قواعد اللغة العربية

جديد تعريف النحو لغة واصطلاحاً

عِلم النّحو

يُعدّ النّحو من عُلوم الّلغة العربيّة التي عُنيَت باهتمام كبير بالنّسبة للعلوم الأخرى؛ وهذا نابع من الأهميّة الدّينيّة، والاجتماعيّة، والأخلاقيّة التي يراها فيه العلماء، ولأجل ذلك حفظوه ودرسوه ومنحوه عنِاية كبيرة من الجانب التّطبيقيّ والتّنسيقيّ، ولم يكن هذا إلّا لِما يقوم به عِلم النّحو من الحفاظ على الكلام خالياً من العيوب والأخطاء، وبليغاً، وذا منطق، وكما يقول أهل النّحو العربيّ في أهميّته أنّه: “داءُ الّلحن وعُيبوبه”، أمّا بالنّسبة لِمفهوم عِلم النّحو والأبواب التي يبحث فيها، ففي ما يلي عدد من تعريفاته لغة، واصطلاحاً، ووفقاً لما عرّفه عُلماء اللغة.[١]

تعريف عِلم النّحو لُغةً

النّحو عند أهل الّلغة العربيّة مأخوذ من المادّة الّلغويّة (نَحَوَ)، ونحا فُلان الشّيء أي قَصَده، وهذا ما ذكره الخليل بن أحمد الفراهيديّ في كِتابه (مُعجم العين)، كما شاركه ابن دريد التّعريف ذاته في كتابه مُعجم (جمهرة الّلغة)، وزاد على ذلك قوله بأنّ النّحو في الكلام هو قصد الصواب منه، أمّا الجوهري فقد أضاف معانٍ عديدة أخرى للنّحو في كِتابه مُعجم (تاج الّلغة وصحاح العربيّة)، فعرّفه بأنّه الطّريق، والانصراف، والعُدول، ومِثال ذلك عند قول: (نحا فُلان بصره إلى شيء) أي عدل بصره وصرفه عنه، وإنّ النّاظر في المعاجم العربيّة سيصل إلى معنى واحد مآله أنّ النّحو بأصله لفظ عربيّ الأصل؛ لما يحتمله من المعاني، ولإمكانيّة تصريفه على أوجه عدّة مِثل: نحا، وينحو، ونحواً، وانتحاء، وناحية،..إلخ، أمّا المعنى العامّ له في المعاجم عامّة فهو (القصد).[٢]

تعريف عِلم النّحو اصطلاحاً

مرّ تعريف النّحو في اصطلاح الّلغة بمراحل عدّة منذ نشأته، فقد كان في بداية ظهوره مجرد أفكار، إذ لم يكن عِلماً ناضجاً وقائماً بذاته، وكان ذلك تحديداً في زمن (أبي الأسود الدُّؤليّ)، إلّا أنّ النحو لم يستمر كذلك طويلاً، حيث استقلّ كعِلم منفصل، وحظي بتعريف خاصّ به، وكان أقدم هذه التّعريفات ما قدّمه ابن السّراج في كتاب (الأصول) حين عرّفه بأنّه العِلم الذي يبحث في كِلام العرب واستقرائه على نحو يجعل المُتكلِّم يتعلّم كلامهم ويحذو حذوهم، وبهذا يكون ابن السّراج أوّل القائمين على تخصيص تعريف واضح لعِلم النّحو، تبعه في ذلك ابن جنّيّ بتعريفه للنحو في كتاب (الخصائص)، فذكر بأنّه العِلم الذي يعتمد على اتّباع نهج كلام العرب في تصرّفه من إعراب أو غيره، كالتّشبيه، والجمع، والتّحقير، والتّكسير، والإضافة، والنّسب، والتّركيب وغير ذلك، والظّاهر من هذا التّعريف أنّ عِلم النّحو يُعنى في دراسة الكلمة وآخرها، تبعاً لارتباطها بغيرها من كلمات داخل الجملة وهو ما يُعرف بالإعراب، وهذا يختلف عن دراسة بُنية الكلمة الذي يُعدّ عِلماً مُنفصلاً آخر يُسمّى بعلم الصّرف.[٣]

تعريف النّحو حسب آراء العلماء

تعدّدت آراء عُلماء الّلغة في تأطير مُصطلح النّحو وطبيعته، وخصائصه، وقد تباينت هذه الآراء بين أهل الّلغة القدماء والمُعاصرين؛ لاختلاف زوايا الحُكم عليه عند كلّ واحدٍ منهم، ويظهر ذلك في تطوّر علم النّحو، وفيما يلي بيان لتعريف النّحو عند عُلماء الّلغة المُحدَّثين والقدماء:[١]

تعريف النّحو عند العلماء القدماء

للنّحو العديد من التّعريفات المُختلفة عند عُلماء الّلغة القُدماء، والذين تناولوه بطرائق مُختلفة، وفيما يلي بعضها:[١]

  • تعريف ابن منظور: عرّف ابن منظور النّحو في مُعجمه (لسان العرب) من خلال المادّة الّلغويّة له (نَحَوَ)، ليصل إلى أنّه “القصد”، وكان قد أخذ هذا عن عالم الّلغة ابن السّكيت، وبرأيه أنّ هذا التّعريف ينطلق من التّشابه بين معنى النّحو في الّلغة والاصطلاح؛ إذ يجتمعان في أنّه عِلم يبحث في القصد الذي يستدعي استخدام لفظ ما، والجدير بالذِّكر أنّ هذا التّعريف يعود إلى ما قاله (أبو الأسود الدُّؤليّ) حينما وضع أوّل النّحو في العربيّة، فقال للنّاس حينها: انحوا نحَوه، ففهم النّاس أنّ عليهم انتهاج ما وضعه لهم، فارتبط حينها المعنى بالقصد، والطّريق فسُمّي نحواً.
  • أبو علي الفارسيّ: عرّف أبو عليّ الفارسيّ النّحو بأنّه العِلم الذي تمّ قياسه واستنباطه من خِلال استقراء الكلام العربيّ، كما أشار إلى كونه ينقسم إلى قسمين: الأول ويُعنى بالتّغيّرات الّلاحقة بأواخر الكلام، والثّاني الذي يرتبط بالتّغيُّرات الواقعة في ذوات الكلام نفسه.
  • علي الجرجانيّ: عرّف علي الجرجانيّ النحو في كتابه (التّعريفات) بأنه عِلم بالقواعد والقوانين التي تُعرَف من خِلالها الأحوال الخاصّة بالتراكيب العربيّة سواء من الإعراب أو البناء، وغيرهما ممّا يتعلّق بالتّراكيب، كما أضاف الجرجانيّ فقال إنّ هذا العِلم يبحث في أحوال الكلام من حيث الإعلال والصّحة، فيكون بذلك عِلماً يُمكن من خِلاله معرفة أصول صحّة الكلام وفساده.

تعريف النّحو عند العلماء المُحدَّثين

إنّ اعتماد علماء اللغة قديماً على البحث في ظواهر الكلام وبناه السطحية -في الغالب- خلّف في دراساتهم للنحو ومواضيعه قصوراً دعا المعاصرين للخوض في هذا العلم بتبحُّر، ومن عُلماء الّلغة المُحدَثين الذين خاضوا هذا العلم مهدي المخزوميّ الذي عرّف النّحو من خِلال النّظر إليه نظرةً شاملةً، ورؤيته كعلمٍ شاملٍ يقوم على مُعالجة الّلسان العربيّ، مع العناية بالدّراسة الكاملة والمُتكاملة لكافّة المُستويّات الّلغويّة الصّرفية، والتّركيبية، والأسلوبية، والدّلالية منها، هذا بالإضافة إلى دراسة العديد من الأساليب النّحويّة التّقليديّة، مِثل: الشّرط، والتّوكيد، والنّفي، والاستفهام، والاستثناء، وغيرها من الأساليب، والجدير بالذِّكر أنّ المُطّلع على هذا المفهوم الشّموليّ الذي يحمله مُصطلح النّحو يصل إلى أنّه نابع من الدّراسات الّلغويّة المُعاصرة، وخاصّة عند عُلماء الّلغة الغرب الذين يرونه علماً شمولياً يعالج مكوّنات اللغة كاملة، ويتغلغل أثره في كافة أركانها، ليظهر ملموساً في كل تفصيلة من تفاصيلها.[١]

أهميّة تعريف المصطلح النحوي

تكمن أهميّة تعريف أيّ علم بحسب قول الفيلسوف اليونانيّ (أرسطو) في معرفة بدايته ونهايته، وجوهره، وطبيعته التي يقوم عليها، بالإضافة إلى تأطير هذا العلم بمنحه حدوداً عامة وكياناً قائماً يختصّ بمجاله المعرفيّ، وعلم النّحو هو أحد هذه العلوم التي تحتاج إلى وسيلة لحصره في ذهن الباحث في أبوابه، وأحكامه، وشروطه، وقواعده، لا سيما فيما تقدّمه تلك التعريفات الوصفية التي ترمي إلى تمييز هذا العلم عن غيره ببيان أحكامه ومتعلّقاته، ولأجل هذا اعتنى العلماء بعلم النحو واشترطوا له شروطاً خاصة، ووضعوا في ذلك كتباً عديدة كالكتب الشارحة للمتون وغيرها.[٤]

ويمكن القول إنّ التّعريف النّحويّ مُهمّ في عمليّة توجيه المُتعلّمين نحو الباب أو الموضوع الصّحيح المُراد الاطّلاع على أحكامه، بالإضافة إلى أهميّته في تركيز ذهن المُتعلِّم بحيث لا يخلط بينه وبينه تعريف نحويّ آخر فيُميّزه؛ وذلك لاحتواء التّعريف النّحوي على ألفاظ وعبارات مُرتبة، بحيث تُعطي الدّلالة القطعيّة لباب ما دون الآخر، وتختلف هذه الصّيغ عند أهل النّحو، فمنهم من يتّبع (المِثال) في تعريفه، والبعض يتّبع (الماهيّة)، فيما يتّبع آخرون (الوصف)، وقد وضعت كتب عديدة تُعنى بشرح المُصطلحات النّحويّة وبيان الحدود المُتعلّقة بها، ومن هذه الكُتب كِتاب الحدود لصاحبه الفاكهيّ، وكِتاب الحدود لصاحبه الأبذيّ، وكِتاب (رسالتان في الحدود ومنازل الحروف) كذلك، هذا فضلاً عن ما طال هذه المؤلّفات من شروحاتٍ بعد ذلك.[٤]

أهميّة عِلم النّحو

أهميّة عِلم النّحو في تفسير القرآن الكريم

تكمن أهميّة النّحو في عِلم تفسير القرآن الكريم في ضرورة فهم نصوصه فهماً خالياً من الخطأ والّلحن، ولأنّ موقع الكلمة في التّركيب الّلغويّ يُؤثّر في المعنى المقصود منها، وهذا ما يجعل عِلم النّحو مُهمّاً لحماية النّص القرآنيّ، ولمّا كان القرآن عربيّاً كان الوجه الأفضل لفهم كلامه دراسة العربية وقواعدها، كما أكّد (الزّجاجيّ) أنّ الفائدة من تعلّم النّحو فيما يتعلّق بالتّفسير هو: “تقويم كتاب الله عزّ وجلّ”؛ لأنّه المصدر الأساسيّ للدّين، بالإضافة إلى ما أشار إليه أبو حيّان في أهميّة كُتب النّحو في عِلم التّفسير حينما قال إنّ الذي يُريد الدّخول في عالَم التّفسير عليه أن يعتكف على كِتاب (الكِتاب) لصاحبه (سيبويه)، ويجب الإشارة إلى أنّ الذي يتكلّم بكلام الله، عليه أن يكون عالِماً بكلام العرب قبل أن يُقدِم على تفسير كِتابه الكريم، وممّن أكّد على أهميّة دراسة النّحو لتحصيل التّفسير على وجهه الصّحيح الإمام مالك)، ومحمّد جمال الدّين القاسميّ وغيرهما، وفيما يلي مِثال على أثر النّحو في التّفسير القرآنيّ:[٥]

أمثلة على أهميّة عِلم النّحو في تفسير النّص القرآنيّ:[٥]
الآية التّوضيح
قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[٦] في هذه الآية إذا حُرّكت كلمتا (اللَّهَ) بالضّم لتُصبح (اللَّهُ)، وكلمة (الْعُلَمَاءُ) بالفتح لتُصبح (الْعُلَمَاءَ)، سيُؤدّي هذا إلى اختلال المعنى كُلّياً؛ فلفظ الجلالة بضمّ آخره يوحي بالفاعلية، وكأن الله هو من يخشى العلماء، بينما هو الأحقّ أن يخشاه النّاس.
قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ)[٧] في الآية المذكورة تحديداً في كلمة (الْمُصَوِّرُ) إذا تمّ تحريك حرف الواو بها بالفتح لتُصبح (الْمُصَوَّرُ) لاختلّ المعنى وأدّى إلى غير مراده؛ لأنّ الله هو الذي يُصوِّر كلّ شيء لا مَن يقع عليه هذا الفعل سُبحانه جلّ جلّاله.

أهميّة النّحو في عِلم الحديث النّبويّ الشّريف

لعِلم النّحو في عِلم الحديث النّبويّ دور يكمن في المُحافظة على كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من التّحريف والتّبديل، كما رُوي عنه -عليه السّلام- أنّه سمع رجلاً يقرأ فأخطأ فيما قال، فقال -عليه السّلام-: “أرشدوا أخاكم” حاثّاً النّاس أن يلتمسوا الصّحيح من القول، وأن يسعوا لتقويم كلّ ما هو خاطئ على وجهه الصّحيح، والجدير بالذِّكر أنّ بعض أهل الحديث من أئمّة العُلماء أوجبوا تعلّم النّحو لِمن يُريد الإقبال على رواية الحديث، فيكون بذلك تعلّم النّحو سبّاقاً لتعلّم الحديث، ويُؤكّد هذا القول كِتاب (التّقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصّلاح)، إذ يُذكر فيه قولاً لعُلماء الحديث يُنّبهون فيه المُحدِّث بألّا يقرأ حديثاً مِثل قراءة الّلحّان، وكما يقول الشَّعبيّ: “النّحو في العِلم كالملح في الطّعام، لا يُستغنى عنه”.[٥]

كما روى وكيع في تقديم تعلّم النحو على رواية الحديث قصةً جاء فيها بأنّه أتى يوماً الأعمش ليسمع منه الحديث، فلّما أخطأ -وكيع- فيما قال، أخبره الأعمش بأنّه ترك ما هو أولى، فلّما سأله وكيع عمّا ترك، أجابه بضرورة تعلّم النّحو قبل التوجّه للحديث.[٥]

أهميّة عِلم النّحو عند ابن خلدون

عرّف ابن خلدون عِلم النّحو وميّزه دون علوم الّلغة الأخرى؛ فقد استطاع وضع مفهوم جامع لهذا العِلم، باعتباره علماً يبحث عن الأحكام اللغوية واستنباطها بالاستعانة بالمَلكة الّلغويّة الموجودة عند العرب، لتكون غايته فهم الدّلالات الكلاميّة بصورة المجموعة الكاملة، كذلك أشار إلى أنّ العرب حين حرصوا على حماية الّلغة من التّحريف والفساد، جعلوا يستنبطون من كلامهم قواعد يحتكمون من خلالها على ما يصحّ من الكلام، ويقيسون عليها ما يتشابه منها، ومع أنّ ابن خلدون اعتنى بعلم الّلغة إلّا انّه ابتدأ بالحديث عن عِلم النّحو، أولاً ثمّ تناول الحديث عن عِلم الّلغة، هذا وقد ذكر في مُقدّمته أنّ سبب تفضيله لعلم النّحو على الّلغة؛ لِما يُستطاع تِبيانه من أصول المقاصد بالدّلالة على العديد من الأمور، مِثل مجيء (الفاعل مرفوعاً، والمفعول به منصوباً، والمُبتدأ والخبر مرفوعين)، وهكذا أصبحت هذه الدّلالات تُعرّف وتتغيّر بتغيّر حركات الكلمة، تحت تأثير ما يُسمّى بـ (العامل)، والذي يُعدّ سبب هذا التّغيير، كما سُمّيّت هذه العمليّة (إعراباً)، حتّى انتهى الحال بها أنْ تُسمّى بـ (عِلم النّحو).[٨]

كما أضاف ابن خلدون إلى أنّ الجهل بهذه الدّلالات يُفضي إلى جهالة الإفادة المقصودة من الكلام، بالإضافة إلى ما يُحدثه من إخلال في الفهم، وهذا لا ينطبق مع عِلم الّلغة. والجدير بالذِّكر أنّ ابن خلدون اهتمّ بدراسة عِلم النّحو وتاريخ نشأته التّاريخيّة وأسبابها، حتّى توصّل إلى أنّ السّبب الرّئيسيّ لوُجود عُلوم الّلغة هو (حفظ المقاصد الشّرعيّة)؛ وذلك لما طرأ على الّلغة العربيّة من التّغييرات الكثيرة على مرّ العصور، ممّا أوجد حالة من الخوف على فهم القرآن والحديث؛ لأنّ الأحكام الشّرعيّة تُستنبطُ منهما، فمن أراد فهمها، أو شرحها، أو نقلها عليه أن يعرف كافّة العلوم المُرتبطة بها، وأهمّها النّحو.[٨] ويجب الإشارة إلى أنّ ابن خلدون أكّد على أنّ الإعراب جزء من عِلم النّحو، وأنّه مُختصّ بأهل الّلغة العربيّة، هذا بالإضافة إلى جمعه لعِلميّ النّحو والصّرف تحت مُسمّى واحد، وحديثه عن أوائل عُلماء النّحو، مِثل: (أبي الأسود الدّؤليّ)، و(الفراهيديّ)، و(سيبويه) الذي يُعدّ من أشهر كُتّاب النّحو.[٩]

الفرق بين النحو والإعراب

تقع العلاقة بين عِلم النّحو والإعراب، بارتباط نشأة النّحو بالحركة الإعرابيّة الدّاعية إلى إيجاده من الأساس، حيث لاقت اهتماماً كبيراً من أهل النّحو، بل أصبح فهم الكلام وإفهامه من خِلالها، وليس من الخطأ أن يتمّ ربط الغاية من فهم النّحو بدواعيها أو أسبابها، لكنْ هذا يجب أن لا ينفي الاهتمام في التّراكيب والأساليب النّحويّة الأخرى، فالنّحو لا ينحصر في الإعراب، والذي يدعم هذه الفِكرة حقيقة الإعراب نفسها باعتماده بشكل أساسيّ على تركيب الألفاظ، وتجاورها لتكوّن وحدة واحدة، فلولا هذا التّركيب لما وُجد الإعراب، وكما يقول الكاتب (الأمين ملاوي) في كتابه (جدل النّص والقاعدة): “التّركيب شرط حصول مُوجب الإعراب”، ومن هُنا يُمكن استخلاص فِكرة أنّ النّحو لا يتعلّق بالإعراب فقط، هذا وذكر (ملاوي) أنّ الإعراب في النّحو لا يُقابله “البناء”، إنّما هو عمليّة تطبيقٍ لمُفردات التّركيب وفقَ قواعد مُعيّنة، أو كما عرّفه (الجرجانيّ) بأنّه المعنى الخاص بوجود الحركات أو الحُروف.[١٠]

يجب التّنويه إلى أنّ (ابن جنّيّ) ذكر في كتابه (الخصائص) وصفاً لعلاقة النّحو والإعراب، بقوله إنّ الإعراب هو نِتاج توارد المعاني على التّركيب، ويقصد بهذا أنّ الكلمة إذا وُجدت مُفردة دون وُقوعها ضمن تركيب لا يصحّ وصفها بصفة الإعراب، كما دعّم كلامه بأنّ الإعراب وُجِد ليُوضّح الفرق بين المعاني المُختلفة لهذه الكلمات ضمن التّركيب الكامل، ولمّا كان ارتباط العلامات النّحويّة بالتّركيب، وما يحمله من المعاني وثيقاً ما أخذ حيّزاً كبيراً في فِكر النّحويين، كما أضاف (الجرجانيّ) أنّ زوال الكلمة من التّركيب يُفقدها الإعراب، ومتى ما وقعت ضمنه حصلت دلالتها ومعناها وإعرابها، وهنا يمكن القول إنّ الإعراب جزء لا يتجزأ من النّحو، وفي المقابل لا يمكن حصر النحو في الإعراب فقط.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث د. ابن حويلي ميديني (2009)، “واقع النحو التعليميّ العربيّ بين الحاجة التربويّة والتعقيد المزمن”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة لجامعة (محمد خيضر)، العدد 5، صفحة 3،4،5،6. بتصرّف.
  2. ستار عايد بادي العتابي (2007)، النحو العربي وقضية التجديد والتيسير فـيه ــ الواقـع والجمود ــ، لندن: الجامعة العالمية للعلوم اإلسالمية، صفحة 27.
  3. وحيدة محمل (2013)، النحو العربي بين الإبداع والاتباع، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي-أم البواقي-، صفحة 5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ماجد شتيوي دخيل الله القريات (2002)، أساليب تعريف المصطلح النحوي، الأردن: جامعة آل البيت، صفحة 16-17. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث وليد هاشم كردي الصميدعي، اسماعيل حبيب محمود الدراجي (2016)، “أهمية علم النحو في فهم النص الشرعي “، مجلة كلية اللاهوت، العدد 8، صفحة 4،5،9،10. بتصرّف.
  6. سورة فاطر، آية: 28.
  7. سورة الحشر، آية: 24.
  8. ^ أ ب د. فضـل الله (2009)، “اللغة والأدب عند ابن خلدون”، مجلة القسم العربي، العدد 16، صفحة 126،127. بتصرّف.
  9. بوطاهر بوسدر (3-1-2018)، “الجانب اللغوي والأدبي في مقدمة ابن خلدون”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-8-2020. بتصرّف.
  10. ^ أ ب داھیة سعو، عدیلة زرقیني (2015)، علیم النحو العربي بین مقررات النظام ومطالب الاستعمال، الجزائر: جامعة عبد الرحمان میرة ـ بجایة ـ، صفحة 13،14. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى