الأرض هي حيث يعيش الإنسان ويستخرج منها كنوز حياته، فيقتات على ما يخرج منها من غرس وفواكه متعددة الأصناف والأشكال، هي التي تبدأ بها كلّ حياة في الوجود، والتي عليها يستقر الإنسان، فالأرض به لصيقة فيشيِّد فوقها بناءً يؤويه لترتبط بها جذوره، فيحيى بذلك عزيز النفس مطمئن البال، فلا إنسان يستغني عن الأرض، بل لا غنى له عنها على الإطلاق، إذ عليها تقوم العديد من النزاعات، لذا لنا نحو أرضنا واجبات تتعمق بها روابط الانتماء لها.
ما من إنسان تقريباً إلا وله أرض يمتلكها صغرت أم كبرت، ومن مستلزمات وجودنا واستفادتنا من أرضنا بالشكل الصحيح التزامنا بواجبنا نحوها، فمن واجبنا نحو الأرض العناية بتربتها فلا نجعلها عرضة للانجراف بإقامة الجدران التي تحميها منه، ومن مظاهر عنايتنا بها كذلك زراعتها بشتى المحاصيل الزراعيَّة اللازمة لمعاشنا، وغرس الأشجار التي منها نستفيد لغذائنا ومعاشنا، والتي تضفي جمالاً على أرضنا وصحة وحيويَّة وانتعاشاً لبيئتنا، ومن مظاهر هذه العناية أيضاً حمايتها من عبث العابثين وطمع الطامعين فنعرف حدودها، ونوثِّقها باسمنا، ونذود عنها بكلّ ما نملك، ونستفيد من كلّ السبل العلميَّة الصحيحة للعناية بها تعميراً وزراعة.
في إسلامنا الحنيف نجد الفهم الحضاري للأرض والانتماء إليها وخدمتها جلياً وواضحاً في خدمة الصحابة لأراضيهم، وعنايتهم بها، فأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تضمنت الحثّ على زراعة الأرض والعناية بها، ومن مظاهر هذا الفهم الحضاري قوله صلى الله عليه وسلم: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا) [صحيح]، فهذا نص صريح في حث الإنسان على الزراعة والبناء والتعمير، وقرن ذلك حتى بقيام الساعة مبالغة في هذا الحث.
إنّ لعنايتنا بأرضنا فقه لإيجابيَّة علاقتنا بها، وترسيخ لقيم الأصالة والانتماء نحوها، ففيها مصدر عزنا، وعنوان راحتنا وسعادتنا، فما عاش مطمئن من لا أرض ولا وطن له تماماً كإنسان لاجئ لا أرض يملكها ولا بيت يؤويه، ففي أرضنا كلّ سبل معاشنا، وكلّ عناصر قوتنا ومنعتنا، بعنايتنا بها حفظ لها من طمع الطامعين وكيد الكائدين.
إنّ من أسس التربية السوية التربية على حب الأرض والانتماء إليها وخدمتها، فيُربى الصغار على هذه الثقافة منذ نعومة أظفارهم، فيعيشون في أرضهم خادمين لها متنزهين بين أشجارها، مشيدين لجدرانها، وناصبين لسياجها، وتكمل المدارس بعد ذلك رسالة الانتماء هذه وتعززها وتقويها، كما أنّ الإعلام الهادف له دور عظيم في ذلك، فهي أرضنا بها جذورنا، ومنها معاشنا فلنوثّق روابط الانتماء الصحيحة بها.