محتويات
'); }
القرآن الكريم
أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيّه محمد عليه الصّلاة والسّلام، فكان معجزته الخالدة لقومه والنَّاس من بعدهم، وتوالى نزوله عليه عليه الصّلاة والسّلام ثلاثاً وعشرين سنةً، حتى تمَّ نزوله كلُّه، ليتعبَّدُ النّاس بتلاوة آياته وحفظها، ويتخلَّقوا بما فيه من أخلاق، ويلتزموا بما جاء فيه من أحكام، وقد تناولت سور القرآن الكريم البالغ عددها مئةً وأربع عشرة سورةً مواضيع وقضايا مُختلفة، ليكون القرآن الكريم بأجزائه الثّلاثين كتاب هدايةٍ ودستور حياةٍ للمسلمين.
تعريفٌ عامٌّ بسورة ق
سورة ق من السّور المكيّة التي نزلت قبل هجرة النَّبي عليه الصّلاة والسّلام باستثناء الآية الثَّامنة والثَّلاثين منها فهي مدنية، وعدد آياتها خمسٌ وأربعون آيةً، وهي السّورة رقم خمسين في ترتيب سور القرآن الكريم، والسّورة الرّابعةُ والثّلاثون في ترتيب نزول السّور على الرَّسول عليه الصّلاة والسّلام، وعدد كلماتها ثلاثُ مئةٍ وثلاثٌ وسبعون، وقد نزلت بعد سورة المُرسلات وقبل سورة البلد، وهي في الجزء السّادس والعشرين من القرآن الكريم.[١]
'); }
سبب تسمية السُّورة
سُمِّيت السُّورة بهذا الاسم لابتدائها بالحرف الهجائي (ق) كما في السُّور الأخرى التي جاءت في أوائلها أحرف الهجاء، كما في السّور (ص)، و(ن)، و(الم)، و(الر)، و(حم)، و(طس) وغيرها،[٢] ودلالة الابتداء بالأحرف الهجائيَّة المقطَّعة الأخرى كما رجَّح ابن كثير بيان إعجاز القرآن الكريم وعظمته، وأنَّ الخَلق عاجزون عن الإتيان بمثله رغم أنَّه مكوَّنٌ من هذه الحروف المقطَّعة التي يتخاطبون بها، وممَّا يُدلِّل على ذلك ويؤكِّده أنَّ كلَّ السّور التي افتُتِحت بالحروف المقطَّعة تُبِعَت بآياتٍ تُبيّن إعجاز القرآن وتُعظِّمه وتنتصر له، ومثل ذلك في سورة ق: (ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)،[٣] وفي قول الله تعالى: (الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)،[٤] وغيرها من فواتح السّور التي ابتدت بالحروف الهجائيّة المُقطَّعة.[٥]
سبب نزول السّورة
ورد أنَّ اليهود كانت تقول: إنَّ الله خلق الخَلق في ستَّة أيامٍ، ثمَّ استراح في اليوم السَّابع وهو يوم السّبت يوم الرَّاحة عندهم، فأنزل الله تعالى قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)،[٦] فقد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَتْ عن خلق السموات وَالْأَرْضِ فَقَالَ: “خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ”، قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: “ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ”، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ تَمَّمْتَ ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَضَبًا شَدِيدًا، فَنَزَلَتْ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)).[٧]
فضل السّورة
- كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقرأ سورة (ق) ويردِّدها في الصّلاة، وقد ورد أنَّه عليه الصّلاة والسّلام كان يُكثر من قرأتها في صلاة الفجر، حتى حفظها عنه بعض الصّحابة من ترديده لها، كما رُوي عن أمِّ هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها أنَّها قالت: (مَا حَفِظْتُ (ق) إِلاَّ مِنْ فِيّ رَسُولِ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، قَالَتْ وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- وَاحِدًا).[٨]
- كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يُردّدها في صلاة عيدَي الفطر والأضحى، فقد روى عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنهما: (أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقدٍ الليثي -رضي الله عنه- عمَّا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -عليه الصّلاة والسّلام- فِى الأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ))،[٩] وذكر ابن كثير أنَّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام كان يقرأ سورة ق في المجامع الكبيرة كالعيد وصلاة الجمعة؛ لاشتمالها على الخلق والبعث والنّشور والحساب، وحديثها عن الثّواب والعقاب، وتناول آياتها للتّرغيب والتّرهيب على السّواء.[١٠]
- تُعتبر سورة (ق) كما في الرّاجح عند المُفسّرين أنَّها أوَّل المُفصَّل في القرآن الكريم، ويُقصَد بالمُفصَّل سور القرآن القصيرة التي كَثُر الفصل بينها بالبسملة، فسورة (ق) هي حدُّ بداية المُفصَّل وأوَّله على الصّحيح من أقوال المُفسّرين.[١١]
مواضيع السّورة
تتكلّم السّورة عن عدة مواضيع تخصّ العقيدة الإسلاميّة، وهو الطّابع الغالب على السّورة، والمِحور الرّئيس الذي دارت حوله الآيات هو البعث والنّشور؛ لإنكار الكافرين له، وجاءت سورة (ق) بالبراهين القاطعة، والحجج الدّامغة الدَّالة على صدق البعث والنّشور، وأنَّهما حقيقة واقعةٌ بعد الموت، كما شملت السّورة في آياتها أساليب التّرغيب للمؤمنين ولمن يقترب منه، والتّرهيب للكافرين المُنكرين، وأمَّا موضوعاتها التي تناولتها بالتّفصيل، فهي:[١٢]
- تأكيد وحدانيّة الله سبحانه وتعالى.
- تحدّثت عن الرّسالة، والكتاب الحفيظ، واللّوح المحفوظ.
- تحدّثت عن البعث والنّشور، ويوم الحساب، وأهوال يوم القيامة.
- الثّواب والعقاب، والجنّة والنّار.
- تحدّثت عن عظيم قدرة الله تعالى، وإعجازه في إعادة خلق المَخلوقات وإحيائها بعد موتها، وكيف أنّ الله تعالى يعلم مِثقال كلّ ذرّةٍ تنقص من جسد الميت حين يُدفَن ويتحلّل في التّراب.
- ذكرت السّورة أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لم يكن جبّاراً على النّاس، وإنما هادٍ لهم.
- فيها تحذير للكافرين واليهود من بقائهم وثباتهم على كفرهم، وكيف أنّ الغطاء ينكشف عن قلبهم وبصيرتهم، فيرون الحق حقّاً، وشبَّه الله تعالى قوّة بصرهم بالحديد، وما يعقب هذا من ندمٍ وحسرة، لأنّهم كذّبوا بالبعث والنّشور.
- تحدّثت عن جزاء المُؤمنين وما فيه من من نعيمٍ مُقيم، وأجرٍ كبير، وجنّات عرضها السّماوات والأرض.
- تحدّثت عن مصير الكفار، وما ينتظرهم من أهوال العذاب يوم القيامة.
- ذكرت آياتها مناداة مَلَك الموت للأموات في القبور وبعثهم يوم القيامة.
- تسلية النّبي عليه الصّلاة والسّلام والتّخفيف عنه من تكذيب الكافرين له وعدم استجابتهم لدعوته.
- التّذكير بإحاطة علم الله تعالى بخفايا الأمور، وخواطر النّفوس، وما يستقرّ في القلوب.
المراجع
- ↑ الطاهر بن عاشور (1997)، التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون، صفحة 274، جزء 26. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير (1999)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثانية)، الرياض: دار طيبة، صفحة 394، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة ق، آية: 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 1-2.
- ↑ ابن كثير (1999)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثانية)، الرياض: دار طيبة، صفحة 160، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة ق، آية: 38.
- ↑ الواحدي (1992)، أسباب نزول القرآن (الطبعة 2)، الدَّمام: دار الإصلاح، صفحة 397. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في الصحيح، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة13، حديث رقم: 2051.
- ↑ رواه مسلم، في الصحيح، عن عبيد الله بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة21، حديث رقم: 2096.
- ↑ ابن كثير (1999)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثانية)، الرياض: دار طيبة، صفحة 393، جزء 7.
- ↑ ابن كثير (1999)، تفسير القرآن العظيم (الطبعة الثانية)، الرياض: دار طيبة، صفحة 392-393، جزء 7.
- ↑ الطاهر بن عاشور (1997)، التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون، صفحة 275، جزء 26. بتصرّف.