محتويات
'); }
الحيوانات في الإسلام
نظَّم الإسلام علاقة البشر مع سائر المخلوقات من الحيوانات والحشرات، فوضع أحكاماً يَنبغي الأخذ بها وقت الحاجة، وممّا أشارت له الشريعة الإسلامية حرمة بيع وشراء بعض الحيوانات أو شيء منها أو حتى مُجرّد الانتفاع بها، بينما أباحت الشرعية التعامل مع أصناف أخرى من الحيوانات على الإطلاق، وخصّصت الحُكم لبعض الحيوانات؛ إذ لا يجوز بيعها وشراؤها أو الانتفاع بها إلا لحاجةٍ مشروعة، فهل تدخل الكلاب ضمن تلك الحيوانات التي حرَّم الإسلام بيعها والانتفاع بها، أم هل يجوز شرعاً تربية الكلاب أو اقتنائها أو الإتجار بها ولو حَتّى دون حاجةٍ لذلك؟
حكم بيع الكلاب
لا ينحصر حكم بيع الكلام على مُجرّد التعامل المالي بها فقط، إنما تندرج تحته العَديد من الجزئيات؛ فجوازُ بيع الكلاب رُبّما يعني بالنتيجة جواز اقتنائها والتّعامل بها واتخاذها لحاجات الناس وتأمين ما يُمكّنهم من الانتفاع بها، وحُرمة بيع الكلاب كذلك ربّما تَعني حرمة التعامل بها في جميع النواحي الأخرى كاستغلالها للحراسة والصيد والانتفاع بشيءٍ منها كجلدها وشعرها، إلى غير ذلك، وقد اختلف الفقهاء بناءً على ذلك في حكم التعامل المالي بالكلاب من خلال جواز أو حرمة شرائها وبيعها واقتنائها واتخاذها للحراسة، وبيان أقوال كلِّ فريقٍ منهم وأدلته في مسألة تعامل المسلمين ببيع الكلاب وشرائها كالآتي:[١]
'); }
بيع الكلاب
انقسَم الفُقهاء في مسألة جواز أو حُرمة بيع الكلام إلى ثلاثة فرق ومذاهب، وبيان أقوال وأدلة كل فريقٍ كالآتي:[٢][١]
- الرأي الأول: جواز بيع الكلاب مُطلقاً، وقد ذَهَب إلى ذلك عُلماء وفقهاء الحنفية، وسحنون من فقهاء المالكية، فيجوز عند أصحاب هذا الفريق بيع الكلاب دون شرطٍ أو قيد، وقد استدلَّ أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بأنّ الكلب إنما هو حيوانٌ كغيره من الحيوانات من حيث جواز بيعه وشرائه، كما أنّه يُعتبر مالاً منقولاً فيجوز لصاحبه الانتفاع به من خلال بيعه وشرائه، إلا أنه ورد قولٌ لأبي يوسف من الحنفية يمنع فيه بيع الكلب العقور.
- الرأي الثاني: حُرمة بيع الكلاب مُطلقاً؛ فقد ذهب فُقهاء الشافعية والحنابلة إلى القول بعدم جواز بيع الكلاب على الإطلاق؛ دون وضع شواذ لتلك الحرمة، وقد استَدلَّ الشافعية والحنابلة على ما ذهبوا إليه بما يرويه عقبة بن عمرو – رضي الله عنه – من أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَن ثمنِ الكَلبِ، ومَهْرِ البغيِّ، وحُلوانِ الكاهنِ)،[٣] يقول ابن المنذر في الإقناع: (وَلا يجوز بيع الكلاب وَلا السباع وَلا عظام الفيل، وليس عَلَى من أتلف كلباً غُرم)،[٤] مما يعني أن الكلب ليست له قيمةٌ فعليّةٌ عند أصحاب هذا القول، فإذا أهلك شخصٌ كلباً لآخر فقتله أو سمّمه فلا يجب عليه أن يُعطيه ثمنه وليس لصاحبه المُطالبة بثمنه.
- الرأي الثالث: التّفصيل في حُكم بيع الكلاب بين الحرمة والجواز؛ فقد ذَهب جُمهور فقهاء المالكية إلى التفريق في حكم بيع الكلاب ففرّقوا بين الكلب الذي أُذن فيه عن الكلب الذي لم يؤذن فيه، أمّا الكَلب غير المأذون فيه فلا يجوزُ بيعه عندهم إطلاقاً، واختلف القول عندهم بخصوص بيع الكلب المأذون فيه فقد وردت عنهم ثلاثة أقوال هي: الحُرمة، والكراهة، والجواز.
استخدام الكلاب للصيد والحراسة
سبقت الإشارة إلى أنّ جواز أو حرمة بيع الكلاب تندرج تحتها مسألةٌ بالغة الأهمية بخصوص جواز اقتنائه أو حرمة ذلك حسب ما ذهب إليه العلماء، والذي عليه قول الفقهاء أنّه لا يجوز اقتناء الكلاب إلاّ لحاجةٍ مُلحّةٍ ضروريّة، وقد حدّدوا تلك الحاجات التي تُجيز اقتناء الكلاب بالآتي:[٥]
- الكلب الذي يُتّخذ لحراسة المواشي والأنعام كالأغنام والأبقار والإبل وغير ذلك، وتكون وظيفته بالدرجة الأولى حراسة تلك الأنعام من هوام الأرض كالسباع والضباع وغيرها.
- الكلب الذي يُتّخذ لحراسة المَزروعات من المواشي.
- الكلب المُعلَّم الذي يُتَّخذ للصيد، وتكون وظيفته إدراك ما يصطاده الصياد بعد اصطياده فيأتيه به في الموضع الذي يقع فيه بعد اصطياده.
ودليل عدم جواز اقتناء الكلاب إلا لهذه الأسباب الثلاثة ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( مَنِ اتَّخَذ كلبًا، إلا كلبَ ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ، انتَقَص من أجرِه كلَّ يومٍ قِيراط).[٦]
إنّ اتّخاذ الكلاب لحراسة البيوت وحمايتها من اللصوص مُختلفٌ فيه بين العلماء؛ حيث يرى الإمام ابن قدامة المقدسي صاحب كتاب المغني إنّ ذلك لا يجوز مع احتمال كونه مُباحاً، وأجازه آخرون قياساً على جواز تربية الكلاب من أجل حراسة المواشي والزروع، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الحاجة إلى تربية الكلاب واستخدامها التي أجيزت لأجلها إن زالت يزول معها الجواز كما يرى علماء الشافعية، ويُعاد حينها إلى الحكم الرئيسي لاقتناء الكلاب واستغلالها، والذي هو مختلفٌ فيه على ما مرَّ تفصيله وبيانه سابقاً.[١]
مسائل متعلقة بالكلاب
عندما يُذكر الكلب في الناحية الفقهية الشرعية فإنّما يكون ذكره في موضعين رئيسيين هما: هل إنّ الكلب نجسٌ بأصله أو إنَّ نجاسته جزئيةٌ فقط؟ أم هو طاهرٌ كغيره من الحيوانات، والمسألة الأخرى تتعلّق بتطهير الإناء من ولوغ الكلب فيه والتي جاء فيها حَديثٌ للمُصطفى – صلى الله عليه وسلم – فكيف يكون تَطهيره المُشار إليه في الحديث، وهل ذلك يعني نَجاسة فمه وسؤره؟[١]
نجاسة الكلاب
اختلف الفقهاء في كون الكلب نجساً بكليَّته أم بجزءٍ منه أم أنه طاهرٌ حسب الآتي:[١]
- يرى الحنفية أنّ الكلب ليس نجساً بأصله كالخنزير، بل إنَّ سؤره ورطوبته التي تكون في اللعاب هي النجسة فقط وباقيه طاهرٌ لا نجاسة فيه.
- يرى المالكيّة أنّ الكلب طاهرٌ بكُلِّه فليست فيه نجاسةٌ مطلقاً، لا في سؤره ولا في أصله؛ لأنّ الأصلَ في جَميع الأشياء الطهارة والكلب من تلك الأشياء الطاهرة ما لم يرد نصٌ صريحٌ في القرآن يُشير إلى نجاسته كالخنزير، فإن كان ذبح الحيوان مخالفاً للطرق الشرعية في الذبح فإنه يكون نجساً لما طرأ عليه من مخالفة أحكام الشريعة في الذبح، لا لكونه نجساً في أصله.
- يَرى الشافعية والحنابلة أنّ الكلب نجسُ العين في كلِّ ما فيه فمه وشعره وجلده، لذلك قالوا بحرمة بيعه كما مرَّ في فقرة حكم بيع الكلاب.
تطهير الإناء من ولوغ الكلب فيه
اختلف الفُقهاء في تفسير نصِّ حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي أشار فيه إلى غسل الإناء الذي ولغ فيه كلبٌ سبع مرات إحداهن بالتراب، بقوله: ( إذا ولغَ الكلبُ في إناءِ أحدِكُم فليَغسِلهُ سبعَ مرَّاتٍ، أولاهُنَّ أو إِحداهنَّ بالتُّرابِ)،[٧] فهل يجب ذلك إذا ولغ كلبٌ في إناءٍ؟ أم أنه سنةٌ مندوبة، وهل العدد المشار إليه في الحديث مقصودٌ بذاته فلا يجب مخالفته؟
يرجع اختلاف الفقهاء في مسألة تطهير الإناء إلى كيفيّة فهم كل فقيه منهم للنص وكيفيّة تحليله له، بل إنّ بَعضهم لم يأخذ بالحديث أصلاً لعدم ثبوته عندهم كالحنفية، وبيان آرائهم وأقوالهم كالآتي:[٨][١]
- ذَهب الحنفيّة إلى القول بوجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه كلبٌ ثلاث مرّاتٍ فقط لا سبعاً؛ حيث إنّ العَدد الذي ذُكر في الحديث إنما قُصد به التأكيد على الغسل على بلوغ العدد ذاته، ورُوي كذلك عنهم في روايةٍ أخرى أنّهم يرون وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيه ثلاث مرّات أو خمس مرات أو سبع مرات.
- ذهب المالكيّة إلى أنّ غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مراتٍ مندوبٌ لا واجب، ولم يشترطوا استخدام التراب في غسل الكلب؛ حيث إنّ المُراد عندهم فقط مجرد تطهير الإناء ويكون ذلك بغسله سبع مرات فقط.
- ذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب غسل الإناء من ولوغ كلبٍ فيه سبع مرات يجب أن تكون إحداهنّ بالتراب، عملاً بالحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك والمشار إليه سابقاً.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح مجموعة من العلماء (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 123-135، جزء 35. بتصرّف.
- ↑ عبدالناصر بن خضر مبلاد (2000م)، البيوع المحرمة والمنهي عنها (الطبعة الأولى)، مصر – المنصورة: دار الهدي النبوي، صفحة 177-182. بتصرّف.
- ↑ رواه الإمام الشافعي، في الأم، عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود، الصفحة أو الرقم: 8/607، ثابت.
- ↑ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (1408هـ)، الإقناع لابن منذر (الطبعة الأولى)، بلا: بلا، صفحة 248، جزء 1.
- ↑ أبو مالك كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة، مصر – القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 254-255، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هُريرة، الصفحة أو الرقم: 1575، متفقٌ عليه.
- ↑ رواه الإمام الشافعي، في اختلاف الحديث، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 10/84، ثابت.
- ↑ مصطفى الخِن (2009م)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 443-444. بتصرّف.