خلق الله سبحانه وتعالى الأرض، وسخّرها لنا بكل ما فيها من خيرٍ وحياة، ومن عظيم منّه وكرمه علينا أن جعل لنا التنوّع في الجو والمناخ والفصول، كي تستقيم الحياة وتعمر الأرض، وتحيا الكائنات، فجعل لنا أربعة فصولٍ في كلّ عام، لكل فصلٍ فيها خصوصيّته التي تختلف عن الآخر، وأجواؤه التي لا تشبه أجواء غيره، وفاكهته التي تثمر وتنتج فيه دوناً عن الفصول الأخرى، وزهوره التي لا تتفتح إلا به.
لعل معظم الناس يحبّون فصل الربيع، ويتغنّون به في قصائدهم وقصصهم وخواطرهم، ويمتدحون الورد الذي ينتشر عطره في الأرض عند حلوله، والبعض ربما يعشق الشتاء، ولطالما تغنّى الشعراء والأدباء بالمطر، وقالوا عن الشتاء أجمل العبارات والكلمات، ووصفوا ثلجه ولسعة برودته في قصائدهم، وحتى فصل الخريف، رغم أنّه فصل تساقط الأوراق عن الأشجار، وفصل شحوب الشجر، وصفرة الجو، إلا أنّ هناك من يرى الجمال الحقيقي كامن في هذه الأجواء وفي هذا الفصل المميز.
رغم كل هذا فإنّ قليلين من انتبهوا لروعة أجواء فصل الصيف، وقليلون جداً من ذكروا محاسن الصيف، والحرية التي تمنحنا إياها أجواؤه الدافئة، فننتشر بخفةٍ ومرح في الأرض، دون أن نحمل همّ البرد، ولا هم ملابسنا الثقيلة، فالصيف الدافئ لا يكلفنا كل هذا العناء، فهو فصل الرحلات الجميلة والنزهات اللطيفة، والسهرات الطويلة الدافئة.
وفي الصيف تشعل البيوت قناديل السهر، وينتشر الحصّادون، وتفوح رائحة الثمار الناضجة على الشجر، ويهبط علينا الخير كله، فيأتينا محملاً بالتفاح والبطيخ والكمثرى والكرز والخوخ والمشمش، وتغري العيون منظر السنابل والقمح، وتعبق كل الدنيا برائحة البيادر الغنية بالخيرات، فلا وقت أجمل من الصيف لننعم بكل هذا.
وفي الصيف تكثر مواسم الأفراح، وترقص الأغنيات على أوتار الدفء والمسرات، ففيه يجتمع الأحبة، ويحييون أفراحهم، ويقيمون أعراسهم الصاخبة، ويعيشون أجواء السهرات الصيفية باذخة الجمال، وفي الصيف أيضاً يعود المسافرون إلى أرض الوطن، وتفرح القلوب وتهلل بقدومهم، وفي الصيف تستطيع أن تنظر للسماء وتتأملها بكامل نقائها وصفائها وبهائها، فالنجوم صديقة الصيف، فلا غيمة تحجبها، ولا ضبابٌ يطمس ملامحها، ولا غبارٌ يضيع معالم السماء، إنه الصيف الجميل، حيث يطول النهار كثيراً، يطول كي نعيشه بكامل تفاصيله، ويقصر ليله كي يظل شغف السهر عالقاً بلهفة القلوب، فلله دره من فصلٍ رائع الجمال، وقوي الحضور، وكريم من فيض من كرم خالقه، إنه فصل الأمنيات المحققة، ومواسم الأفراح المؤجلة، والكرز والياسمين والجوري ورائحة أكواز الصنوبر واللزاب.