترُكها ثلاث مرّات مُتهاوناً بها فقد طُبع على قلبه، وكان من المُنافقين، وتعدّدت أقوال العُلماء فيما إذا كان القصد مرتبطاً بتوالي ترك ثلاث جُمَعٍ أو كوْنها مُتفرّقة طوال السّنة، والقصد منها في كلا الحالتين إمهال من الله -تعالى- لعبده حتى يرجع ويتوب،[٢] أمّا من تركها لِعُذرٍ؛ فإنّه لا يأثم،[٣] وقد حذّر الإسلام من تركها أو التّهاون بأدائها؛ لما في ذلك من الإثم والعِقاب في الدُّنيا والآخِرة.[٤]
حكم صلاة الجمعة
اتّفق الفُقهاء على وُجوب صلاة الجُمعة، وهذه الفرضيّة من الأُمور المعلومة بالدّين بالضّرورة، وجاء وُجوبها بالكتاب والسُّنة، والإجماع، ومن أدلّة وجوبها من الكتاب، قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)،[٥] فقد أوجب الله -تعالى- السّعي لأجل الصّلاة، والأمر بالسّعي لا يكون إلا لشيءٍ واجب، وأمّا وُجوبها من السُّنة فقد تم ذكر بعض الأحاديث في الفقرات السّابقة والتي تدلّ على وجوب أدائها وعدم تركها،[٦] وتجبُ صلاة الجمعة على المُسلم، الذَّكَر، البالغ، العاقل، المُقيم،[٧] وهي من الفرائض العينيّة على كُل شخص، وهي فرضٌ مُستقلٌ عن الظّهر؛ بدليل عدم انعقادها بنيّة الظّهر لمن لم تجب عليه؛ كالمرأة، وقد أجمع المُسلمون على وُجوب الجُمعة.[٨]
أعذار ترك الجمعة
توجد العديد من الأعذار المُبيحةِ لترك صلاة الجُمعة، وفيما يأتي ذكرها:[٩][١٠]
- المطر: لِما جاء من فعل النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في الحُديبيّة: (عَن والِدِ أبي المليحِ أنَّهُ شَهِدَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ زمنَ الحُدَيْبيةِ في يومِ جُمُعةٍ وأصابَهُم مَطرٌ لم تبتلَّ أسفَلُ نعالِهِم فأمرَهُم أن يصلُّوا في رِحالِهِم).[١١]
- المرأة، والصّبيّ، والعبد، وغير المُسلم، لِقول النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (تجِبُ الجُمعةُ على كلِّ مُسلِمٍ؛ إلَّا امرأةً أوْ صبِيًّا أو مملُوكًا).[١٢]
- السّفر أو المُسافر.
- الخوف من الظّالم؛ لأنّ الأمن من شُروط وُجوب الجُمعة، فكلُ من خاف على نفسه أو ماله أو أهله، يجوزُ له ترك الجُمعة.[١٣]
- الأعذار التي تُسبّب الحرج على المُكلّف بذهابه إلى الجُمعة؛ كالمرض، حيث اتّفق الفُقهاء على أنّ المرض من الأعذار المقبولة لترك الجُمعة، لِقول النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (الجمعةُ حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ إلا أربعةٌ: عبدٌ أو امرأةٌ أو صبيٌّ أو مريضٌ)،[١٤] وكذلك ما يلحق بالمطر من الوحل والبرد، والخوف على النّفس أو المال أو الأهل.
- الانشغال بواجبٍ مُعيّن: فقد ذهبت اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء إلى جواز ترك الجمعة على الشّخص المشغول بواجبٍ مُتّصلٌ بعمل الأُمة ومصلحتها؛ كرجال الأمن، أو الطّبيب.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 652، صحيح.
- ↑ محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الأولى)، السعودية: المكتبة المحمودية السبكيّة، صفحة 290-291، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 560، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1279، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة الجمعة، آية: 9.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 193-194، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 519. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1278-1280، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1117-1121، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ حسام فهيد بن سعيد (2015)، أحكام صلاة الجمعة في الفقه الإسلامي، نابلس – فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 38-43. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أسامة بن عمير الهذلي، الصفحة أو الرقم: 1059، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن رجل من بني وائل، الصفحة أو الرقم: 2915، صحيح.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 171، جزء 29. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن طارق بن شهاب، الصفحة أو الرقم: 4/636، صحيح.