محتويات
تعريف النَّقْد
يُعرَّف النَّقْد لغةً، بأنّه تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، ويأتي بمعنى فَحْص الشيء وكَشْف عيوبه. أمّا في الاصطلاح، فالنَّقْد هو تمحيص العمل الأدبي بشكلٍ متكاملٍ حال الانتهاء من كتابته؛ إذ يتمّ تقدير النصّ الأدبيّ تقديراً صحيحاً يكشِفُ مواطن الجودة والرداءة فيه، ويبيّن درجته وقيمته، ومن ثمّ الحكم عليه بمعايير مُعيّنة، وتصنيفه مع من يشابهه منزلة.[١]
فالنَّقْد يختلف بمعاييره وأحكامه باختلاف الفن الذي يُمارَس فيه النَّقْد؛ فالنَّقْد الذي يُوجَّه للأدباء والنُّقاد يختلف عن النَّقْد المُوجَّه للفقهاء، كما أنّ نَقْد الأصوليّين يختلف عن نَقْد المُحدِّثين؛ فلكلٍّ منهم أسلوبه وأحكامه، إلّا أنّ المشترك بينهم هو النَّظر في الأثر الأدبيّ وتحليله مضموناً وشكلاً، ثمّ الحكم عليه وتقويمه، والنَّقْد قد يكون في مجال الأدب، والسياسة، والفلسفة، وفي مختلف المجالات الأُخرى، ومن الجدير بالذّكر أنّ هناك مفردات مقاربة للنَّقْد، كالتقييم، والردود، والمناظرات، والمحاورات، والجدل، والمباحثة، إلّا أنّ لكلِّ مصطلحٍ ما يميِّزه عن غيره من حيث الأساليب، والأحكام، والغايات.[١]
الفرق بين النَّقْد البَناء والنَّقْد الهَدَّام
قسَّم أهل العلم النَّقْد إلى نَقْد بَنَّاء، وهو الذي يسعى الناقد فيه إلى تقويم الخطأ ويحاول إصلاحه بناءً على أُسُس علميّة، مبتعداً عن التعصُّب، وإصدار الأحكام المُسبَقة. ونَقْد هَدَّام، وهو الذي يكون فيه النَّقْد من أجل النَّيْل من الآخرين، وتشويه سمعتهم، والترصُّد لهم، بإظهار أخطائهم من غير حُجَّة ولا برهان.[٢]
فيظهر من ذلك أنَّ الناقد في النَّقْد البَنَّاء يُقدِّم نَقْداً مُتخصِّصاً قائماً على أساليب علميّة في مجال تخصُّصه، بينما الناقد في النَّقْد الهَدَّام ينتقد من غير إنصاف، وقد يقوم على تجريح الناس؛ بسبب تعصُّبه لفكرة ما، وقد تكون في غير مجال دراسته. كما أن النَّقْد البَنَّاء يكون هدفه الأساسيّ تصويب الأوضاع؛ لذلك يسعى الناقد إلى تقديم النُّصح للناس، أو التلميح لهم دون تجريح، بينما يكون هدف الناقد في النَّقْد الهدَّام هو الانتصار، بغَضِّ النظر إن كان على صواب أم لا؛ حيث يعمد الناقد هنا إلى الثأر من الآخرين وفضحهم.[٢]
ومن جانب آخر، يرى الناقد في النَّقْد البَنَّاء أنَّ رأيه قد يُؤخَذ به أو قد يُرفَض، لكنَّ الناقد في النَّقْد الهدَّام يرى أنَّ رأيه هو الحقيقة المطلقة غير القابلة للنَّقْض، بينما يتَّضح الفرق الثالث في ترحيب الناقد بجميع الآراء المطروحة في النَّقْد البَنَّاء؛ إذ لا يهمه صاحب الرأي بقدر ما يهمه الرأي ذاته، لكن الناقد في النقد الهدّام لا يهمه تقديم حلول ومناقشتها، بقدر ما يهمه الانتقاد بحسب مكانة الأشخاص، ويتجلى الفرق الأخير في أن الناقد في النقد البناء يفصل بين كل فكرة وأُخرى، ويتقبل الأفكار الإيجابية الأخرى التي تصدر من الشخص ذاته الذي انتقده، بينما في النقد الهدام يرفض الناقد جميع الأفكار التي تصدر من الشخص الذي انتقده، حتى لو كانت ذات أهمية.[٢]
مراحل العملية النَّقْدية
يخضع النَّقْد لمجموعة من الإجراءات والخطوات الضروريّة، فيمرّ بثلاث مراحل. هي:[٣]
- مرحلة التفسير: ويتمّ في هذه المرحلة توضيح مضمون النص والمعنى العام الذي أراد الكاتب إيصاله إلى القُرّاء.
- مرحلة التحليل: ويتمّ فيها شرح أسلوب الأديب في التعبير عن أفكاره وعواطفه.
- مرحلة التقويم: وهي المرحلة الأخيرة في العمليّة النَّقْدية، وتعني الحكم على العمل الأدبي إمّا بنجاحه، وإما بفشله.
شروط الناقد
هناك بعض الشروط الواجب توافرها في الناقد. منها:[٢]
- الموهبة النقديّة: والتي يستطيع الناقد من خلالها أن يُقدِّر الأشياء تقديراً صحيحاً؛ فيميِّز العمل الجيِّد من العمل الرديء.
- الأهلية العلميّة والكفاءة: وذلك بأن يتخصَّص الناقد بنَقْد الأعمال في مجال تخصُّصه، وأن يمتلك الثقافة الواسعة في مختلف الميادين؛ والتي تُؤهِّله لإعطاء رأيه بكلِّ ثقة.
- العدالة والإنصاف: بأن يُصدِر أحكامه بكل شفافيّة ونزاهة بعيداً عن الهوى والتعصُّب؛ وذلك بأن يُعلِّل أحكامه ويُفسِّر رأيه بناءً على أُسُس علميّة غير خاضعة لعاطفته أو ميوله الشخصية؛ فلا يصدر حكمه لكي يحابي أحداً، أو من أجل أن يُقلِّل من قيمة أحد.
- التزام الأدب: حيث يجب أن يكون النَّقْد بعيداً عن الإساءة للآخرين بالألفاظ الخارجة عن الأدب؛ فيُوجَّه النَّقْد للفكرة دون إيذاء المخالِفين في الرأي حتى وإن كانوا مُخطِئين.
المناهج النَّقْدية
للمنهج النَّقْدي مفهومان: أحدهما عام، يرتبط بطبيعة الفكر النَّقْدي الذي وضع أُسُسَه ديكارت، وقد كان مبدؤه يقوم على عدم قبول المُسَلّمات قبل عرضها على العقل؛ فيحللها ويختبرها؛ ليصل بعد ذلك إلى التأكُّد من صحتها، والآخر مفهوم خاص، وهو يتعلّق بمظاهر الإبداع الأدبيّ من طبيعة، وعناصر، وقوانين، وعلاقة الأدب بالمجتمع، وعاداته، وتقاليده. وتنقسم المناهج النَّقْدية إلى مَنظومَتين: المَنظومَة التاريخيّة والمَنظومَة الحداثيّة.[٤]
المَنظومَة التاريخيّة
- المَنهَج التاريخيّ: وهو يُعَدُّ من أوائل المناهج النَّقْدية في العصر الحديث؛ لارتباطه الوثيق بتطوّر الفِكر الإنسانيّ، وانتقاله من العصور الوُسطى إلى العصر الحديث؛ وهذا ما أدّى إلى بروز الوعي التاريخيّ؛ الذي كان سبباً في نشوء المدارس الرومانسيّة، وانتقالها من أوروبا إلى الثقافات الأُخرى. فكانت الرومانسيّة تمثِّل الوعي التاريخيّ للإنسان، وتربطه بواقعه الاجتماعيّ، بعد أن سادت أفكار مفادها أنّ الحاضر ما هو إلا تدهوُر وانهِيار.[٥]
- وبعد ذلك ظهرت الفلسفة الماركسيّة، التي كان لها دور كبير في التطور التاريخيّ للأدب، من خلال دراسة العمليّة الأدبيّة ضمن محورين: المحور الزمانيّ، والمحور المكانيّ المتعلِّقَين بها، والنظر إليها باعتبارها وثيقة واحدة متكاملة. ومن ثم ظهرت مناهج أُخرى أكثر مرونة من المنهج الماركسيّ؛ حيث أعطت مزيداً من الحريّة للفرد، والمبدع، والناقد، تمثَّلت في منهج الواقعيّة النَّقْدية، ومفادها تَبنِّي القضايا المجتمعيّة دون إلزامٍ من أحد.[٥]
- ويُعَدُّ كلٌّ من “تين” و”لانسون” من أبرز الأشخاص الذين أسهموا في تشكيل المنهج التاريخيّ في النَّقْد الأدبيّ؛ فقد وجد “تين” أنّ الأدب يُفسَّر من خلال عناصر عدة هي: الجنس أو العِرق، الذي يميِّز مجموعة من الناس لهم أصول واحدة، والبيئة، وهي الوسط الجغرافيّ الذي ينشأ فيه المُبدِع، والزمان، الذي يترك أثراً في الأدب. بينما نلاحظ الأثر الكبير الذي تركه “لانسون” في النَّقْد العربيّ؛ فقد عمل على وضع الخطوط الأساسيّة وبَلوَرتِها في المنهج التاريخيّ في النَّقْد الأدبيّ.[٥]
- المنهج الاجتماعيّ: انبثق المنهج الاجتماعيّ عن المنهج التاريخيّ وأخذ عنه أساسيّاته، والجدير بالذكر أنَّ الوعي التاريخيّ سرعان ما تحوَّل إلى وعي اجتماعيّ، يرتبط به الأدب، ويمثِّل الحياة على المستوى الجماعيّ، ويتفاعل مع أنظمة المجتمع وتحوُّلاته. ومن أبرز المذاهب التي تبنَّت المذهب الاجتماعيّ النَّقْدي هي الماركسيّة، والواقعيّة الغربيّة؛ حيث عملتا جنباً إلى جنب في تعزيز النَّقْد الاجتماعي.[٦]
- المنهج النفسيّ الأنثربولوجيّ: بدأ المنهج النفسيّ تطبيق آليّة عمله بالتزامن مع ظهور نظرية فرويد للتحليل النفسيّ، حيث درس ظواهر الإبداع في الأدب على ضوء السلوك البشري بردِّه إلى منطقة اللاشعور، وهو مجموعة من الرغبات المُخزَّنة وغير الظاهرة للشخصيّة الإنسانيّة، والتي قد يحلم بها الإنسان أثناء نومه، معتبراً أنَّ تفسير الأحلام هو الأساس الذي يعبِّر عن الشخصيّة الإبداعيّة من شعر، وموسيقى، وفن، فلجأ فرويد إلى ربط النص الأدبيّ بمنطقة اللاشعور لدى صاحبه، واعتبر الشخصيات الأدبية شخصيات حقيقية تعبِّر عن رغبات حقيقية مكبوتة، تتمثل في بُنية نفسيّة مُخزَّنة في منطقة اللاوعي لدى المبدع، وتظهر على سطح النص الأدبيّ.[٧]
المنظومة الحداثيّة
- المنهج البُنيَويّ: وهو المنهج الذي كان له أثر في النصف الأول من القرن العشرين، ومن أشهر مُؤسِّسيه العالِم اللُّغوي “دو سوسور”، الذي ميّز بين الكلام الذي يُعتبَر عملاً فرديّاَ، واللغة التي تُعتبَر نموذجاً ذهنيّاً ومرجعيّة للكلام. إنَّ أهمَّ مصادر المنهج البُنيَويّ، هي حركة الشكلانيّين الرُّوس؛ فقد دعت إلى الاهتمام بالتصميم الداخليّ للنص الأدبي، بالإضافة إلى ظهور مدرسة النَّقْد الجديد، التي ركَّزت على دراسة النص الأدبيّ بغضِّ النظر عن العوامل الأُخرى.[٨]
- المنهج الأسلوبيّ: اعتمد “شارل بالي” والذي يُعَدُّ أول مُؤسِّس للأسلوبيّة، على المظهر اللُّغوي للأسلوب، بتركيزه على الجانب العاطفيّ، ويمكن تعريف الأسلوب بأنّه الاختيارات اللُّغوية بين عدّة بدائل؛ ممّا يشي بطباع وشخصيّة الكاتب، وهو المنهج الذي يكشف جماليّة النصّ، بدراسة الظواهر اللُّغوية والبلاغية فيه.[٩]
- المنهج السيميولوجي: وهو العلامة اللُّغوية، فقد وضع “سوسور” الخواصَّ الأساسيّة للعلامة اللُّغوية، أو الرموز، وحصر هذا العلم في دراسة العلامات في دلالاتها الاجتماعيّة، بينما قام “بيرس” بتحليل أنواع العلامات وميّزها بمستوياتها المُتعدِّدة؛ حيث حدَّد الفروق بين الإشارات مثل: السهم، وحركة الإصبع، وميّز الأيقونة عن الرمز الذي يصل بين مدلول الكلمة ودليلها الخارجيّ.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب د. بليل عبدالكريم (2-4-2012)، “تعريف النقد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث وائل العدس (17-11-2015)، “بين النقد البنّاء والهدّام، الابتعاد عن الهوى والتعصب والأحكام المسبقة والتجرد والإنصاف”، alwatan.sy، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2018. بتصرّف.
- ↑ صبيحة شبر (13-5-2006)، “حول النقد الأدبي”، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-3-2018. بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (10-11). بتصرّف.
- ^ أ ب ت د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (25-36). بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (45-48). بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (66-68). بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (85-88). بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (109-111). بتصرّف.
- ↑ د. صلاح فضل (2002)، مناهج النقد المعاصر (الطبعة الأولى)، القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، صفحة (123-124). بتصرّف.