محتويات
اللسان
يُعدّ اللسان من أعظم النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على عباده؛ فبه يُعبّر الفرد عمّا يعتري قلبه، وعن مَشاكله وهمومه، وهو من وسائل اتّصال المرء مع غيره. قد يكون اللسانُ حجّةً للمرءِ وسبباً في الفوز بمرضاة الله إذا استَخدمه في طاعة الله سبحانه وتعالى، والذكر، وقِراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، أمّا إذا استخدمه المرء في الغيبة والنميمة، وغيرها ممّا نهى عنه الله سبحانه وتعالى فهنا يكون حجةً عليه.
تعريف حفظ اللسان
- الحفظ في اللغة: حفِظَ يَحفَظ، حِفْظًا، فهو حافظ وحفيظ، يقال: حفِظ الشَّيءَ أي صانَه و حرسَه ورعاه، وحفِظ لسانَه أي؛ تحفّظ واحترس في الكلام، وحفِظَ السِّرَّ أي؛ كتمه.[١]
- اللسان في اللغة: هو جارحة الكلام، يُقال: لسنته؛ إذا أخذته بلسانك، والملسون هو الكذّاب، واللّسن: الكلام واللّغة، واللّسن بالتّحريك تُقصد بها الفصاحة، يقال لكلّ قوم لسن: أي لغة يتكلّمون بها واللّسان أيضاً: اللّغة؛ قال الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)[٢][٣]
- حفظ اللسان: قال ابن حجر في المَقصود بحفظ اللسان بأنّه: الامتِناع عن النُّطق بما لا يسوغ شرعًا، ممّا لا حاجة للمُتكلّم به،[٤] ويُعرّف حفظُ اللسان أيضاً بأنه: أن يصونَ المرءُ لسانه ويَحفظه عن كلٍّ من الكذب، والغيبة والنّميمة، وقول الزّور، وغير ذلك ممّا نهى عنه الله سبحانه وتعالى.[٥]
حفظ اللسان في القرآن الكريم والسنة النبوية
حفظ اللسان في القرآن الكريم
ورَدت في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحثّ في مجملها على حفظ اللسان، منها:
- قال الله سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)؛[٦] فالآية الكريمة فيها أمر للعباد بالتحدث بالكلام الحسن؛ كالكلام الذي يقرّب العبد إلى الله سبحانه وتعالى من ذكر، وقراءة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر فمن يَملك لسانه ملك أمره بيده.[٧]
- قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)؛[٨] فالآية الكريمة تدعو المرء إلى التثبّت في كلّ ما يقوله ويفعله، فهو مسؤول عما يصدرعن جوارحه من أفعال. [٧]
- قال الله سبحانه وتعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)؛[٩] فالآية الكريمة تأمر المؤمنين باجتناب جميع الأقوال المحرّمة ومنها قول الزور.[٧]
- قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)؛[١٠] فالآية الكريمة تُبيّن صفاتَ المُؤمنين والتي منها أنّهم يُعرِضونَ عن الكلام الذي لا فائدة ولا خير يُرجى منه، وذلك تنزيهاً لأنفسهم، وترفّعاً عن هذا الكلام، فالعبدُ إذا ملك لسانَه وخزنه وصانه كان مَالكاً لأمرِه.[٧]
- قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[١١] فالآية الكريمة تُبيّن أنّ الله سبحانه وتعالى يأمرُ عباده المؤمنين بتقواه والقول السديد، المُوافق للصواب أو القريب منه، وقول اللّين من الكلام، ليكون جزاؤهم إصلاح أعمالهم، ومَغفرة ذنوبهم. [٧]
حفظ اللسان في السنة النبوية
ذكرت السنة النبويّة العديد من الأحاديث النبوية التي تحثّ المسلم على حفظ لسانه، وصونه الكلام المُحرّم والذي لا فائدة منه، ومن هذه الأحاديث:
- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما النَّجاةُ؟ قال: أمسِكْ عليْكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئتِكَ)[١٢]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه)[١٣]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (…ثمَّ قالَ: ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ؟ قُلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قال: فأخذَ بلِسانِهِ قالَ: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ، فقالَ: ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم)[١٤]
كيفية حفظ اللسان
توجدُ العَديدُ من الأمور التي تُعين الفرد على حفظ اللسان منها:[١٥]
- معرفة الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على تحريم إطلاق اللسان، والخوض في أعراض الآخرين أو إفساد ذات بينهم، ومعرفة الوعيد الشديد الوارد في الآيات والأحاديث، كقول الله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[١٦] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلُ الجنَّةَ قتَّاتٌ )[١٧] أي نمام.
- إشغال اللسان بذكر الله سبحانه وتعالى وقراءة القرآن، والدعاء، وغيرهما مما يحصل فيه رضا الله سبحانه وتعالى.
- اجتناب مخالطة من يغتاب الناس، والمُداومة على مجالسة الصالحين.
- قراءة سير الصالحين وكيف تعاملوا مع ألسنتهم وحفظوها من الغيبة والنميمة وممّا يعود على المرء بالهلاك.
- التوجّه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرّع، واللجوء إليه بأن يَحفظ على المرء لسانه، فلا يتكلّم إلّا بما فيه مرضاة الله.
المراجع
- ↑ د أحمد مختار عبد الحميد عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، بيروت: عالم الكتب، صفحة 522، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 22.
- ↑ “الصمت وحفظ اللسان”، منارة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
- ↑ أبو أسامة، محمود محمد الخزندار (1997)، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً (الطبعة الأولى )، السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع، صفحة 425. بتصرّف.
- ↑ عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 2634، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 53
- ^ أ ب ت ث ج عبد الرحمن السعدي (2000)، تفسير السعدي (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 460، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 36.
- ↑ سورة الحج، آية: 30.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 3.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 70-71.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 2406، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6475، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2616، صحيح.
- ↑ “وسائل صون اللسان عن الغيبة”، الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، 3-10-2009، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 12.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 6056، حسن صحيح.