محتويات
حديث اغتنم خمساً قبل خمسٍ
قال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ)،[١] ومعناه أنّ هذه الخمس هي أيام العمل والقوّة والإكثار من الطاعات، فمن فاتهُ العمل فيها فلن ينفع الإنسانُ عندها الندم على ما فرّط في زمن القوة، حيث إنّ بعد القوّة الضعف، وبعد الشباب الهرم، وبعد الصحة المرض، فمن فرّط في أيام شبابه فلا يُمكنهُ تدارُك ما فاته في أيام كِبره، وفي الحديث حثٌّ عظيم على اغتنام الفُرص في زمن المُهلة قبل أن يأتي الوقت الذي يندم فيه الإنسان على ما قصّر، قال الله -تعالى-: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)،[٢][٣] فالغنيّ والصحيح ومن يملك الوقت يستطيع فعل أشياء كثيرة لا يستطيع فِعلها الفقير والمريض والكبير.[٤]
شرح حديث اغتنم خمساً قبل خمسٍ
شبابك قبل هرمك
المقصود من ذلك اغتنام الشباب في الطاعة، وهو وقت القوّة والقُدرة قبل أن يأتي على الإنسان الكِبر والعجز، فيندم على ما فرّط في طاعة الله -تعالى- في وقتِ شبابه،[٥] ولذلك فقد جاء عن بعض الفُقهاء في باب الاستطاعة في الحج أنّ من لا يملك المال ولكنّه يستطيع العمل والكسب، واستطاع السفر مع القافلة للعمل والكسب حتى يصل إلى مكة، فهو مستطيع مادّياً. وكان الصحابةُ الكِرام يُكثرون من العمل في أوقاتِ شبابهم، ويقولون للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- إنّهم يستطيعون فعل أكثر من ذلك؛ أي عند الكبر لا يستطيعون القيام أو قِراءة القُرآن أو الصيام بالقدر الذي يُمكنهم فعله في وقت الشباب.[٦]
صحتك قبل مرضك
إنّ الصحة والمرض بيد الله -تعالى-، ولكن في وقت المرض قد يفوّت الإنسان الكثير من الطاعات والعِبادات، ومن فضل الله -تعالى- أنّه يكتبُ للإنسان الأجر كاملاً في حال المرض لمن داوم على الخير في أوقاتِ الصحة، ومن المعاني القريبة لذلك، قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ)،[٧][٦] وجاء في بعض الروايات أن يأخُذ الإنسان من صحّته لِمرضه؛ أي من زمن صحته لمرضه، فيشتغل في حال صحته بالعبادة والطاعة، وإن طرأ عليه مرضٌ وقصّر؛ فإنّ الله -تعالى- يكتب له الأجر.[٨]
غناك قبل فقرك
يُقصد بذلك اغتنام أوقات الغنى بالطاعة والتصدُّق قبل أن يأتي الفقر،[٥] و(اغتنم غِناك)؛ أي القُدرة على أداء العبادات الماليّة والخيرات، (قبل فقرك)؛ أي قبل أن يأتي الفقر والفقد إمّا بالحياة أو بسبب الممات.[٩]
فراغك قبل شغلك
المقصود اغتنام الفراغ بالطاعة في الدُّنيا قبل الانشغال بأهوال القيامة، لعلّها تكون شفيعةً لهُ من العذاب،[٥] فالوقت والفراغ هو رأس مال الإنسان، وهو من أعظم نعم الله -تعالى- عليه، كما أنّ أهل الجنّة يتحسّرون على الوقت الذي مضى من أعمارهم من غير طاعة، وهذه الصفة مُتكاملة مع الحياة والصحة والمال؛ لأنّ الإنسان الذي يملك الوقت والصحة يكون قادراً على كسب المال، وقال بعض العُلماء: “أهم نعم الله -عز وجل- على العبد ثلاث: الإيمان، والصحة، والفراغ”.[٤]
حياتك قبل موتك
المقصود استغلال الإنسان حياته في كلّ الأحوال؛ سواء في الكِبر، أو المرض، أو الصحة، أو الغنى، أو الفقر في الأعمال الصالحة التي تنفعه بعد موته وانتهاء أجله؛ لأنّهُ بالموت تنقطع الأعمال، فيقترض الإنسان من نفسه في الدُّنيا لنفسه في الآخِرة.[٥][٩]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3355، صحيح.
- ↑ سورة الشورى، آية: 47.
- ↑ حافظ الحكمي (1990)، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (الطبعة الأولى)، الدمام: دار ابن القيم، صفحة 711-712، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد صالح المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 3، جزء 96. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث زين الدين محمد المناوي (1356)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 16، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب عطية بن محمد سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 7، جزء 82. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس، الصفحة أو الرقم: 2961، صحيح.
- ↑ أحمد بن حجر العسقلاني (1379)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، صفحة 235، جزء 11. بتصرّف.
- ^ أ ب علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (2002)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الفكر، صفحة 3239، جزء 8. بتصرّف.