عبادات

تكبيرات عيد الاضحى

التكبير في عيد الأضحى

تأتي سنّة التكبير في عيد الأضحى ضمن مجموعة من السُنَن التي يُستحَبّ للمسلم فِعلها يوم العيد، كالغُسل قبل الخروج إلى الصلاة، ولبس الجميل من الثياب، وتهنئة المُسلمين بعضهم البعض بمناسبة العيد، والذهاب إلى صلاة العيد من طريق، والعودة من طريقٍ آخر، وقد جاء التوجيه الشّرعي يدعو إلى إظهار شعيرة التكبير في العيد؛ لقوله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١][٢] ويستشعر المسلم معاني ودلالات التّكبير في قلبه؛ فالتكبير يتضمن شُكر الله -تعالى- على توفيقه للعبد؛ لأداء الطاعة التي قدَّمها، ويشتمل التكبير على أنواع الذِّكر جميعها؛ من حَمدٍ، وتسبيحٍ، وتهليلٍ، كما أنّ جملة “الله أكبر” تعني: تعظيم الله -تعالى- عن كلّ نقص، وتعظيمه على كلّ عظيم، وفي التكبير إعلانٌ من المسلم بمَحبّته لله -تعالى-، وشعوره بالعزّة والسعادة بقُربه منه، ويكون ذلك مُصاحباً لتكبيره عند فرحه بقدوم العيد.[٣]

حُكم تكبيرات عيد الأضحى

ذهب جُمهور الفقهاء إلى أنّ التكبير في عيد الأضحى سُنّة أو سُنّة مُؤكَّدة، في حين رأى الحنفية أنّه واجب،[٤] والتكبير ورفع الصوت به من السُّنَن المُستحَبّة؛ سواء كان بشكل فرديّ، أو جماعيّ بعد الصلوات، أو بشكل مُطلَق، للمُقيم والمُسافر، وللرجال والنساء، ويُعَدُّ التكبير من الأُمور التي واظب عليها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وقد ثبت في ذلك عن أمّ عطيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ).[٥][٦] وذهب جُمهور الفُقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وفي رواية عن أبي حنيفة، وأخذ به أيضاً أبو يوسف، ومُحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنّ الجهر بالتكبير سُنّة في حقّ الرجال؛ واستدلّوا بحديث أمّ عطية -رضي الله عنها- الذي ورد سابقاً، ورأوا بأنّ الرجال كانوا يُظهرون التكبير في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فلو لم يُكبّر الرجال، لَما كبَّرَت النساء من خلفهم.[٧]

صيغة تكبيرات عيد الاضحى

الفُقهاء في الصيغة التي يُسنّ أن يكبّر الناس بها في عيد الأضحى على قولين كما يأتي:

  • الحنفية والحنابلة: يكون التكبير عندهم شَفعاً، وبالصيغة الآتية: “الله أكبر والله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر”.[٨]
  • المالكيّة والشافعية: تكون صيغة التكبير عندهم بقول: “الله أكبر” ثلاث مرّات، والتكبير بهذه الصيغة هو الأفضل عند المالكيّة، وإن زاد المُسلم: “لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، فهو حَسن؛ بدليل فِعل الصحابة، كابن عبّاس، وجابر -رضي الله عنهم-، واستحبّ الشافعية أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة بأن يقول: “الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً”؛ بدليل قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك على جبل الصفا، ويُسَنّ أيضاً أن يقول بعدها: “لا إله إلّا الله ولا نعبد إلّا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر”، ويختم ذلك بالصلاة والسلام على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه -رضي الله عنهم جميعاً-.[٩]

أنواع ووقت تكبيرات عيد الأضحى

التكبير المُطلَق

يُعرَّف التكبير المُطلَق بأنّه: التكبير الذي يُسَنّ في كُلّ وقت، ولا ينحصر في الوقت الذي يَلي الصلوات فقط،[١٠] ويمتدّ وقته عند الحنابلة منذ أوّل يومٍ من شهر ذي الحجّة إلى حين انتهاء خُطبة العيد يوم النَّحْر،[١١] وقال الشافعية بأنّ وقته يمتدّ منذ أوّل ليلة العيد؛ قياساً على التكبير في عيد الفِطْر؛ فقد أمر الله -تعالى- بالتكبير بعد الانتهاء من عدّة رمضان، ويمتدّ وقته إلى أن يُكبّر الإمام تكبيرة الإحرام في صلاة العيد،[١٢] وهو مندوب عند فُقهاء الشافعيّة، والحنابلة فقط.[١٣]

التكبير المُقيَّد

يُعرَّف التكبير المُقيَّد بأنّه: التكبير المُقيَّد بوقت مُعيَّن، وهو ما يكون بعد الصلاة المفروضة، وقد اشترط أكثر الفُقهاء أن تكون الصلاة التي يليها التكبير صلاةَ جماعة،[١٤] أمّا نوع الصلاة التي يُشرَع التكبير المُقيَّد بعدها؛ فقد تعدّدتْ آراء الفُقهاء فيه على أقوال، وذلك على النحو الآتي:[١٥]

  • الشافعية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد الصلوات جميعها؛ سواء كانت فرضاً، أو نفلاً؛ لأنّ التكبير يختصّ بوقت الصلاة، ولا يختصّ بنوعها.
  • الحنابلة: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفرض التي تكون في جماعة؛ فمَن صلّى وحده لا يُسَنّ له التكبير.
  • المالكية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفريضة التي تكون أداءً، ولا يُسَنّ التكبير بعد الفريضة التي تكون قضاءً.
  • الحنفية: يجب التكبير المُقيَّد مرّة واحدة بعد كُلّ فرض يُؤدّى في جماعة، وذهب أبو يوسف، ومحمد من الحنفية إلى أنّه يجب بعد كُلّ فرض، ولا فرق في كون المُصلّي مُسافراً، أو مُنفرِداً، أو امرأة.

وللفقهاء أقوال عدّة في الوقت الذي يبدأ فيه التكبير المُقيَّد في عيد الأضحى على أقوال، وبيانها فيما يأتي:

  • الحنابلة: يبدأ عندهم منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إن لم يكن حاجّاً، وإن كان حاجّاً فإنّه يبدأ منذ صلاة الظهر في يوم العيد؛ لأنّ الحاجّ يكون مشغولاً بالتلبية، ويمتدّ هذا الوقت إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق؛ واستدلّوا بما ورد من فِعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يُكبّر منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام التشريق، وقد ضعّف بعض العلماء ما رُوي.[١٦]
  • الشافعية: يبدأ وقت الفجر من يوم عرفة ويمتدّ إلى عصر آخر أيّام التشريق؛ سواء صلّى المسلم العصر في أوّل الوقت، أو آخره.[١٧]
  • الحنفية: يبدأ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة، ويمتدّ إلى ما بعد صلاة العصر من يوم العيد.[١٨]
  • المالكية: يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد، ويمتدّ إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق؛ وهو اليوم الرابع من العيد، وآخر أيّام مِنى.[١٩]

حُكم التكبير الجماعيّ في العيد

يعدّ فقهاء المالكية والشافعية أبرز من تناول حكم التكبير الجماعيّ في العيد، وبيان أقوالهم في المسألة كما يأتي:

  • المالكية: قالوا بعدم سُنّية التكبير الجماعيّ، وإنّه من قبيل البِدَع، وقد ذهب إلى هذا القول أيضاً الإمام الشاطبيّ، ومن المُعاصرين: ابن باز، والألبانيّ، وابن عثيمين؛ واستدلّوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)؛[٢٠] فالتكبير فيه نوع من الالتزام، والإسلام لم يُشرِّع هذا الالتزام؛ فيكون ذلك من قبيل البِدَع، كما أنّه لم يَرِد عن الصحابة، ولا التابعين شيءٌ في ذلك.[٢١]
  • الشافعية: يُشرَع التكبير الجماعيّ في العيد؛[٢٢] واستدلّوا على ذلك بقول الصحابية أُم عطيّة -رضي الله عنها- في صفة تكبيرهم زمنَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ)،[٥] كما استدلّوا بفِعل عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بأنّه كان يُكبِّر بمِنى، فيسمعه الناس، فيُكبّرون بتكبيره حتى ترتجّ مِنى من التكبير،[٦] أمّا المرأة فإنّها تخفض صوتها بالتكبير؛ سواء كانت تُكبّر وحدها، أو في جماعة.[٢٣]

التكبير في صلاة عيد الأضحى

الفُقهاء في حُكم التكبير في صلاة عيد الأضحى على قولَين؛ فقد ذهب الجُمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّه سُنّة، أمّا الحنفية فذهبوا إلى وجوبه،[٢٤] كما تلخّصتْ آرائهم في عدد هذه التكبيرات في ثلاثة أقوال، كما يأتي:[٢٥]

  • الحنفية: يُكبّر الإمام ثلاث تكبيرات في الركعة الأولى، وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية ثلاث تكبيرات، وتكون بعد القراءة وقبل الرُكوع، وهي رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
  • المالكية والحنابلة: يُكبّر الإمام سبعَ تكبيرات في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام، وستّ تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد الرفع من الرُكوع وقبل القراءة، وقد ذهب إلى هذا القول ابن تيمية، وابن باز أيضاً.
  • الشافعية: يُكبّر الإمام سبع تكبيرات في الركعة الأولى وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد تكبيرة القيام من السجود، وقال بذلك ابن حزم، وابن عبد البرّ أيضاً.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. “آداب العيد”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  3. أمير سعيد (1 ذو الحجه 1440)، “ليلامس التكبير قلوبنا قبل ألسنتنا”، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  4. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 971، صحيح.
  6. ^ أ ب ” التكبير الجماعي في العيد جائز”، www.aliftaa.jo، 27-07-2014، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  7. “الجهرُ بالتَّكبيرِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  8. سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)،  : دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1321-1322، جزء 3. بتصرّف.
  9. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2.
  10. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة العيدين – مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 78، جزء 1. بتصرّف.
  11. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 57، جزء 2. بتصرّف.
  12. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي ، صفحة 429، جزء 1. بتصرّف.
  13. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2. بتصرّف.
  14. يوسف القرضاوي، “التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة”، www.archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  16. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 58، جزء 2. بتصرّف.
  17. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  18. زين الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الرازي، تحفة الملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 95. بتصرّف.
  19. صالح بن عبدالسميع الآبي، الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، بيروت: المكتبة الثقافية، صفحة 252. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718 ، صحيح.
  21. “حُكمُ التَّكبيرِ الجَماعيِّ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  22. “مشروعية التكبير في جماعة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  23. “تكبيرات العيدين: حكمها وكيفيتها”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  24. محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)،  : المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 17، جزء 6. بتصرّف.
  25. أحمد إسكينيد، “الجواب السديد لمن سأل عن تكبيرات صلاة العيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التكبير في عيد الأضحى

تأتي سنّة التكبير في عيد الأضحى ضمن مجموعة من السُنَن التي يُستحَبّ للمسلم فِعلها يوم العيد، كالغُسل قبل الخروج إلى الصلاة، ولبس الجميل من الثياب، وتهنئة المُسلمين بعضهم البعض بمناسبة العيد، والذهاب إلى صلاة العيد من طريق، والعودة من طريقٍ آخر، وقد جاء التوجيه الشّرعي يدعو إلى إظهار شعيرة التكبير في العيد؛ لقوله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١][٢] ويستشعر المسلم معاني ودلالات التّكبير في قلبه؛ فالتكبير يتضمن شُكر الله -تعالى- على توفيقه للعبد؛ لأداء الطاعة التي قدَّمها، ويشتمل التكبير على أنواع الذِّكر جميعها؛ من حَمدٍ، وتسبيحٍ، وتهليلٍ، كما أنّ جملة “الله أكبر” تعني: تعظيم الله -تعالى- عن كلّ نقص، وتعظيمه على كلّ عظيم، وفي التكبير إعلانٌ من المسلم بمَحبّته لله -تعالى-، وشعوره بالعزّة والسعادة بقُربه منه، ويكون ذلك مُصاحباً لتكبيره عند فرحه بقدوم العيد.[٣]

حُكم تكبيرات عيد الأضحى

ذهب جُمهور الفقهاء إلى أنّ التكبير في عيد الأضحى سُنّة أو سُنّة مُؤكَّدة، في حين رأى الحنفية أنّه واجب،[٤] والتكبير ورفع الصوت به من السُّنَن المُستحَبّة؛ سواء كان بشكل فرديّ، أو جماعيّ بعد الصلوات، أو بشكل مُطلَق، للمُقيم والمُسافر، وللرجال والنساء، ويُعَدُّ التكبير من الأُمور التي واظب عليها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وقد ثبت في ذلك عن أمّ عطيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ).[٥][٦] وذهب جُمهور الفُقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وفي رواية عن أبي حنيفة، وأخذ به أيضاً أبو يوسف، ومُحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنّ الجهر بالتكبير سُنّة في حقّ الرجال؛ واستدلّوا بحديث أمّ عطية -رضي الله عنها- الذي ورد سابقاً، ورأوا بأنّ الرجال كانوا يُظهرون التكبير في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فلو لم يُكبّر الرجال، لَما كبَّرَت النساء من خلفهم.[٧]

صيغة تكبيرات عيد الاضحى

الفُقهاء في الصيغة التي يُسنّ أن يكبّر الناس بها في عيد الأضحى على قولين كما يأتي:

  • الحنفية والحنابلة: يكون التكبير عندهم شَفعاً، وبالصيغة الآتية: “الله أكبر والله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر”.[٨]
  • المالكيّة والشافعية: تكون صيغة التكبير عندهم بقول: “الله أكبر” ثلاث مرّات، والتكبير بهذه الصيغة هو الأفضل عند المالكيّة، وإن زاد المُسلم: “لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، فهو حَسن؛ بدليل فِعل الصحابة، كابن عبّاس، وجابر -رضي الله عنهم-، واستحبّ الشافعية أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة بأن يقول: “الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً”؛ بدليل قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك على جبل الصفا، ويُسَنّ أيضاً أن يقول بعدها: “لا إله إلّا الله ولا نعبد إلّا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر”، ويختم ذلك بالصلاة والسلام على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه -رضي الله عنهم جميعاً-.[٩]

أنواع ووقت تكبيرات عيد الأضحى

التكبير المُطلَق

يُعرَّف التكبير المُطلَق بأنّه: التكبير الذي يُسَنّ في كُلّ وقت، ولا ينحصر في الوقت الذي يَلي الصلوات فقط،[١٠] ويمتدّ وقته عند الحنابلة منذ أوّل يومٍ من شهر ذي الحجّة إلى حين انتهاء خُطبة العيد يوم النَّحْر،[١١] وقال الشافعية بأنّ وقته يمتدّ منذ أوّل ليلة العيد؛ قياساً على التكبير في عيد الفِطْر؛ فقد أمر الله -تعالى- بالتكبير بعد الانتهاء من عدّة رمضان، ويمتدّ وقته إلى أن يُكبّر الإمام تكبيرة الإحرام في صلاة العيد،[١٢] وهو مندوب عند فُقهاء الشافعيّة، والحنابلة فقط.[١٣]

التكبير المُقيَّد

يُعرَّف التكبير المُقيَّد بأنّه: التكبير المُقيَّد بوقت مُعيَّن، وهو ما يكون بعد الصلاة المفروضة، وقد اشترط أكثر الفُقهاء أن تكون الصلاة التي يليها التكبير صلاةَ جماعة،[١٤] أمّا نوع الصلاة التي يُشرَع التكبير المُقيَّد بعدها؛ فقد تعدّدتْ آراء الفُقهاء فيه على أقوال، وذلك على النحو الآتي:[١٥]

  • الشافعية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد الصلوات جميعها؛ سواء كانت فرضاً، أو نفلاً؛ لأنّ التكبير يختصّ بوقت الصلاة، ولا يختصّ بنوعها.
  • الحنابلة: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفرض التي تكون في جماعة؛ فمَن صلّى وحده لا يُسَنّ له التكبير.
  • المالكية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفريضة التي تكون أداءً، ولا يُسَنّ التكبير بعد الفريضة التي تكون قضاءً.
  • الحنفية: يجب التكبير المُقيَّد مرّة واحدة بعد كُلّ فرض يُؤدّى في جماعة، وذهب أبو يوسف، ومحمد من الحنفية إلى أنّه يجب بعد كُلّ فرض، ولا فرق في كون المُصلّي مُسافراً، أو مُنفرِداً، أو امرأة.

وللفقهاء أقوال عدّة في الوقت الذي يبدأ فيه التكبير المُقيَّد في عيد الأضحى على أقوال، وبيانها فيما يأتي:

  • الحنابلة: يبدأ عندهم منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إن لم يكن حاجّاً، وإن كان حاجّاً فإنّه يبدأ منذ صلاة الظهر في يوم العيد؛ لأنّ الحاجّ يكون مشغولاً بالتلبية، ويمتدّ هذا الوقت إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق؛ واستدلّوا بما ورد من فِعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يُكبّر منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام التشريق، وقد ضعّف بعض العلماء ما رُوي.[١٦]
  • الشافعية: يبدأ وقت الفجر من يوم عرفة ويمتدّ إلى عصر آخر أيّام التشريق؛ سواء صلّى المسلم العصر في أوّل الوقت، أو آخره.[١٧]
  • الحنفية: يبدأ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة، ويمتدّ إلى ما بعد صلاة العصر من يوم العيد.[١٨]
  • المالكية: يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد، ويمتدّ إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق؛ وهو اليوم الرابع من العيد، وآخر أيّام مِنى.[١٩]

حُكم التكبير الجماعيّ في العيد

يعدّ فقهاء المالكية والشافعية أبرز من تناول حكم التكبير الجماعيّ في العيد، وبيان أقوالهم في المسألة كما يأتي:

  • المالكية: قالوا بعدم سُنّية التكبير الجماعيّ، وإنّه من قبيل البِدَع، وقد ذهب إلى هذا القول أيضاً الإمام الشاطبيّ، ومن المُعاصرين: ابن باز، والألبانيّ، وابن عثيمين؛ واستدلّوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)؛[٢٠] فالتكبير فيه نوع من الالتزام، والإسلام لم يُشرِّع هذا الالتزام؛ فيكون ذلك من قبيل البِدَع، كما أنّه لم يَرِد عن الصحابة، ولا التابعين شيءٌ في ذلك.[٢١]
  • الشافعية: يُشرَع التكبير الجماعيّ في العيد؛[٢٢] واستدلّوا على ذلك بقول الصحابية أُم عطيّة -رضي الله عنها- في صفة تكبيرهم زمنَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ)،[٥] كما استدلّوا بفِعل عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بأنّه كان يُكبِّر بمِنى، فيسمعه الناس، فيُكبّرون بتكبيره حتى ترتجّ مِنى من التكبير،[٦] أمّا المرأة فإنّها تخفض صوتها بالتكبير؛ سواء كانت تُكبّر وحدها، أو في جماعة.[٢٣]

التكبير في صلاة عيد الأضحى

الفُقهاء في حُكم التكبير في صلاة عيد الأضحى على قولَين؛ فقد ذهب الجُمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّه سُنّة، أمّا الحنفية فذهبوا إلى وجوبه،[٢٤] كما تلخّصتْ آرائهم في عدد هذه التكبيرات في ثلاثة أقوال، كما يأتي:[٢٥]

  • الحنفية: يُكبّر الإمام ثلاث تكبيرات في الركعة الأولى، وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية ثلاث تكبيرات، وتكون بعد القراءة وقبل الرُكوع، وهي رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
  • المالكية والحنابلة: يُكبّر الإمام سبعَ تكبيرات في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام، وستّ تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد الرفع من الرُكوع وقبل القراءة، وقد ذهب إلى هذا القول ابن تيمية، وابن باز أيضاً.
  • الشافعية: يُكبّر الإمام سبع تكبيرات في الركعة الأولى وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد تكبيرة القيام من السجود، وقال بذلك ابن حزم، وابن عبد البرّ أيضاً.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. “آداب العيد”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  3. أمير سعيد (1 ذو الحجه 1440)، “ليلامس التكبير قلوبنا قبل ألسنتنا”، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  4. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 971، صحيح.
  6. ^ أ ب ” التكبير الجماعي في العيد جائز”، www.aliftaa.jo، 27-07-2014، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  7. “الجهرُ بالتَّكبيرِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  8. سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)،  : دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1321-1322، جزء 3. بتصرّف.
  9. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2.
  10. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة العيدين – مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 78، جزء 1. بتصرّف.
  11. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 57، جزء 2. بتصرّف.
  12. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي ، صفحة 429، جزء 1. بتصرّف.
  13. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2. بتصرّف.
  14. يوسف القرضاوي، “التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة”، www.archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  16. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 58، جزء 2. بتصرّف.
  17. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  18. زين الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الرازي، تحفة الملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 95. بتصرّف.
  19. صالح بن عبدالسميع الآبي، الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، بيروت: المكتبة الثقافية، صفحة 252. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718 ، صحيح.
  21. “حُكمُ التَّكبيرِ الجَماعيِّ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  22. “مشروعية التكبير في جماعة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  23. “تكبيرات العيدين: حكمها وكيفيتها”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  24. محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)،  : المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 17، جزء 6. بتصرّف.
  25. أحمد إسكينيد، “الجواب السديد لمن سأل عن تكبيرات صلاة العيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

التكبير في عيد الأضحى

تأتي سنّة التكبير في عيد الأضحى ضمن مجموعة من السُنَن التي يُستحَبّ للمسلم فِعلها يوم العيد، كالغُسل قبل الخروج إلى الصلاة، ولبس الجميل من الثياب، وتهنئة المُسلمين بعضهم البعض بمناسبة العيد، والذهاب إلى صلاة العيد من طريق، والعودة من طريقٍ آخر، وقد جاء التوجيه الشّرعي يدعو إلى إظهار شعيرة التكبير في العيد؛ لقوله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١][٢] ويستشعر المسلم معاني ودلالات التّكبير في قلبه؛ فالتكبير يتضمن شُكر الله -تعالى- على توفيقه للعبد؛ لأداء الطاعة التي قدَّمها، ويشتمل التكبير على أنواع الذِّكر جميعها؛ من حَمدٍ، وتسبيحٍ، وتهليلٍ، كما أنّ جملة “الله أكبر” تعني: تعظيم الله -تعالى- عن كلّ نقص، وتعظيمه على كلّ عظيم، وفي التكبير إعلانٌ من المسلم بمَحبّته لله -تعالى-، وشعوره بالعزّة والسعادة بقُربه منه، ويكون ذلك مُصاحباً لتكبيره عند فرحه بقدوم العيد.[٣]

حُكم تكبيرات عيد الأضحى

ذهب جُمهور الفقهاء إلى أنّ التكبير في عيد الأضحى سُنّة أو سُنّة مُؤكَّدة، في حين رأى الحنفية أنّه واجب،[٤] والتكبير ورفع الصوت به من السُّنَن المُستحَبّة؛ سواء كان بشكل فرديّ، أو جماعيّ بعد الصلوات، أو بشكل مُطلَق، للمُقيم والمُسافر، وللرجال والنساء، ويُعَدُّ التكبير من الأُمور التي واظب عليها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وقد ثبت في ذلك عن أمّ عطيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ).[٥][٦] وذهب جُمهور الفُقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وفي رواية عن أبي حنيفة، وأخذ به أيضاً أبو يوسف، ومُحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنّ الجهر بالتكبير سُنّة في حقّ الرجال؛ واستدلّوا بحديث أمّ عطية -رضي الله عنها- الذي ورد سابقاً، ورأوا بأنّ الرجال كانوا يُظهرون التكبير في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فلو لم يُكبّر الرجال، لَما كبَّرَت النساء من خلفهم.[٧]

صيغة تكبيرات عيد الاضحى

الفُقهاء في الصيغة التي يُسنّ أن يكبّر الناس بها في عيد الأضحى على قولين كما يأتي:

  • الحنفية والحنابلة: يكون التكبير عندهم شَفعاً، وبالصيغة الآتية: “الله أكبر والله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر”.[٨]
  • المالكيّة والشافعية: تكون صيغة التكبير عندهم بقول: “الله أكبر” ثلاث مرّات، والتكبير بهذه الصيغة هو الأفضل عند المالكيّة، وإن زاد المُسلم: “لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، فهو حَسن؛ بدليل فِعل الصحابة، كابن عبّاس، وجابر -رضي الله عنهم-، واستحبّ الشافعية أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة بأن يقول: “الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً”؛ بدليل قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك على جبل الصفا، ويُسَنّ أيضاً أن يقول بعدها: “لا إله إلّا الله ولا نعبد إلّا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر”، ويختم ذلك بالصلاة والسلام على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه -رضي الله عنهم جميعاً-.[٩]

أنواع ووقت تكبيرات عيد الأضحى

التكبير المُطلَق

يُعرَّف التكبير المُطلَق بأنّه: التكبير الذي يُسَنّ في كُلّ وقت، ولا ينحصر في الوقت الذي يَلي الصلوات فقط،[١٠] ويمتدّ وقته عند الحنابلة منذ أوّل يومٍ من شهر ذي الحجّة إلى حين انتهاء خُطبة العيد يوم النَّحْر،[١١] وقال الشافعية بأنّ وقته يمتدّ منذ أوّل ليلة العيد؛ قياساً على التكبير في عيد الفِطْر؛ فقد أمر الله -تعالى- بالتكبير بعد الانتهاء من عدّة رمضان، ويمتدّ وقته إلى أن يُكبّر الإمام تكبيرة الإحرام في صلاة العيد،[١٢] وهو مندوب عند فُقهاء الشافعيّة، والحنابلة فقط.[١٣]

التكبير المُقيَّد

يُعرَّف التكبير المُقيَّد بأنّه: التكبير المُقيَّد بوقت مُعيَّن، وهو ما يكون بعد الصلاة المفروضة، وقد اشترط أكثر الفُقهاء أن تكون الصلاة التي يليها التكبير صلاةَ جماعة،[١٤] أمّا نوع الصلاة التي يُشرَع التكبير المُقيَّد بعدها؛ فقد تعدّدتْ آراء الفُقهاء فيه على أقوال، وذلك على النحو الآتي:[١٥]

  • الشافعية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد الصلوات جميعها؛ سواء كانت فرضاً، أو نفلاً؛ لأنّ التكبير يختصّ بوقت الصلاة، ولا يختصّ بنوعها.
  • الحنابلة: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفرض التي تكون في جماعة؛ فمَن صلّى وحده لا يُسَنّ له التكبير.
  • المالكية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفريضة التي تكون أداءً، ولا يُسَنّ التكبير بعد الفريضة التي تكون قضاءً.
  • الحنفية: يجب التكبير المُقيَّد مرّة واحدة بعد كُلّ فرض يُؤدّى في جماعة، وذهب أبو يوسف، ومحمد من الحنفية إلى أنّه يجب بعد كُلّ فرض، ولا فرق في كون المُصلّي مُسافراً، أو مُنفرِداً، أو امرأة.

وللفقهاء أقوال عدّة في الوقت الذي يبدأ فيه التكبير المُقيَّد في عيد الأضحى على أقوال، وبيانها فيما يأتي:

  • الحنابلة: يبدأ عندهم منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إن لم يكن حاجّاً، وإن كان حاجّاً فإنّه يبدأ منذ صلاة الظهر في يوم العيد؛ لأنّ الحاجّ يكون مشغولاً بالتلبية، ويمتدّ هذا الوقت إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق؛ واستدلّوا بما ورد من فِعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يُكبّر منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام التشريق، وقد ضعّف بعض العلماء ما رُوي.[١٦]
  • الشافعية: يبدأ وقت الفجر من يوم عرفة ويمتدّ إلى عصر آخر أيّام التشريق؛ سواء صلّى المسلم العصر في أوّل الوقت، أو آخره.[١٧]
  • الحنفية: يبدأ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة، ويمتدّ إلى ما بعد صلاة العصر من يوم العيد.[١٨]
  • المالكية: يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد، ويمتدّ إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق؛ وهو اليوم الرابع من العيد، وآخر أيّام مِنى.[١٩]

حُكم التكبير الجماعيّ في العيد

يعدّ فقهاء المالكية والشافعية أبرز من تناول حكم التكبير الجماعيّ في العيد، وبيان أقوالهم في المسألة كما يأتي:

  • المالكية: قالوا بعدم سُنّية التكبير الجماعيّ، وإنّه من قبيل البِدَع، وقد ذهب إلى هذا القول أيضاً الإمام الشاطبيّ، ومن المُعاصرين: ابن باز، والألبانيّ، وابن عثيمين؛ واستدلّوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)؛[٢٠] فالتكبير فيه نوع من الالتزام، والإسلام لم يُشرِّع هذا الالتزام؛ فيكون ذلك من قبيل البِدَع، كما أنّه لم يَرِد عن الصحابة، ولا التابعين شيءٌ في ذلك.[٢١]
  • الشافعية: يُشرَع التكبير الجماعيّ في العيد؛[٢٢] واستدلّوا على ذلك بقول الصحابية أُم عطيّة -رضي الله عنها- في صفة تكبيرهم زمنَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ)،[٥] كما استدلّوا بفِعل عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بأنّه كان يُكبِّر بمِنى، فيسمعه الناس، فيُكبّرون بتكبيره حتى ترتجّ مِنى من التكبير،[٦] أمّا المرأة فإنّها تخفض صوتها بالتكبير؛ سواء كانت تُكبّر وحدها، أو في جماعة.[٢٣]

التكبير في صلاة عيد الأضحى

الفُقهاء في حُكم التكبير في صلاة عيد الأضحى على قولَين؛ فقد ذهب الجُمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّه سُنّة، أمّا الحنفية فذهبوا إلى وجوبه،[٢٤] كما تلخّصتْ آرائهم في عدد هذه التكبيرات في ثلاثة أقوال، كما يأتي:[٢٥]

  • الحنفية: يُكبّر الإمام ثلاث تكبيرات في الركعة الأولى، وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية ثلاث تكبيرات، وتكون بعد القراءة وقبل الرُكوع، وهي رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
  • المالكية والحنابلة: يُكبّر الإمام سبعَ تكبيرات في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام، وستّ تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد الرفع من الرُكوع وقبل القراءة، وقد ذهب إلى هذا القول ابن تيمية، وابن باز أيضاً.
  • الشافعية: يُكبّر الإمام سبع تكبيرات في الركعة الأولى وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد تكبيرة القيام من السجود، وقال بذلك ابن حزم، وابن عبد البرّ أيضاً.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. “آداب العيد”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  3. أمير سعيد (1 ذو الحجه 1440)، “ليلامس التكبير قلوبنا قبل ألسنتنا”، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  4. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 971، صحيح.
  6. ^ أ ب ” التكبير الجماعي في العيد جائز”، www.aliftaa.jo، 27-07-2014، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  7. “الجهرُ بالتَّكبيرِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  8. سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)،  : دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1321-1322، جزء 3. بتصرّف.
  9. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2.
  10. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة العيدين – مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 78، جزء 1. بتصرّف.
  11. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 57، جزء 2. بتصرّف.
  12. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي ، صفحة 429، جزء 1. بتصرّف.
  13. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2. بتصرّف.
  14. يوسف القرضاوي، “التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة”، www.archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  16. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 58، جزء 2. بتصرّف.
  17. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  18. زين الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الرازي، تحفة الملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 95. بتصرّف.
  19. صالح بن عبدالسميع الآبي، الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، بيروت: المكتبة الثقافية، صفحة 252. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718 ، صحيح.
  21. “حُكمُ التَّكبيرِ الجَماعيِّ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  22. “مشروعية التكبير في جماعة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  23. “تكبيرات العيدين: حكمها وكيفيتها”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  24. محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)،  : المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 17، جزء 6. بتصرّف.
  25. أحمد إسكينيد، “الجواب السديد لمن سأل عن تكبيرات صلاة العيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

التكبير في عيد الأضحى

تأتي سنّة التكبير في عيد الأضحى ضمن مجموعة من السُنَن التي يُستحَبّ للمسلم فِعلها يوم العيد، كالغُسل قبل الخروج إلى الصلاة، ولبس الجميل من الثياب، وتهنئة المُسلمين بعضهم البعض بمناسبة العيد، والذهاب إلى صلاة العيد من طريق، والعودة من طريقٍ آخر، وقد جاء التوجيه الشّرعي يدعو إلى إظهار شعيرة التكبير في العيد؛ لقوله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١][٢] ويستشعر المسلم معاني ودلالات التّكبير في قلبه؛ فالتكبير يتضمن شُكر الله -تعالى- على توفيقه للعبد؛ لأداء الطاعة التي قدَّمها، ويشتمل التكبير على أنواع الذِّكر جميعها؛ من حَمدٍ، وتسبيحٍ، وتهليلٍ، كما أنّ جملة “الله أكبر” تعني: تعظيم الله -تعالى- عن كلّ نقص، وتعظيمه على كلّ عظيم، وفي التكبير إعلانٌ من المسلم بمَحبّته لله -تعالى-، وشعوره بالعزّة والسعادة بقُربه منه، ويكون ذلك مُصاحباً لتكبيره عند فرحه بقدوم العيد.[٣]

حُكم تكبيرات عيد الأضحى

ذهب جُمهور الفقهاء إلى أنّ التكبير في عيد الأضحى سُنّة أو سُنّة مُؤكَّدة، في حين رأى الحنفية أنّه واجب،[٤] والتكبير ورفع الصوت به من السُّنَن المُستحَبّة؛ سواء كان بشكل فرديّ، أو جماعيّ بعد الصلوات، أو بشكل مُطلَق، للمُقيم والمُسافر، وللرجال والنساء، ويُعَدُّ التكبير من الأُمور التي واظب عليها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وقد ثبت في ذلك عن أمّ عطيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ).[٥][٦] وذهب جُمهور الفُقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وفي رواية عن أبي حنيفة، وأخذ به أيضاً أبو يوسف، ومُحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنّ الجهر بالتكبير سُنّة في حقّ الرجال؛ واستدلّوا بحديث أمّ عطية -رضي الله عنها- الذي ورد سابقاً، ورأوا بأنّ الرجال كانوا يُظهرون التكبير في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فلو لم يُكبّر الرجال، لَما كبَّرَت النساء من خلفهم.[٧]

صيغة تكبيرات عيد الاضحى

الفُقهاء في الصيغة التي يُسنّ أن يكبّر الناس بها في عيد الأضحى على قولين كما يأتي:

  • الحنفية والحنابلة: يكون التكبير عندهم شَفعاً، وبالصيغة الآتية: “الله أكبر والله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر”.[٨]
  • المالكيّة والشافعية: تكون صيغة التكبير عندهم بقول: “الله أكبر” ثلاث مرّات، والتكبير بهذه الصيغة هو الأفضل عند المالكيّة، وإن زاد المُسلم: “لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، فهو حَسن؛ بدليل فِعل الصحابة، كابن عبّاس، وجابر -رضي الله عنهم-، واستحبّ الشافعية أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة بأن يقول: “الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً”؛ بدليل قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك على جبل الصفا، ويُسَنّ أيضاً أن يقول بعدها: “لا إله إلّا الله ولا نعبد إلّا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر”، ويختم ذلك بالصلاة والسلام على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه -رضي الله عنهم جميعاً-.[٩]

أنواع ووقت تكبيرات عيد الأضحى

التكبير المُطلَق

يُعرَّف التكبير المُطلَق بأنّه: التكبير الذي يُسَنّ في كُلّ وقت، ولا ينحصر في الوقت الذي يَلي الصلوات فقط،[١٠] ويمتدّ وقته عند الحنابلة منذ أوّل يومٍ من شهر ذي الحجّة إلى حين انتهاء خُطبة العيد يوم النَّحْر،[١١] وقال الشافعية بأنّ وقته يمتدّ منذ أوّل ليلة العيد؛ قياساً على التكبير في عيد الفِطْر؛ فقد أمر الله -تعالى- بالتكبير بعد الانتهاء من عدّة رمضان، ويمتدّ وقته إلى أن يُكبّر الإمام تكبيرة الإحرام في صلاة العيد،[١٢] وهو مندوب عند فُقهاء الشافعيّة، والحنابلة فقط.[١٣]

التكبير المُقيَّد

يُعرَّف التكبير المُقيَّد بأنّه: التكبير المُقيَّد بوقت مُعيَّن، وهو ما يكون بعد الصلاة المفروضة، وقد اشترط أكثر الفُقهاء أن تكون الصلاة التي يليها التكبير صلاةَ جماعة،[١٤] أمّا نوع الصلاة التي يُشرَع التكبير المُقيَّد بعدها؛ فقد تعدّدتْ آراء الفُقهاء فيه على أقوال، وذلك على النحو الآتي:[١٥]

  • الشافعية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد الصلوات جميعها؛ سواء كانت فرضاً، أو نفلاً؛ لأنّ التكبير يختصّ بوقت الصلاة، ولا يختصّ بنوعها.
  • الحنابلة: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفرض التي تكون في جماعة؛ فمَن صلّى وحده لا يُسَنّ له التكبير.
  • المالكية: يُسَنّ التكبير المُقيَّد بعد صلاة الفريضة التي تكون أداءً، ولا يُسَنّ التكبير بعد الفريضة التي تكون قضاءً.
  • الحنفية: يجب التكبير المُقيَّد مرّة واحدة بعد كُلّ فرض يُؤدّى في جماعة، وذهب أبو يوسف، ومحمد من الحنفية إلى أنّه يجب بعد كُلّ فرض، ولا فرق في كون المُصلّي مُسافراً، أو مُنفرِداً، أو امرأة.

وللفقهاء أقوال عدّة في الوقت الذي يبدأ فيه التكبير المُقيَّد في عيد الأضحى على أقوال، وبيانها فيما يأتي:

  • الحنابلة: يبدأ عندهم منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إن لم يكن حاجّاً، وإن كان حاجّاً فإنّه يبدأ منذ صلاة الظهر في يوم العيد؛ لأنّ الحاجّ يكون مشغولاً بالتلبية، ويمتدّ هذا الوقت إلى صلاة العصر من آخر أيّام التشريق؛ واستدلّوا بما ورد من فِعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يُكبّر منذ صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام التشريق، وقد ضعّف بعض العلماء ما رُوي.[١٦]
  • الشافعية: يبدأ وقت الفجر من يوم عرفة ويمتدّ إلى عصر آخر أيّام التشريق؛ سواء صلّى المسلم العصر في أوّل الوقت، أو آخره.[١٧]
  • الحنفية: يبدأ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة، ويمتدّ إلى ما بعد صلاة العصر من يوم العيد.[١٨]
  • المالكية: يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد، ويمتدّ إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق؛ وهو اليوم الرابع من العيد، وآخر أيّام مِنى.[١٩]

حُكم التكبير الجماعيّ في العيد

يعدّ فقهاء المالكية والشافعية أبرز من تناول حكم التكبير الجماعيّ في العيد، وبيان أقوالهم في المسألة كما يأتي:

  • المالكية: قالوا بعدم سُنّية التكبير الجماعيّ، وإنّه من قبيل البِدَع، وقد ذهب إلى هذا القول أيضاً الإمام الشاطبيّ، ومن المُعاصرين: ابن باز، والألبانيّ، وابن عثيمين؛ واستدلّوا بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليسَ منه فَهو رَدٌّ)؛[٢٠] فالتكبير فيه نوع من الالتزام، والإسلام لم يُشرِّع هذا الالتزام؛ فيكون ذلك من قبيل البِدَع، كما أنّه لم يَرِد عن الصحابة، ولا التابعين شيءٌ في ذلك.[٢١]
  • الشافعية: يُشرَع التكبير الجماعيّ في العيد؛[٢٢] واستدلّوا على ذلك بقول الصحابية أُم عطيّة -رضي الله عنها- في صفة تكبيرهم زمنَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَومَ العِيدِ حتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِن خِدْرِهَا، حتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فيُكَبِّرْنَ بتَكْبِيرِهِمْ، ويَدْعُونَ بدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذلكَ اليَومِ وطُهْرَتَهُ)،[٥] كما استدلّوا بفِعل عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- بأنّه كان يُكبِّر بمِنى، فيسمعه الناس، فيُكبّرون بتكبيره حتى ترتجّ مِنى من التكبير،[٦] أمّا المرأة فإنّها تخفض صوتها بالتكبير؛ سواء كانت تُكبّر وحدها، أو في جماعة.[٢٣]

التكبير في صلاة عيد الأضحى

الفُقهاء في حُكم التكبير في صلاة عيد الأضحى على قولَين؛ فقد ذهب الجُمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّه سُنّة، أمّا الحنفية فذهبوا إلى وجوبه،[٢٤] كما تلخّصتْ آرائهم في عدد هذه التكبيرات في ثلاثة أقوال، كما يأتي:[٢٥]

  • الحنفية: يُكبّر الإمام ثلاث تكبيرات في الركعة الأولى، وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية ثلاث تكبيرات، وتكون بعد القراءة وقبل الرُكوع، وهي رواية عن الإمام أحمد أيضاً.
  • المالكية والحنابلة: يُكبّر الإمام سبعَ تكبيرات في الركعة الأولى مع تكبيرة الإحرام، وستّ تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد الرفع من الرُكوع وقبل القراءة، وقد ذهب إلى هذا القول ابن تيمية، وابن باز أيضاً.
  • الشافعية: يُكبّر الإمام سبع تكبيرات في الركعة الأولى وتكون بعد تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات في الركعة الثانية، وتكون بعد تكبيرة القيام من السجود، وقال بذلك ابن حزم، وابن عبد البرّ أيضاً.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. “آداب العيد”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  3. أمير سعيد (1 ذو الحجه 1440)، “ليلامس التكبير قلوبنا قبل ألسنتنا”، www.almoslim.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-4-2020. بتصرّف.
  4. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 971، صحيح.
  6. ^ أ ب ” التكبير الجماعي في العيد جائز”، www.aliftaa.jo، 27-07-2014، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  7. “الجهرُ بالتَّكبيرِ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2020. بتصرّف.
  8. سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)،  : دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1321-1322، جزء 3. بتصرّف.
  9. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2.
  10. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة العيدين – مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 78، جزء 1. بتصرّف.
  11. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 57، جزء 2. بتصرّف.
  12. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي ، صفحة 429، جزء 1. بتصرّف.
  13. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1407، جزء 2. بتصرّف.
  14. يوسف القرضاوي، “التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة”، www.archive.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  15. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 249-250، جزء 27. بتصرّف.
  16. منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتى، كشاف القناع عن متن الإقناع ،  : دار الكتب العلمية، صفحة 58، جزء 2. بتصرّف.
  17. سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (1950)، التجريد لنفع العبيد = حاشية البجيرمي على شرح المنهج (الطبعة بدون طبعة)،  : مطبعة الحلبي، صفحة 430، جزء 1. بتصرّف.
  18. زين الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الرازي، تحفة الملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 95. بتصرّف.
  19. صالح بن عبدالسميع الآبي، الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، بيروت: المكتبة الثقافية، صفحة 252. بتصرّف.
  20. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718 ، صحيح.
  21. “حُكمُ التَّكبيرِ الجَماعيِّ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  22. “مشروعية التكبير في جماعة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  23. “تكبيرات العيدين: حكمها وكيفيتها”، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.
  24. محمود محمد خطاب السّبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)،  : المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 17، جزء 6. بتصرّف.
  25. أحمد إسكينيد، “الجواب السديد لمن سأل عن تكبيرات صلاة العيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2020. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى