محتويات
تعريف الشخصية
بدايةً ينبغي علينا أن نعرف أنّ كلمة شخصية في اللغة العربية مشتقة من الشخوص أي الظهور أمام الآخرين، أمّا في اللغات الأجنبية تأتي كلمة شخصية بمعنى الأدوار التي يمثلها الأشخاص، أما من منظور علم النفس فيأتي تعريف الشخصية أنّه عبارة عن منظومة كاملة من السمات العقلية والجسدية والوجدانية والاجتماعية المكتسبة والموروثة والتي تتفاعل مع بعضها البعض ومع المحيط الخارجي للإنسان فتنتج عنها منظومة من الشخصيات المختلفة وذلك حسب العوامل التي أثرت في تكوين هذه الشخصية منذ الصغر.
إنّ الشخصية عبارة عن الدوافع، والعادات، والميول، والعقل، والعواطف، والآراء والعقائد، والأفكار، والاستعدادات، والقدرات، والذكاء، والمواهب خاصّة، والمشاعر والأحاسيس، والسمات المختلفة عن كلّ هذه المكونات أو أغلبها، فتمتزج كل هذه لتكوين شخصيّة فريدة يتميّز بها كل شخص عن الآخر، حتى لو تشابه البعض في عدد من الصفات، فلا بُدّ أن تكون شخصيّة كل فرد مختلفة عن الآخرين. بالأصل يجب أن تنمو الشخصية بشكل طبيعي، إلا أنّ تأثير أحد أو بعض العوامل السلبية على الشخصية قد يغيّر من هذا الأمر، فتنتج لدينا اضطرابات سلوكيّة ونفسيّة في الشخصيّة يصعب تفسيرها في بعض الأحيان. (1)
عوامل تكوين الشخصية
ظهر علم النفس الاجتماعي بعدّة دراسات حول العوامل التي تلعب أدوراً رئيسة في تكوين شخصية الإنسان والتأثير عليها، وفيما يأتي أبرزهم: (2)
- العوامل الوراثية: تلعب دوراً مهماً في تكوين الشخصية منذ تكوّن الجنين في الرحم وحتى ميلاده، ونموه، وشبابه، وشيخوخته حيث تتحكّم العوامل الوراثية في العديد من الأمور كالصّفات الجسدية، والفسيولوجية، والذكاء، والسلوك، وغيرها من الأمور التي تظهر في مواقف معينة.
- البيئة: تشير الدراسات أنّ البيئة لها تأثير جلي على تلك الصفات المحيطة بالأشخاص وعلى تكوين ثقافات وحضارات مختلفة مما تنتج عنها شعوب بشخصيات مختلفة تماماً عن بعضها البعض أيضاً؛ فالصّفات الجغرافية لها تأثير على بناء سلوك الأفراد وبالتالي على شخصياتهم، وطريقة معيشتهم، فطبيعة الأشخاص الذين يعيشون في المدن الساحلية تختلف من حيث الشخصيّة والتصرّفات عمن يعيشون في المدن الزراعية والغابات والصحارى، كما ويلعب الدين واللغة المكتسبة من البيئة الخارجية، والنظام الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي دوراً بالغاً في تكوين الشخصية، فتنتج لدينا أصنافاً عديدة من الشخصيّات والسلوكيات.
- الفطرة: كل إنسان يولد له فطرته الخاصة المُميّزة، ولكن من الممكن أن تتغيّر بسبب عوامل خارجية قويّة، فتؤدّي إلى تغيير بعض الصفات الشخصية الفردية.
- المحيط الاجتماعي: يلعب هذا العامل دوراً كبيراً في تغيير سلوك الأفراد؛ فطبيعة العامل الاجتماعي المُحيطة بالفرد تؤثّر كثيراً على تغيير سلوكه وقرارته، وخاصّةً إذا كان يمرّ الإنسان بلحظة ضعف وحيرة وخوف، فتراه يتوجّه تلقائياً نحو ما يُمليه عليه الأشخاص المُحيطين به.
- العامل الثقافي: يكاد يتصدّر هذا العامل عند بعض العلماء فيكون السبب الرئيس في تكوين الشخصية؛ فالثقافة تصنع الإنسان. يبدأ عقل الطفل بتخزين كمٍّ هائل من المعلومات والأحداث التي تدور حوله، فيكتسبها ويحوّلها إلى أفكار، ويتم نقلها من جيل لآخر عبر تواصل الأفراد لتنتج لنا شخصيّات متأثّرة بحاصل الكمّ الثقافي الذي اكتسبته سابقاً.
أنواع الشخصيات
بما أن العوامل التي تتفاعل في تكوين شخصيّة الفرد مختلفة من شخص لآخر، بالتالي سوف تنتج لدينا أنواعاً عديدةً من الشخصيات، منها الإيجابية، ومنها السلبيّة، ومنها المختلطة، كل شخصية لها صفات تُميّزها عن الأُخرى، وعليه، فإنّ السلوك الذي يصدر عن هذه الشخصية تكون له دلالة للتعرّف على شخصيته.
الشخصيّات الإيجابية
سوف نتعرف على أهم الشخصيات الإيجابية التي تمّ ذكرها في علم النفس .(3):
- الشخصية الإيجابية: تتمتّع هذه الشخصية بالتفاؤل، والواقعية، والعقلانية، وتُقيّم الأمور بطريقة موضوعية دون مبالغة، حيث تعرف حقوقها وواجباتها، وتحترم ذاتها وكذلك الآخرين أيضاً، وتنظر إلى الأشياء بطريقة صحيحة، وتسعى للوصول إلى أهدافها بطرق سليمة. كما تتّسم هذه الشخصية بالصّبر، والتّوازن، والحكمة، وعادةً لا ترتكب أخطاءً كبيرة ومؤذية بحقّ نفسها وغيرها، وتأخذ قرارتها بالتروّي. من خصائص هذه الشخصية أيضاً أنها منفتحة على الحياة ومُقبلة عليها، ومُتكيّفة مع المواقف الجديدة، وتسمو بنفسها عن المواطن السيئة والمشبوهة، ولا تتردّد في السعي إلى تحقيق النّجاح عن طريق الجودة في الأداء، والتميز في الإنتاجية.
- الشخصية القيادية: يتميّز أصحاب هذه الشّخصية بقوة شخصياتهم، وقوة التأثير على الآخرين، وبتألّقهم في مختلف الأصعدة، كما تتميّز بالقدرة على مواجهة الصعاب، وحل المشاكل، والسرعة في اتخاذ القرارات، ويتمتّع القيادي بذكائه الاجتماعي بين النّاس، ويستطيع إثبات نفسه بين الجميع، ويترك بصمة واضحة بينهم، ويملك آراءً مُميّزة. هو صاحب فكر واتّجاه مُعيّن، وعادةً ما يكون صاحب هذه الشّخصية مُلهماً للآخرين. يغلب على هذه الشخصية الهمّة العالية، والطموح، والرّغبة في إنجاز أهدافها.
- تشيرالدراسات أنّ أصحاب هذه الشّخصية يتمتعون بالفطرة غير المكتسبة من المحيط الخارجي، وهم يطوّرون أنفسهم من خلال العمل والتدريبات التي تصقل شخصياتهم. كما وتتّسم سلوكيّات هذه الشخصية بالتعقّل، والتأنّي، والتّروي، وضبط الانفعالات، وسرعة البديهة، والحكمة، ممّا يساعدها لتسيرعلى خطىً واضحة. ومن الملفت للنظر أنّ أصحاب الشخصية القياديّة في الغالب تخلو شخصياتهم من العيوب النفسية والاجتماعية، وحتى الجسدية، وتحظى باحترام الآخرين.
- الشخصية الحسّاسّة: تتّسم الشخصية الحسّاسّة بأن لديها حساسية مفرطة من النّاس تجاه اللوم أو النقد، وهذا الأمر يُسبّب لها ضغطاً نفسياً مُستمرّاً، ويعود ذلك لأنّها تُفسّر الأحداث بطريقة مبالغ فيها، وتُحمّل نفسها فوق طاقتها، ممّا يُسبّب لها ألماً نفسيّاً تجاه مواقف بسيطة ليس لها أهميّة. تتّصف هذه الشخصية بأنها تُحلّل أفعال وأقوال الآخرين، وبالتالي تُكثر من سوء الظنّ بنواياهم وأفعالهم، فتواجه الكثير من المشاكل مع الآخرين. وقد أثبتت الدراسات أن أصحاب الشخصية الحسّاسة يمتلكون مواهب وقدرات عالية، إلّا أنّ طبيعة شخصيتهم تمنعهم من تحقيق النجاح والتفوّق؛ لأنهم لا يستطيعون التّأقلم مع الواقع المحيط بهم، مما يجعلهم يُؤثرون العزلة والانطوائية، وعدم حضور المناسبات الاجتماعية.
- الشخصية الجذابة’: يُعتبر أصحاب هذه الشّخصية بأنّهم موهبون، وشخصيّتهم تساعدهم في جذب الآخرين اتجاهم، ويستطيعون إثبات أنفسم في المجالس من خلال حضورهم العالي؛ فهم يستطيعون التعامل مع جميع أنواع النّاس دون تكلّف، فهم يتمتّعون بكاريزما عالية وجاذبية جميلة تنبع من الداخل، وليس للعوامل الخارجية أثر في ذلك. أصحاب هذه الشّخصية يحترمون الناس كثيراً، ويُجيدون الحديث بلباقة، كما يُصغون للناس بهدوء، كما أنّهم يتميّزون بالهدوء والتفاؤل، والاهتمام بالمظهر الخارجي، ويجيدون التعّامل مع الناس؛ لأنّهم يُركّزون على الجوانب الإيجابية للنّاس، ولا يوجّهون انتقادات لهم، بالتّالي لا يخدشون مشاعرهم، كما أنّ أخلاقهم عالية، وهم متواضعون، ولديهم ابتسامة عريضة، كل هذه المُميّزات تؤهّلهم كي يحظوا باحترام الناس، والتألّق في المجتمع.
الشخصيات السلبية
تحدثنا سابقاً عن الشخصيات والأنماط الإيجابية حولنا، سوف نتطرق إلى الشخصيات السلبيّة وكيفيّة فهمها للأمور: (3)
- الشخصيّة السلبيّة : بالطبع تختلف صفات الشخصيّة السلبيّة تماماً عن الشخصيّة الإيجابية في جميع الأمور، ففي حين تتّصف الشخصيّة الإيجابية بالسويّة والمتفهمة فإنّ الشّخصية السلبيّة على النقيض. أهم ما يميّز هذه الشخصية نظرتها التشاؤمية والسوداوية لجميع أمورالحياة، وهي الصفة المسيطرة على أصحاب هذه الشخصية، بالتالي يرافقها الفشل، والكسل، وقلّة الهمة، والتردّد، فلا يستطيع أصحاب هذه الشخصية إثبات أنفسهم في المجتمع، ولا حتى المساهمة في تطوير المجتمع، ويُعزون سبب فشلهم إلى الآخرين ممن حولهم، ولا يكفّون عن خلق الأعذار وإلقاء لوم فشلهم على الآخرين، كما يميلون إلى تحقير نجاح الآخرين والتقليل من شأنهم. بالطبع هذه الشخصيات لا يستفيد منها المجتمع، ولا تترك أثراً فيهم.
- الشخصية المزاجية: تسمى هذه الشخصية بالمزاجية لأنّها تخلط وتمزج الأمور ببعضها البعض، ولا تبقى على حال ثابت ومستمر، فهي متقلبة باستمرار. تتّسم هذه الشخصية بأنّها لا تستطيع السيطرة وضبط أفعالها باستمرار، فتراها في بعض الأوقات تتصرّف بمثالية وتراها مرة أخرى تتصرّف على النّقيض تماماً، حتى وإن تشابهت المواقف فلا تتشابه ردّات أفعالها وسلوكيّاتها أبداً، ويعود السبب في ذلك إلى تقلّب مزاج الشخص لا أكثر. تتحكّم العاطفة والانفعالات في أصحاب هذه الشّخصية، لذلك لا تستطيع التكلّم معهم بأمور معينّة إلا وهم في حالة مزاج جيّد. تُعتبر الشخصية المزاجية من الشخصيات المثيرة للجدل، لأنّك قد لا تستطيع فهمها في كثير من الأوقات.
- الشخصية النرجسيّة: تتّسم هذه الشّخصية بحبّ الذات والتكبّر، وشعورها دائماً بالتميّز، وأنّها تختلف عن الآخرين، ويظنّ صاحب هذه الشخصية أنّه يعلو ويفوق الآخرين بمستواه، لذلك لا يتقبّل أي نقدٍ من الآخرين، كما ويعتقد أن النّاس مهتمون به وبتفاصيل حياته، ممّا يدفعه إلى العناية بمظهره وشكله الخارجي. يتّسم أصحاب الشخصية النرجسية بأنهم انتهازيّون، ولا يترددون في تحقيق أهدافهم عن طريق الآخرين، هم ليسوا بأنانيين، لكنّهم يعشقون لفت الأنظار، ويرفضون فكرة أنّ لديهم خللاً نفسيّاً يستوجب علاجاً.
- الشخصية المضطربة: يعاني أصحاب هذه الشخصية المضطربة من مواجهة صعوبة في التّأقلم والتّعايش مع الآخرين، فهم مختلفون عنهم في طريقة التفكير والسلوك وحتى الأحاسيس، وتظهر علامات الاضطراب في أمورعديدة؛ كالانفعالات العاطفية، وردّات الفعل، وسلوكيات غريبة غير مناسبة تجاه موقف معين، ويعزون سبب سلوكهم أنّ الناس سبب ذلك. يتّصف أصحاب هذه الشخصية المضطربة بالحِديّة وتفضيل الانطوائية والوحدة، كما أنّهم غير قادرين على التكيّف بأوضاع الحياة المختلفة، وتكون ردّات فعلهم غير مناسبة للمواقف، وهذا كلّه يؤدي إلى حدوث تصادم بينهم وبين الآخرين. والجدير الذكر أنّ أعراض هذه الشخصية تبدأ منذ الطفولة، وتكون ملازمة للشخص طيلة مراحل حياته، ويحتاج غالباً إلى طبيب نفسي للمعالجة.
- الشخصية السيكوباتية: أثبت علماء النفس أنّ هذه الشّخصية مصابة باعتلال نفسيّ ومرض عقليّ، وأهم ما يُسيطرعلى هذه الشخصيّة هي العدوانية تجاه الآخرين وحب السيطرة، والسيكوباتي شخص ليس لديه أي وازع دينيّ، أو اجتماعي، أو قِيَميّ، وبالتالي يكون سلوكه منحرفاً ويُشكّل خطراً على الآخرين، كما أنّه منعدم الضمير والأخلاق، يعرف بالكذب، ويتلذّذ في إيذاء الناس.
- الشخصية الاعتمادية: هذه الشخصية تنقصها الثقة بالنفس، وبالتالي لا تستطيع اتّخاذ قرارتها بأنفسها، وتعتمد على الآخرين في كافة تفاصيل حياتها، وتميل لإنشاء علاقات واسعة جداً مع الآخرين؛ لأنهم لا يستطيعون البقاء منفردين بأنفسهم، ويخافون من اتّخاذ أي قرار بشأن حياتهم، ويعتمدون على غيرهم حتى بأدقّ تفاصيل حياتهم.
المراجع
(1) بتصرّف عن مقالة تكوين الشخصية، Generalculture.net
(2) بتصرّف عن كتاب السلوك التنظيمي (مدخل بناء المهارات)، أحمد ماهر، الجامعية الإسكندرية – مصر، 2014، ص187.
(3) بتصرّف عن مقالة اعرف ما نوع شخصيتك، Almarefah.net