تعريفات إسلامية

تعريف أهل الذمة

مقالات ذات صلة

الدولة الإسلامية

عندما أقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الدولة الإسلامية في المدينة المنوّرة أسَّس لها القواعد والأحكام الخاصّة والعامّة، ولم يكن المسلمون حينها هم الوَحيدون الذين يَعيشون في المدينة المنوّرة؛ لذلك وَضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحكاماً وتعاملاتٍ تُنظّم تعامل أهل المدينة جميعهم، فمن تنظيم الأحكام التي تخصّ تعامل المسلمين فيما بينهم إلى تنظيم الأحكام التي يتعامل بها المسلمون مع غيرهم من سكّان المدينة من اليهود، والمسيحيين، والمجوس، وغيرهم، وقد وضع لذلك صحيفةً عُرفت حينها بالدستور الأول في الإسلام.

كان مطلع الصحيفة التي وُضعت: (هذا كتاب من محمّد النبي – عليه الصلاة والسلام – بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم) ثم أتبع ذلك تفصيلاً لكلّ التعاملات بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة وفرَّق بين غير المسلمين من المسالمين أو المحاربين في موضع قوله: (وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم)، وذلك أصل رعاية أهل الذمة والأقليات والمعاهدين في الإسلام إذا خضعوا لأحكام الدولة الإسلامية وتبعوا لها وأقروا بسلطتها عليهم، فلهم حين ذلك حقّ النصرة على من أساء إليهم أو عاداهم أو اعتدى عليهم بغير حقٍّ سواء كان من المسلمين أو من غير المسلمين، من داخل الدولة أو من خارجها.[١]

تعريف أهل الذمة

الذمة لغةً

الذمة مَصدها ذمَمَ أو ذمَّ: يقال: ذممتُ فلاناً أذمَّةُ ذماً، فهو ذميم، والذمة: البئر قليلة الماء، يقال: بئر ذمة، والجمع ذمام، والذمام: ما يذمُّ الرجل على إضاعته من العهد، وأهل الذمةِ: أهل العقد، والذمَّة، الأمان، لما جاء في قوله صلى الله عليه وآله: (ويسعى بذمّتهم أدناهم)،[٢] ويقال: أهل الذمة، لأنهم أدّوا الجزية فأمنوا على دمائهم وأموالهم.[٣]

الذمة في الاصطلاح الإسلامي

تُطلق الذمّة في الفقه والتشريع الإسلامي على أكثر من مُصطلح، فمرّةً تردُ مطلقةً ومَرّةً تردُ مقرونةً بألفاظ أخرى تُغيّر المقصود فيها، وفيما يلي بيان المقصود بالذمة وأهل الذمة.

  • الذمة: هي الصفة الفطرية الإنسانية التي بها ثبت على الإنسان حقوق لغيره، وهي التي أوجَبت عليه واجباتٍ لغيره[٤].
  • أهل الذمة: هم رعايا الدّولة الإسلامية من غير المُسلمين، والذين تعاقدوا مع المسلمين على إعطاء الجزية والالتزام بشروطٍ معيّنة في مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم.[٥]

أهل الذمة في الكتاب والسنة

دعت الشّريعة الإسلامية السّمحة إلى إحسان التعامل مع الناس عموماً، وحَثّت على حسن التعامل مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا وذلك وفق شروط وقواعد وأحكام خاصّة، خصوصاً إذا كانوا مُسالمين غير مُعادين، ملتزمين بالشروط المَفروضة عليهم من عدم الإساءة للإسلام وعدم إظهار شَعائرهم وعقائدهم، كما بيّنت الشريعة أنّ معاملتهم تكون بالقسط والعدل ومقابلة الحسنى بالحسنى وعدم التعرض لهم إن لم يتعرضوا للإسلام وأهله، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)،[٦] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُه يوم القيامةِ، وأشار رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأصبعِه إلى صدرِه ألا من قتل معاهدًا له ذمةُ اللهِ وذمةُ رسولِه حرم اللهُ عليه ريحَ الجنةِ وإن ريحَها لتوجدُ من مسيرةِ سبعين خريفًا).[٧] والسنة النبوية مليئة بالشواهد الدالة على ذلك.[٨]

أحكام أهل الذمة

يشترك أهل الذمة خاصةً مع أهل الكتاب عموماً في بعض الأحكام من حيث جواز التزاور بينهم وبين المُسلمين ومُشاركتهم في مناسباتهم العامّة والخاصّة من الفرح والحزن، ويجوز كذلك الأكل من ذبائحهم إذا لم تقترن بنسك، ويجوز الأكل من طعامهم وشرابهم المُباح أكله شرعاً، لقوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)،[٩] ويجوز أيضاً التعامل معهم تجاريّاً واقتصادياً بالبيع والشراء والإجارة وغير ذلك من وجوه المُعاملات المالية؛[٨] حيث إنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قد تعامل مع اليهود والمشركين في المَدينة فقد ثبت أنّه عليه الصلاة والسلام قد رهن درعه عند يهودي بشَعير اشتراه منه. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه بعد ذكر تلك الحادثة: ولقد سمعته – أي النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم إلا صاع، ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات).[١٠]

الجزية

هي مقدارٌ من المال يفرضه الإمام – الحاكم – أو من يُنيبه، وتُقدّر حسب حال أهل الذمّة المُقيمين في الدولة الإسلاميّة عسراً ويسراً، وتقدّر بالذهب أو الفضة أو النقود الرائجة، وغيرها من الأشياء المُباحة كالثياب والحديد والمواشي ونحوها، ولا تجب الجزية على الصبي، أو المرأة، ولا العبد، ولا الفقير، ولا المجنون، ولا الأعمى، ولا الراهب، فإذا أدّى أهل الذمّة ودفعوا ما عليهم من جزية، أو خراج بموجب عقد الذمّة وجب قبولها منهم وعليه يحرم قتالهم، ووجب تأمينهم من أيّ عدوانٍ يلحق بهم من داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، وإن أسلم منهم أحد سقطت عنه الجزية.

عند استلام الجزية من أهل الذمّة يجب إظهار القوّة لهم، واستلامها من أيديهم وهم صاغرون لقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى‌ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).[١١] وتشترط على أهل الذمة في عقد الجزية عددٌ من الشروط التي يجب عليهم الالتزام بها حتى يضمن الإمام لهم الأمان، ويخضعوا لأحكام الدولة بموجب عقد الذمة منها:[١٢]

  • أن لا يطعنوا بكتاب الله بتحريف، أو يذكروه بسوء.
  • أن لا يُسيؤوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو أصحابه، أو أيّ شيء يمسّهم من ازدراءٍ أو تكذيب.
  • أن لا يذمّوا الإسلام أو يقدحوا به سراً أو علانيةً.
  • أن لا يعقدوا على مسلمة بعقد نكاح أو يمسّوها بزنا أو محرم.
  • أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، أو يتعرّضوا لمال مسلم أو دينه أو عبادته.
  • أن لا يُعينوا أهل الحرب والكفر من خارج الدولة الإسلامية على المسلمين بالقتال أو بنقل الأخبار أو بالدعم المالي، أو غير ذلك، بل يجب عليهم الدّفاع عن الدولة الإسلاميّة مع المُسلمين إذا تعرّضت لاعتداءٍ من خارج الدولة.

المراجع

  1. “دستور المدينة.. مفخرة الحضارة الإسلامية”، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  2. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2/212.
  3. أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (1986)، معجم اللغة لابن فارس (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 354، جزء 1. بتصرّف.
  4. محمد صدقي آل بورنو (2003 )، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة الأولى)، بيروت: الرسالة، صفحة 166، جزء 9. بتصرّف.
  5. مجموعة من العلماء (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 57، جزء 19. بتصرّف.
  6. سورة الممتحنة، آية: 8.
  7. رواه السخاوي، في الأجوبة المرضية، عن آباء عدة من أبناء أصحاب النبي، الصفحة أو الرقم: 2/436، إسناده جيد.
  8. ^ أ ب الفتوى رقم 2889 (24-03-2014)، “معاملة أهل الكتاب في الإسلام”، دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  9. سورة المائدة، آية: 5.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2508.
  11. سورة التوبة، آية: 29.
  12. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي (2014)، الأحكام السلطانية، عمان – الأردن: وزارة الثقافة في المملكة الأردنية الهاشمية، صفحة 166. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

الدولة الإسلامية

عندما أقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الدولة الإسلامية في المدينة المنوّرة أسَّس لها القواعد والأحكام الخاصّة والعامّة، ولم يكن المسلمون حينها هم الوَحيدون الذين يَعيشون في المدينة المنوّرة؛ لذلك وَضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحكاماً وتعاملاتٍ تُنظّم تعامل أهل المدينة جميعهم، فمن تنظيم الأحكام التي تخصّ تعامل المسلمين فيما بينهم إلى تنظيم الأحكام التي يتعامل بها المسلمون مع غيرهم من سكّان المدينة من اليهود، والمسيحيين، والمجوس، وغيرهم، وقد وضع لذلك صحيفةً عُرفت حينها بالدستور الأول في الإسلام.

كان مطلع الصحيفة التي وُضعت: (هذا كتاب من محمّد النبي – عليه الصلاة والسلام – بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم) ثم أتبع ذلك تفصيلاً لكلّ التعاملات بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة وفرَّق بين غير المسلمين من المسالمين أو المحاربين في موضع قوله: (وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم)، وذلك أصل رعاية أهل الذمة والأقليات والمعاهدين في الإسلام إذا خضعوا لأحكام الدولة الإسلامية وتبعوا لها وأقروا بسلطتها عليهم، فلهم حين ذلك حقّ النصرة على من أساء إليهم أو عاداهم أو اعتدى عليهم بغير حقٍّ سواء كان من المسلمين أو من غير المسلمين، من داخل الدولة أو من خارجها.[١]

تعريف أهل الذمة

الذمة لغةً

الذمة مَصدها ذمَمَ أو ذمَّ: يقال: ذممتُ فلاناً أذمَّةُ ذماً، فهو ذميم، والذمة: البئر قليلة الماء، يقال: بئر ذمة، والجمع ذمام، والذمام: ما يذمُّ الرجل على إضاعته من العهد، وأهل الذمةِ: أهل العقد، والذمَّة، الأمان، لما جاء في قوله صلى الله عليه وآله: (ويسعى بذمّتهم أدناهم)،[٢] ويقال: أهل الذمة، لأنهم أدّوا الجزية فأمنوا على دمائهم وأموالهم.[٣]

الذمة في الاصطلاح الإسلامي

تُطلق الذمّة في الفقه والتشريع الإسلامي على أكثر من مُصطلح، فمرّةً تردُ مطلقةً ومَرّةً تردُ مقرونةً بألفاظ أخرى تُغيّر المقصود فيها، وفيما يلي بيان المقصود بالذمة وأهل الذمة.

  • الذمة: هي الصفة الفطرية الإنسانية التي بها ثبت على الإنسان حقوق لغيره، وهي التي أوجَبت عليه واجباتٍ لغيره[٤].
  • أهل الذمة: هم رعايا الدّولة الإسلامية من غير المُسلمين، والذين تعاقدوا مع المسلمين على إعطاء الجزية والالتزام بشروطٍ معيّنة في مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم.[٥]

أهل الذمة في الكتاب والسنة

دعت الشّريعة الإسلامية السّمحة إلى إحسان التعامل مع الناس عموماً، وحَثّت على حسن التعامل مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا وذلك وفق شروط وقواعد وأحكام خاصّة، خصوصاً إذا كانوا مُسالمين غير مُعادين، ملتزمين بالشروط المَفروضة عليهم من عدم الإساءة للإسلام وعدم إظهار شَعائرهم وعقائدهم، كما بيّنت الشريعة أنّ معاملتهم تكون بالقسط والعدل ومقابلة الحسنى بالحسنى وعدم التعرض لهم إن لم يتعرضوا للإسلام وأهله، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)،[٦] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُه يوم القيامةِ، وأشار رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأصبعِه إلى صدرِه ألا من قتل معاهدًا له ذمةُ اللهِ وذمةُ رسولِه حرم اللهُ عليه ريحَ الجنةِ وإن ريحَها لتوجدُ من مسيرةِ سبعين خريفًا).[٧] والسنة النبوية مليئة بالشواهد الدالة على ذلك.[٨]

أحكام أهل الذمة

يشترك أهل الذمة خاصةً مع أهل الكتاب عموماً في بعض الأحكام من حيث جواز التزاور بينهم وبين المُسلمين ومُشاركتهم في مناسباتهم العامّة والخاصّة من الفرح والحزن، ويجوز كذلك الأكل من ذبائحهم إذا لم تقترن بنسك، ويجوز الأكل من طعامهم وشرابهم المُباح أكله شرعاً، لقوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)،[٩] ويجوز أيضاً التعامل معهم تجاريّاً واقتصادياً بالبيع والشراء والإجارة وغير ذلك من وجوه المُعاملات المالية؛[٨] حيث إنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قد تعامل مع اليهود والمشركين في المَدينة فقد ثبت أنّه عليه الصلاة والسلام قد رهن درعه عند يهودي بشَعير اشتراه منه. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه بعد ذكر تلك الحادثة: ولقد سمعته – أي النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم إلا صاع، ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات).[١٠]

الجزية

هي مقدارٌ من المال يفرضه الإمام – الحاكم – أو من يُنيبه، وتُقدّر حسب حال أهل الذمّة المُقيمين في الدولة الإسلاميّة عسراً ويسراً، وتقدّر بالذهب أو الفضة أو النقود الرائجة، وغيرها من الأشياء المُباحة كالثياب والحديد والمواشي ونحوها، ولا تجب الجزية على الصبي، أو المرأة، ولا العبد، ولا الفقير، ولا المجنون، ولا الأعمى، ولا الراهب، فإذا أدّى أهل الذمّة ودفعوا ما عليهم من جزية، أو خراج بموجب عقد الذمّة وجب قبولها منهم وعليه يحرم قتالهم، ووجب تأمينهم من أيّ عدوانٍ يلحق بهم من داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، وإن أسلم منهم أحد سقطت عنه الجزية.

عند استلام الجزية من أهل الذمّة يجب إظهار القوّة لهم، واستلامها من أيديهم وهم صاغرون لقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى‌ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).[١١] وتشترط على أهل الذمة في عقد الجزية عددٌ من الشروط التي يجب عليهم الالتزام بها حتى يضمن الإمام لهم الأمان، ويخضعوا لأحكام الدولة بموجب عقد الذمة منها:[١٢]

  • أن لا يطعنوا بكتاب الله بتحريف، أو يذكروه بسوء.
  • أن لا يُسيؤوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو أصحابه، أو أيّ شيء يمسّهم من ازدراءٍ أو تكذيب.
  • أن لا يذمّوا الإسلام أو يقدحوا به سراً أو علانيةً.
  • أن لا يعقدوا على مسلمة بعقد نكاح أو يمسّوها بزنا أو محرم.
  • أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، أو يتعرّضوا لمال مسلم أو دينه أو عبادته.
  • أن لا يُعينوا أهل الحرب والكفر من خارج الدولة الإسلامية على المسلمين بالقتال أو بنقل الأخبار أو بالدعم المالي، أو غير ذلك، بل يجب عليهم الدّفاع عن الدولة الإسلاميّة مع المُسلمين إذا تعرّضت لاعتداءٍ من خارج الدولة.

المراجع

  1. “دستور المدينة.. مفخرة الحضارة الإسلامية”، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  2. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2/212.
  3. أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (1986)، معجم اللغة لابن فارس (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 354، جزء 1. بتصرّف.
  4. محمد صدقي آل بورنو (2003 )، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة الأولى)، بيروت: الرسالة، صفحة 166، جزء 9. بتصرّف.
  5. مجموعة من العلماء (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 57، جزء 19. بتصرّف.
  6. سورة الممتحنة، آية: 8.
  7. رواه السخاوي، في الأجوبة المرضية، عن آباء عدة من أبناء أصحاب النبي، الصفحة أو الرقم: 2/436، إسناده جيد.
  8. ^ أ ب الفتوى رقم 2889 (24-03-2014)، “معاملة أهل الكتاب في الإسلام”، دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  9. سورة المائدة، آية: 5.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2508.
  11. سورة التوبة، آية: 29.
  12. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي (2014)، الأحكام السلطانية، عمان – الأردن: وزارة الثقافة في المملكة الأردنية الهاشمية، صفحة 166. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الدولة الإسلامية

عندما أقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الدولة الإسلامية في المدينة المنوّرة أسَّس لها القواعد والأحكام الخاصّة والعامّة، ولم يكن المسلمون حينها هم الوَحيدون الذين يَعيشون في المدينة المنوّرة؛ لذلك وَضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحكاماً وتعاملاتٍ تُنظّم تعامل أهل المدينة جميعهم، فمن تنظيم الأحكام التي تخصّ تعامل المسلمين فيما بينهم إلى تنظيم الأحكام التي يتعامل بها المسلمون مع غيرهم من سكّان المدينة من اليهود، والمسيحيين، والمجوس، وغيرهم، وقد وضع لذلك صحيفةً عُرفت حينها بالدستور الأول في الإسلام.

كان مطلع الصحيفة التي وُضعت: (هذا كتاب من محمّد النبي – عليه الصلاة والسلام – بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن اتّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم) ثم أتبع ذلك تفصيلاً لكلّ التعاملات بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة وفرَّق بين غير المسلمين من المسالمين أو المحاربين في موضع قوله: (وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم)، وذلك أصل رعاية أهل الذمة والأقليات والمعاهدين في الإسلام إذا خضعوا لأحكام الدولة الإسلامية وتبعوا لها وأقروا بسلطتها عليهم، فلهم حين ذلك حقّ النصرة على من أساء إليهم أو عاداهم أو اعتدى عليهم بغير حقٍّ سواء كان من المسلمين أو من غير المسلمين، من داخل الدولة أو من خارجها.[١]

تعريف أهل الذمة

الذمة لغةً

الذمة مَصدها ذمَمَ أو ذمَّ: يقال: ذممتُ فلاناً أذمَّةُ ذماً، فهو ذميم، والذمة: البئر قليلة الماء، يقال: بئر ذمة، والجمع ذمام، والذمام: ما يذمُّ الرجل على إضاعته من العهد، وأهل الذمةِ: أهل العقد، والذمَّة، الأمان، لما جاء في قوله صلى الله عليه وآله: (ويسعى بذمّتهم أدناهم)،[٢] ويقال: أهل الذمة، لأنهم أدّوا الجزية فأمنوا على دمائهم وأموالهم.[٣]

الذمة في الاصطلاح الإسلامي

تُطلق الذمّة في الفقه والتشريع الإسلامي على أكثر من مُصطلح، فمرّةً تردُ مطلقةً ومَرّةً تردُ مقرونةً بألفاظ أخرى تُغيّر المقصود فيها، وفيما يلي بيان المقصود بالذمة وأهل الذمة.

  • الذمة: هي الصفة الفطرية الإنسانية التي بها ثبت على الإنسان حقوق لغيره، وهي التي أوجَبت عليه واجباتٍ لغيره[٤].
  • أهل الذمة: هم رعايا الدّولة الإسلامية من غير المُسلمين، والذين تعاقدوا مع المسلمين على إعطاء الجزية والالتزام بشروطٍ معيّنة في مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم.[٥]

أهل الذمة في الكتاب والسنة

دعت الشّريعة الإسلامية السّمحة إلى إحسان التعامل مع الناس عموماً، وحَثّت على حسن التعامل مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى خصوصًا وذلك وفق شروط وقواعد وأحكام خاصّة، خصوصاً إذا كانوا مُسالمين غير مُعادين، ملتزمين بالشروط المَفروضة عليهم من عدم الإساءة للإسلام وعدم إظهار شَعائرهم وعقائدهم، كما بيّنت الشريعة أنّ معاملتهم تكون بالقسط والعدل ومقابلة الحسنى بالحسنى وعدم التعرض لهم إن لم يتعرضوا للإسلام وأهله، فقد قال الله عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)،[٦] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُه يوم القيامةِ، وأشار رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأصبعِه إلى صدرِه ألا من قتل معاهدًا له ذمةُ اللهِ وذمةُ رسولِه حرم اللهُ عليه ريحَ الجنةِ وإن ريحَها لتوجدُ من مسيرةِ سبعين خريفًا).[٧] والسنة النبوية مليئة بالشواهد الدالة على ذلك.[٨]

أحكام أهل الذمة

يشترك أهل الذمة خاصةً مع أهل الكتاب عموماً في بعض الأحكام من حيث جواز التزاور بينهم وبين المُسلمين ومُشاركتهم في مناسباتهم العامّة والخاصّة من الفرح والحزن، ويجوز كذلك الأكل من ذبائحهم إذا لم تقترن بنسك، ويجوز الأكل من طعامهم وشرابهم المُباح أكله شرعاً، لقوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)،[٩] ويجوز أيضاً التعامل معهم تجاريّاً واقتصادياً بالبيع والشراء والإجارة وغير ذلك من وجوه المُعاملات المالية؛[٨] حيث إنّ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قد تعامل مع اليهود والمشركين في المَدينة فقد ثبت أنّه عليه الصلاة والسلام قد رهن درعه عند يهودي بشَعير اشتراه منه. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه بعد ذكر تلك الحادثة: ولقد سمعته – أي النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم إلا صاع، ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات).[١٠]

الجزية

هي مقدارٌ من المال يفرضه الإمام – الحاكم – أو من يُنيبه، وتُقدّر حسب حال أهل الذمّة المُقيمين في الدولة الإسلاميّة عسراً ويسراً، وتقدّر بالذهب أو الفضة أو النقود الرائجة، وغيرها من الأشياء المُباحة كالثياب والحديد والمواشي ونحوها، ولا تجب الجزية على الصبي، أو المرأة، ولا العبد، ولا الفقير، ولا المجنون، ولا الأعمى، ولا الراهب، فإذا أدّى أهل الذمّة ودفعوا ما عليهم من جزية، أو خراج بموجب عقد الذمّة وجب قبولها منهم وعليه يحرم قتالهم، ووجب تأمينهم من أيّ عدوانٍ يلحق بهم من داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، وإن أسلم منهم أحد سقطت عنه الجزية.

عند استلام الجزية من أهل الذمّة يجب إظهار القوّة لهم، واستلامها من أيديهم وهم صاغرون لقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى‌ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).[١١] وتشترط على أهل الذمة في عقد الجزية عددٌ من الشروط التي يجب عليهم الالتزام بها حتى يضمن الإمام لهم الأمان، ويخضعوا لأحكام الدولة بموجب عقد الذمة منها:[١٢]

  • أن لا يطعنوا بكتاب الله بتحريف، أو يذكروه بسوء.
  • أن لا يُسيؤوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو أصحابه، أو أيّ شيء يمسّهم من ازدراءٍ أو تكذيب.
  • أن لا يذمّوا الإسلام أو يقدحوا به سراً أو علانيةً.
  • أن لا يعقدوا على مسلمة بعقد نكاح أو يمسّوها بزنا أو محرم.
  • أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، أو يتعرّضوا لمال مسلم أو دينه أو عبادته.
  • أن لا يُعينوا أهل الحرب والكفر من خارج الدولة الإسلامية على المسلمين بالقتال أو بنقل الأخبار أو بالدعم المالي، أو غير ذلك، بل يجب عليهم الدّفاع عن الدولة الإسلاميّة مع المُسلمين إذا تعرّضت لاعتداءٍ من خارج الدولة.

المراجع

  1. “دستور المدينة.. مفخرة الحضارة الإسلامية”، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  2. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2/212.
  3. أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (1986)، معجم اللغة لابن فارس (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 354، جزء 1. بتصرّف.
  4. محمد صدقي آل بورنو (2003 )، موسوعة القواعد الفقهية (الطبعة الأولى)، بيروت: الرسالة، صفحة 166، جزء 9. بتصرّف.
  5. مجموعة من العلماء (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 57، جزء 19. بتصرّف.
  6. سورة الممتحنة، آية: 8.
  7. رواه السخاوي، في الأجوبة المرضية، عن آباء عدة من أبناء أصحاب النبي، الصفحة أو الرقم: 2/436، إسناده جيد.
  8. ^ أ ب الفتوى رقم 2889 (24-03-2014)، “معاملة أهل الكتاب في الإسلام”، دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2017. بتصرّف.
  9. سورة المائدة، آية: 5.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2508.
  11. سورة التوبة، آية: 29.
  12. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي (2014)، الأحكام السلطانية، عمان – الأردن: وزارة الثقافة في المملكة الأردنية الهاشمية، صفحة 166. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى