محتويات
'); }
تعريف الإيمان وأركانه
تعريف الإيمان
الإيمان باللّغة: هو القبول والاعتقاد والاعتراف، والإيمان لغةً يكون بالقلب، أمّا الإيمان بالشرع: فهو الخضوع والإقرار والاستسلام، ومحلُّه القلب، ويُصدّقه العمل،[١] وهو التصديق الجازم بالله -تعالى-، وتوحيده، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.[٢]
أركان الإيمان
إنّ للإيمان ستّة أركان كما ورد في حديث جبريل -عليه السلام- لَمّا قدِم للنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأله عن الإيمان، فأخبره رسول الله بأنّ أوّل ركنٍ هو الإيمان بالله -تعالى-، ثم بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه ما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّ جبريل سأل النبيّ: (فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)،[٣][٤] ويجب الإيمان والتصديق بجميع هذه الأركان، فلا يصحّ إيمان العبد بجزءٍ منها أو ترْك بعضها، ولا يُطلق على العبد مؤمناً ما لم يُقرّ ويُصدّق بهذه الأركان جميعها.[٥]
'); }
الإيمان بالله
وهو الإقرار بوجود الله -تعالى- واستحقاقه للعبادة وحده، وقد فُطر الإنسان على التوحيد كما بيّن الله -تعالى- في قوله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)،[٦] والله -سبحانه- خالق هذا الكون وما فيه، والمُتحكّم فيه، بيَدِه الرِّزق والتدبير، قال -سبحانه-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ)،[٧] وقال -تعالى-: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقولونَ اللَّـهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقونَ* فَذلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ)،[٨][٩] ويجب الإقرار والإيمان بأسماء الله -تعالى- وصفاته التي دلّت عليها الآثار من القرآن الكريم والسنّة النبويّة، فالله لا يشبه أحداً، وهو متفرِّدٌ في ذاته وصفاته وأسمائه، قال -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[١٠][١١]
الإيمان بالملائكة
الملائكة هم خلق الله -تعالى- وعباده المكرمون الذين لا يعصونه أبداً، قال -تعالى-: (علَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)،[١٢] وهم ليسوا كالبشر، فخِلقتهم عظيمة، ويختلف خَلقهم من مَلَكٍ لآخرٍ، فمنهم من يكون بجناحين، ومنهم من يكون بثلاث، وقيل إن الملك جبريل يملك ستّمئة جناحٍ، وقد أوكل الله -تعالى- لهم وكلّفهم بالمهام؛ فمنهم من وُكِّل بالوحي؛ وهو جبريل -عليه السلام-، ومنهم من وُكّل بالمطر؛ كميكائيل.[١٣]
وهناك من وُكّل بالموت؛ وهو ملك الموت، والمَلَك إسرافيل مُكلّفٌ بالنَّفخ في الصور، ومَلَك خازن النار مسؤولٌ عن نار جهنم، وهناك حملة العرش، وهناك من يكتب حسنات العباد وسيّئاتهم، ومنهم من ذُكر اسمه في النصوص الشرعية ومنهم من لم يُذكر، ولهم العديد من المهام في السماوات والأرض، قال -تعالى- قاصداً الملائكة: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)،[١٤] وقال -سبحانه-: (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا)،[١٥] والتّصديق الجازم والإقرار بوجود الملائكة واجبٌ على المسلمين، ولا يكتمل إيمان العبد إلا بإيمانه بالملائكة، وقد بيّن الله -تعالى- ذلك في سورة البقرة فقال: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).[١٦][١٣]
الإيمان بالكتب
هو التصديق الجازم بجميع الكتب السماوية التي أنزلها الله -تعالى- على رُسله، والإقرار بوجودها، قال -تعالى- (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)،[١٦] فالكتب السماوية المنزلة من الله تُخرج الناس من الظلام إلى نور الهداية والحقّ، وتتضمّن تشريعات الله -تعالى- وأوامره ونواهيه، وفيها الترغيب بجنّات النعيم والترهيب من عاقبة الظالمين، قال -تعالى-: (الر كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِ رَبِّهِم إِلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ)،[١٧] والكتب السماوية خمسة، وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصُحف إبراهيم وموسى، والقرآن الكريم المُنزّل على خاتم النبيّين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد تكفّل الله -تعالى- بحفظه دون غيره من الكتب السماوية، فلا يجوز العمل إلا به لأنّه يخلوا من التّحريف والتأوييل.[١٨]
الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن الله -تعالى- أرسل لكلّ أمةٍ رسولاً يُبلّغ رسالة التوحيد ويُخرج الناس من الظُلمات الى النور، والإيمان بأنّهم أتمّوا وظيفتهم على أكمل وجهٍ، فبشّروا الناس بوعد الله عند اتّباع دين الحقّ، وأنذروهم من اتّباع الباطل، والإيمان بالرسل واجبٌ، ولا يصْلح إيمان العبد إلا بالإيمان بهم جميعاً، قال -تعالى-: (وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ).[١٩][٢٠]
الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يتضمّن الإيمان بما يسبقه وما يحدث خلاله من الوقائع والأحداث، ومنها: البرزخ، والبعث والنشور، والعرض، والميزان، والحساب، والصُّحف، والفوز بالجنة، أو دخول النار، ويجب التصديق بجميع هذه المواقف الغيبيّة والإيمان بها اعتقاداً جازماً، فلا يكتمل إيمان العبد إلا بالإيمان بها، وقد قَرَن الله -تعالى- الإيمان به مع الإيمان باليوم الآخر في كثيرٍ من مواضع القرآن الكريم، كقوله -سبحانه-: (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).[٢١][٢٢]
الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقدر هو الإقرار والتّصديق الجازم بعلم الله -تعالى- وقضائه وتدبيره للأمور كلّها خيرها وشرّها، وأنه -عزّ وجلّ- المُتحكّم بها وخالقها، وأنّ لكلّ إنسانٍ قَدَرٌ مكتوبٌ في اللّوح المسطور قبل الخلق، وهذا بأمر الله وإرادته، ولا يخرج عن مشيئته شيء، وقد خلق الله -تعالى- الإنسان فجعله مُخَيًّراً في الكثير من الأفعال، رغم عِلْمِه المُسبق بالنتائج، وكذلك بِيَده أمور الهداية والضّلال، وهذا دليلٌ على حكمته وعظيم سلطانه.[٢٣]
مكانة الإيمان
الإيمان بالله -تعالى- من أعظم الأركان، ويكون بالتّصديق الجازم بوحدانيّة الله -عز وجل-، وإفراده بالعبادة دون سِواه، وهو أول الأركان وأساسها، ويتضمّن إيمان العبد بالله على توحيده -عز وجل-، وتوحيد أسمائه وصفاته، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وقد أُطلق على الدين الإسلامي دين التوحيد؛ لأنه مبنيٌّ على أساسٍ مهمٍّ وعظيمٍ؛ وهو الإيمان بالله -تعالى- وحده لا شريك له.[٢٤]
آثار الإيمان على العبد
إنّ لإيمان العبد بأركان الإيمان آثاراً تنعكس عليه وعلى مجتمعه بالخير، وبيان بعضها فيما يأتي:[٢٥]
- استشعار وجود الله -تعالى- في حياة العبد في كلّ اللّحظات؛ في السرّاء والضرّاء، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[٢٦] واستشعار رقابة الله -تعالى- عليه بواسطة ملائكته، فتتملّكه الخشية من الخطيئة والمعصية، ويسعى للأعمال الصالحة التي تعود بالخير على نفسه وعلى مجتمعه، قال -تعالى-: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).[٢٧]
- مواظبة العبد على تدبّر وقراءة كتاب الله والعمل بأحكامه؛ لأنه يعلم أنّه كلام الله الذي يُخرجه من الظلمات إلى النور، والتي تنعكس على حاله وعلى من حوله بالآثار الطيّبة والطمأنينة والخير.
- أخْذ العِظة والعبرة من حياة الرُّسل السابقة، وتعليق قلوب العباد بسيرة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).[٢٨]
- شعور العبد بالطمأنينة والسّكينة، وذلك بتوكّله واعتماده على الله -تعالى- وحده، والرضا بما كتبه -سبحانه- له؛ لأنه يعتقد بأن الله قد اختار الخير له بالأمور كلّها، فيخلوا قلبه من الحقد والحسد والطَّمع.
- حرص العبد على الإكثار من الخير، والاستمرار على فعل الطاعات، والابتعاد عن الشّهوات والمعاصي، لاجتناب نار جهنم، والفوز برضا الله -تعالى- والنعيم المُقيم في الجنة.
- صلاح حال الأمة؛ إذ يَكثُر فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرصاً على سلامتها من كلّ ما يُهدّد كيانها، ويحرص العباد على اجتناب كل ما حرّمه الله -تعالى-، والتّقرب إليه بكل ما يحبّ من أعمال الخير والصلاح، والسير على نهج النبي -عليه الصلاة والسلام-.[٢٩]
- صلاح حال العباد وأخلاقهم؛ باجتناب كلّ ما يسيء لغيرهم، فيحرص العبد على قول وفعل ما يعود على نفسه وعلى غيره بالنّفع والخير.[٣٠]
- شدّة التعلّق بالله -عز وجل-، والرّغبة الشّديدة لنيْل رضاه والفوز بجنّته، والحرص على العمل الصالح الذي يُذكّره بخالقه، واستشعار عظمته ورحمته في الدنيا والآخرة.[٣١]
المراجع
- ↑ محمد بن العثيمين، فقه العبادات، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الجزائري، النجاة النجاة يا عباد الله، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ↑ محمد التويجري (2010م)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 43. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الأثري (2003م)، الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية-الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 113. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 30.
- ↑ سورة الطور، آية: 35-36.
- ↑ سورة يونس، آية: 31-32.
- ↑ محمد التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الأردن: بيت الأفكار الدولية ، صفحة 88، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية: 11.
- ↑ محمد التويجري (2009م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الأردن: بيت الأفكار الدولية، صفحة 97، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية: 6.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية، صفحة 261-262، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة النازعات، آية: 5.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 4.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 285.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 1.
- ↑ عبد الله الأثري (2003م)، الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية-الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 135-136. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 177.
- ↑ ابن تيمية (2000م)، النبوات (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية-الرياض: أضواء السلف، صفحة 37، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 2.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 1، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز عبد اللطيف (1422هـ)، التوحيد للناشئة والمبتدئين (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 100. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1421هـ)، < i>كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة</i> (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ علي القرني، دروس للشيخ علي القرني، صفحة 4، جزء 44. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 7.
- ↑ سورة ق، آية: 18.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ علي القرني، دروس للشيخ علي القرني، صفحة 15، جزء 44. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الحديث الموضوعي، صفحة 93. بتصرّف.
- ↑ محمد الشنقيطي، دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي، صفحة 21، جزء 51. بتصرّف.