تعريف الرسول
يختلف تعريف الرسول في اللغة عنه في الاصطلاح على النحو الآتي:[١]
- تعريف الرسول لغةً واصطلاحاً: يُعرّف الرسول لغة واصطلاحاً كما يأتي:
- الرسول لغةً: هو شخص مَبعوث بمهمّةٍ مُعيّنة، والإرسال هو: التّوجيه، ومنه قوله الله -تعالى- على لسان ملكة سبأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).[٢] لذلك سُمِّيَ الرُّسل بهذا الاسم لأنَّ الله -تعالى- وَجّههم وأرسلهم، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا).[٣][٤] وقال ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير تَتْرا: أي يَتبع بَعضهم البعض، وكلٌّ منهم مُكلَّف ٌبِحَمْل رسالةٍ معيّنة ومأموٌر بتبليغها إلى الناس، أمَّا النبيُّ فهو: اسم مشتقٌّ من كلمة نَبأ والتي تَعني خبر، فهو مُخبِرٌ عن الله -تعالى-، ومُشتقٌّ أيضاً من النُّبوّة: وهي المكان المرتفع من الأرض، والنبيُّ هو الشخص المرتفع من الناس، أي: أعظمهم منزلةً وشرفاً.[٤]
- الرسول اصطلاحاً: هو مَن يختاره الله -تعالى- لِيَجعله نبيّاً ورسولاً ويأمُره أن يُبَلِّغ النّاس بأوامرِ الله -تعالى- وعبادته، وأوّلُ رسولٍ هو نوح -عليه السلام-، بينما من كان قبله فهم أنبياء؛ كآدم، وشيث، وإدريس -عليهم السلام-.[١]
- الفرق بين النبيُّ والرّسول: قال العلماء إنّ كلُّ رسولٍ نبيّ، وليس كلُّ نبيّ رسول، ويمكن تفسير هذه العبارة بأنَّ كلمة رسول هي أخصُّ من كلمة نبيّ، فالرسول: هو من بلَّغه الله -تعالى- شريعةً وأمَره بتبليغها للمخالفين، أمَّا النبيُّ: فيَبعثه الله -تعالى- لِيَدعو لِشريعة مَن قبله.[٤]
- كما أنّ استخدام القرآن الكريم للكلمتين تدلُّ على أنَّ لهما مَعنيَيْن مختلفين، ومن ذلك العطف في قول الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)،[٥] والوصف في قول الله -تعالى-: (وَاذكُر فِي الكِتابِ موسى إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)،[٦][١] ويمكن القول بأنَّ النبيَّ هو مَنْ لمْ يُؤمر بتبليغ الرّسالة، أمَّا الرّسول: فهو الذي أُمرَ بتبليغ ما أُنبئ وأُخبر به.[٧]
وظائف الرسول
بيَّن القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة وظائف متعدَّدة للرّسل، ومنها ما يأتي:[٨][٩]
- تبليغ الرسالة: الرّسلُ سفراءُ الله -تعالى- إلى خلقه، وهم من يُبلّغون الوحي والأمانة التي حملوها إلى عباده، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)،[١٠] وهذه المهمّة تتطلّب أن تتوافر فيهم سِمَاتٌ شخصيةٌ معيّنة؛ كالشجاعة، وعدم الخوف من الدّعوة إلى أمرٍ يُخالفُ المعهودُ المنتشرُ عند أقوامهم، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ)،[١١] ويَحتاج إلى صدقٍ في تبليغ كلِّ ما أُوحيَ إليهم دون زيادةٍ أو نقصانٍ، سواءٌ كان قرآنٌ أو أوامرَ ونواهي، قال الله -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ).[١٢]
- والرّسول يُبلّغ الوحي ويوضّح المقصود منه، وقد يقوم بالتوضيح بالقول أو الفعل، ومثالُ ذلك: توضيح النبي -صلى الله عليه وسلم- للمقصود بكلمة الظلم في قول الله -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ)،[١٣] إذ أنَّ المقصود بها الشّرك وليس ظلم النفس بالذنوب، وتوضيحه للنصوص المجملة من القرآن بالسُّنّة القولية، وكذلك أفعال الزكاة والصلاة والصدقة والحجّ بَيّنها بالعمل والتطبيق، فإذا أبى قومٌ وكذّبوا الرسولَ، فتقتصر مهمّته على تبليغ رسالته، قال الله -تعالى-: (وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ).[١٤]
- الدعوة إلى الله: فالرُّسل يَدعون النّاس إلى الإيمان بِدعوتهم إلى الله والاستجابة لها قولاً وعملاً واعتقاداً، ويُعرِّفونهم بأنَّهم عبادٌ لله -تعالى-، وأنَّه -سبحانه- أَرسل لهم الرسل لِيَدعوهم إلى الإيمان به وبعبادته وتوحيده، وأمرهم بتصديقِ رسله وعدم تكذيبهم، وطاعتهم واتّباعهم، وهذا مُنطلق دعوات جميع الرسل -عليهم السلام-، قال الله -تعالى-: (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ)،[١٥] وقد بذلَ الرّسل جهوداً عظيمةً في سبيل تبليغ دعوتهم، ومن ذلك استمرار سيدنا نوح -عليه السلام- 950 سنةً يدعو قومَه، ولم يستجب له إلا القليل، بالرغم من استخدامه لأساليب متعدَّدة في دعوتهم ليلاً ونهاراً، سرّاً وعلانيةً، ترغيباً وترهيباً، وعداً ووعيداً، قال الله -تعالى-: (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا).[١٦]
- التّبشير والإنذار: التّبشير والإنذار هو أمرٌ مُتعلّقٌ بِدعوة الرّسل إلى الله -تعالى-، لذلك نجد بعض الآيات التي تبيّن دَور الرّسل بالتبشير والإنذار، كقول الله -تعالى-: (وَما نُرسِلُ المُرسَلينَ إِلّا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ)،[١٧] والتّبشير يكون في أمورِ الدنيا والآخرة، فالله -تعالى- يُطَمئِنُ عبادَه وأتباعَ أنبيائِه بالعِيشةِ الهَنيّة في الدنيا، ويَعدهم بالعِزِّ والتمكين والأمنِ، ودخول الجنّة في الآخرة، ويُنذر المجرمين والعُصاة بدخول النّار في الآخرة، ومن العذاب والشَّقاء والهلاك في الدنيا.
- وهذا الأسلوب يتناسب مع طبيعة النّفس الإنسانية التي تُحبُّ الخير وتكره الشّرّ، فيهرعون إلى الإيمان للحصول على النَّعيم المُقيم الذي وصف الله -تعالى- به جنّة الخلد في كثير من الآيات الكريمات، ولاجتناب العذاب الأليم الذي صوّره الله -تعالى- أيضاً في كثير من الآيات القرآنية.
- تزكية النفوس وإصلاحها: أرسل الله -تعالى- رُسلَه وأيّدهم بِوَحيه ليُِخرج النّاس من الظلمات إلى النّور، ويَنقلهم من ظُلمة الجَهل إلى نور الإسلام، قال الله -تعالى-: (اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)،[١٨] وإلّا لضلّوا عن الحقِّ، وتَتحقّق تَزكية النّفس الإنسانيّة من خلال تعريفها بربِّها، وأسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، والطريق الموصل إلى محبّتِه -سبحانه-، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).[١٩]
- تعديل الفكر المنحرف والعقائد الخاطئة: خلق الله -تعالى- الناس على الفطرة السليمة، يعبدون الله ولا يشركون به، لكن عندما تفرَّقوا واختلفوا أرسل الله -تعالى- لهم الرّسل ليُقَوِّموا لهم الطريق، ويهدوهم إلى الصراط المستقيم، وذلك من خلال تعديل سلوك كلُّ انحرافات المجرمين، فنوح ٌوإبراهيمُ -عليهما السلام- أنكرا على قومهما عبادةُ الأصنام، وهودٌ أنكرَ على قومه التجبُّر والاستعلاء في الأرض، وصالحٌ أنكر على قومه الإفساد واتّباع المفسدين، وغير ذلك.
- إقامة الحُجَّة: أرسل الله -تعالى- الرّسل لِيُقيم الحجَّة على الناس؛ حتى لا يأتوا يوم القيامة فيخاصموا الله على أنَّه لم يرسل لهم أحداً يُعرِّفهم به، قال الله -تعالى-: (وَلَو أَنّا أَهلَكناهُم بِعَذابٍ مِن قَبلِهِ لَقالوا رَبَّنا لَولا أَرسَلتَ إِلَينا رَسولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِن قَبلِ أَن نَذِلَّ وَنَخزى)،[٢٠]ويوم القيامة يأتي الله -تعالى- بكلّ رسولٍ أمام قومه لِيُقيم عليهم الحُجَّة، ويُشهد أنَّه بلّغهم رسالة ربهم، قال الله -تعالى-: (وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هـؤُلاءِ).[٢١]
- وعندها يضطرّ هؤلاء المكذّبين إلى الاعتراف بذنبهم، خاصّةً وهم يُساقون إلى المصير الرهيب، ويَسألهم الملائكةُ عن الرسل التي أُرسلت إليهم، فلا يستطيعون الإنكار لا سيما عندما يُلقَون في النّار ويُحيط بهم العذاب من كلِّ مكان، قال الله -تعالى-: (قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).[٢٢]
- قيادة الأُمّة: فمُهمّة الرّسل أن يَسوسوا الناس التي تَتْبعهم ويقودوهم ويحكمون بينهم بما شرع الله -تعالى- القائل في كتابه: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ)،[٢٣] ولن يَصل العبد إلى رضوان الله ومحبِّته إلا بطاعة أنبيائه وقبول حكمهم وإنفاذ قضائهم، وإعلانُ السمع والطاعة لهم.
- القدوة الحسنة: إنَّ من مهمّات الرسل ضرب المَثل للناس في امتثال أوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، فيكونوا قدوةً وأسوةً حسنةً لهم، ويمكن إصلاحهم من خلال ذلك، قال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).[٢٤]
صفات الرسل
يمكن تقسيم صفات الرسل إلى ثلاثة مجموعات رئيسيّة كما قسّمها علماء العقائد -والتي لا تخالف الأدلة العقليّة والنقليّة- على النحو الآتي:[٢٥]
- الصفات المُباحة: وهي الصفات التي يَتّصفون بها بحسب طبيعتهم البشرية؛ كالزواج، والمرض غير المُنَفِّر، والأكل، والشّرب، وغير ذلك من الصفات البشرية.
- الصفات المستحيلة: وهي الصفات التي لا يمكن أن يتّصفوا بها؛ كالكذب، والخيانة، وكتمان الرسالة، وهي عكس الصفات الواجبة.
- الصفات الواجبة: وهي الصفات التي يجب أن يتّصفوا بها؛ كالفطانة، والصدق، والأمانة، والتبليغ، ويمكن توضيح هذه الصفات على النحو الآتي:[٢٦]
- الصدق والأمانة: فلا بُدَّ أن يتّصف الرّسل بالصدق والأمانة حتى يُبلّغوا الرسالة كما أُنزلت عليهم من غير زيادةٍ ولا نقصان، ولا كتمانٍ ولا تغييرٍ، ويدلُّ على ذلك قولُ عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو كتم شيئاً من القرآن لكتم قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ).[٢٧]
- العصمة: فالأنبياء معصومون من الخطأ ومن النقائص التي يمكن أن تقدح في دينهم أو تؤثّر على طاعتهم لله -تعالى- القائل: (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).[٢٨]
- القدوة: جعل الله -تعالى- أنبياءه مثلًا يُقتَدى به، فيُنير للنّاس طريقهم ويهديهم ويفتحُ لهم أبواب الخير.
المراجع
- ^ أ ب ت ناصر الشيخ (1995)، مباحث العقيدة في سورة الزمر (الطبعة الأولى)، الرياض-المملكة العربية السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 466. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية: 35.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 44.
- ^ أ ب ت عبد العزيز آل عبد اللطيف، التوحيد للناشئة والمبتدئين (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 69. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 52.
- ↑ سورة مريم، آية: 51.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 134. بتصرّف.
- ↑ عمر الأشقر (1983)، الرسل والرسالات (الطبعة الثانية)، الكويت: دار النفائس-مكتبة فرح، صفحة 43-55. بتصرّف.
- ↑ ابن تيمية (2000)، النبوات (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية- الرياض: أضواء السلف، صفحة 28-29، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 67.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 39.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 45.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 82.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 20.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 25.
- ↑ سورة نوح، آية: 21.
- ↑ سورة الكهف، آية: 56.
- ↑ سورة البقرة، آية: 257.
- ↑ سورة الجمعة، آية: 2.
- ↑ سورة طه، آية: 134.
- ↑ سورة النحل، آية: 89.
- ↑ سورة غافر، آية: 50.
- ↑ سورة المائدة، آية: 48.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1268. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، التعريف بالإسلام، صفحة 136. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 1.
- ↑ سورة المائدة، آية: 67.