الآداب

تعبير عن التضامن

تعبير عن التضامن

التضامن

الأفكار الرئيسة في النصّ:

  • الحديث عن أشكال التضامن.
  • ذكر أهمية التضامن على الفرد والمجتمع.
  • معرفة موقف الإسلام من التضامن.
  • ذكر أثر التضامن السياسي والاقتصادي والنفسي.

المقدمة: تعريف التضامن

التضامن هي لفظة كثيرًا ما تطرق أسماع النّاس ما بين الحين والآخر، ولكن ما معنى التضامن على وجه الحقيقة خاصة بعد الكثير من المؤتمرات العالمية التي ذكرت في غير اجتماع لها عن وجوب التضامن مع الفئات المظلومة وشعوب العالم الثالث التي تعاني من الفقر والجوع والحرمان، خاصة أنّ التضامن لا يكون خاصًا بفئة دون أخرى ولا يتّبع دينًا محددًا على وجه الخصوص، إذ إنّ الأديان كافة تدعو إلى تضامن الشعوب مع بعضها، أي أنّ فكرة التضامن هي من الأفكار التي باتت القوانين العالمية تدعو لها، وكل إنسان سليم داخليًا يشعر حقيقة بضرورة تضامنه مع الأشخاص من حوله، إذ في تضامن الناس بين بعضها قوة، فالتضامن في حقيقته هو الاتحاد.

المقصود بالتضامن على وجه الخصوص هو الاتحاد ومساعدة الغني للفقير، بحيث يكون المجتمع كاملًا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا، والتضامن هو بمثابة السلوك الإنساني الذي يقوم به الإنسان السليم نفسيًا الذي حافظ على فطرته السوية بشكل صحيح، إذ إنّ الإنسان مخلوق جُبل على الضعف فهو يحتاج دائمًا إلى يد حنونة تربت عليه، وأخرى تساعده من أجل الوقوف بقوة على الطريق الصحيح، التضامن ليس أن يشد الظالم على يد ظالم مثله، إذ ذلك يكون تعاون على الظلم وليس تضامنًا محمودًا تسعى البشرية إلى ترسيخه، التضامن هو مسألة نسبية فليست كل المواقف تعد تضامنًا، فلو غشّ الطالب في الامتحان وساعده آخر على النجاح في تلك المهمة فإنّ هذا لا يعدّ تضامنًا على الإطلاق بل هو معاونة على الشر والأذى.

التضامن هو بمثابة المسؤولية الخطيرة والحقيقية التي تقع على أفراد المجتمع كافة، فيجب على الإنسان أن يتضامن مع أخيه بحيث يرفع الظلم عنه ويُعينه على الأمور الطيبة ولا يدع يدًا قاسية تمتد إليه، التضامن هو شعور إنساني يقضي بالضرورة أن يشعر الإنسان بأخيه كما ورد عن بعض الأجداد حين كانوا يدعون إلى تراحم الناس بين بعضها فيقولون إنّ الإنسان أخو الإنسان إما في الدين أو في الإنسانية.

ذكر الكثير من الأدباء والعلماء التضامن في كتبهم وأشادوا فيه وأحسنوا في وصفه، ومن بينهم ابن خلدون الذي حكى عن التضامن في مقدمته وقد أطلق عليه لفظة العصبية، وذكر أن ليست كل الصعبيات سيئة بل منها ما له جانب إيجابي، بحيث ينصر الإنسان أخاه الإنسان ظالمًا أو مظلومًا، أمّا ظالمًا فبرده عن ظلمه وأمّا مظلومًا فبرد الظلم عنه، هكذا كان للتضامن شكله الجميل في المجتمعات الإنسانية، فأحبه الناس وساند بعضهم بعضًا باسم التضامن، فكانوا جميعًا كالبنيان المرصوص الذي لا تضعفه الظروف ولا يتمكّن من تصديعه أحد.

العرض: أنواع التضامن وكيفية تحقيقه

إنّ التضامن هو بمثابة الحسنة التي يفعلها الإنسان في هذا اليوم وكأنها يودعها السماء ثم تُردّ له في يوم آخر يكون محتاجًا فيه لأحد يتضامن معه، التضامن هو شكل من أشكال الشعور بالآخرين بغض النظر عن عرقهم ولونهم وأصولهم وأديانهم وأشكالهم، فلو تمّ النظر إلى أي من الأسباب السابقة مثل اللون وغيرها فإنّ ذلك لا يعد تضامنًا محمودًا على الإطلاق بل يأخذ شكلًا من شكال التعصب القبلي الذي جاء الإسلام فمحاه عن بكرة أبيه وشاركت القوانين الحديثة في محو التضامن العرقي، وبذلك فإنّ التضامن لا يأخذ شكلًا واحدًا لأن القدرات تتفاوت ما بين عصر وآخر ومعطيات هذا الإنسان تختلف عن معطيات الآخر، ومن صور التضامن المختلفة عبر العصور.

مثل التضامن النفسي الذي يعد أشهر نوع من أنواع التضامن، فيقدم الإنسان للآخر شتى أشكال الدعم النفسي ويُمكن تقديم هذا النوع من أنواع التضامن على نطاق ضيق فيكون ما بين الإخوة والأقارب والأصدقاء، فيحاول الإنسان أن يستمع إلى شكوى أخيه الإنسان ومساعدته على التخلص مما يشعر به من المساوئ، ومن أهم الأمثلة على ذلك التضامن مع قضايا النساء والأطفال، وقد يكون التضامن النفسي على شكل أوسع من ذلك بحيث تتضامن الشعوب مع بعضها، مثل تضامن العرب مع إخوانهم الفلسطينيين، فيكون تضامنهم من خلال الدعاء ورفع الشعارات التي تندد بأعمال الصهاينة.

أمّا النوع الثاني من أنواع التضامن فهو التضامن السياسي الذي يكون من خلال تقديم الدول للمساعدة لبعضها من خلال المواقف السياسية التي تؤيد فيها الدول دولًا أخرى لتحقيق مطالبها ورفع الظلم عنها، أو من خلال تقديم الدول المساعدات لبعضها، وقد اتّضح ذلك جليًا في جائحة كورونا حين أقدمت العديد من الدول على مساعدة غيرها من خلال تقديم المسلتزمات المختلفة لهم سواء أكانت طبية أم غذائية أم لقاحات أم غير ذلك.

أمّا النوع الثالث من أنواع التضامن فهو التضامن الاقتصادي يكون على نطاقين، النطاق الأول واسع من خلال تضامن الشعوب بين بعضها بحيث يُقدم شعب على توفير بعض المواد الغذائية والطبية وإرسالها للجمعيات التي تتكفل بإيصال تلك المواد إلى الشعوب الضعيفة، ويبرز ذلك في التضامن في الكوارث الطبيعية وويلات الحروب، وهناك تضامن اقتصادي على نطاق ضيق من خلال توفير بعض فرص العمل لأبناء الشعب الواحد، بحيث يُقدم بعض النّاس على إنشاء مجموعة من المشاريع الخاصة التي تؤمن وظائف صغيرة لأصحاب الدخل المعدوم.

برز كذلك التضامن الاجتماعي كنوع من أنواع التضامن الذي يشكل نقطة داعمة لأفراد المجتمع بأكمله، حيث يساعد القوي منهم الضعيف شتى أنواع المساعدة، سواء أكانت تلك المساعدة مادية أم معنوية، بحيث يكون أفراد المجتمع كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

إنّ أي نوع من أنواع التضامن وأي مثال من الأمثلة على التضامن يضمن فائدة حقيقية لأبناء المجتمع سواء أكان المتَبرع أم المُتبرع له، ويؤدي إلى توثيق عرى التواصل بين أبناء الشعب الواحد وأبناء الشعوب المختلفة، إنّ التضامن هو بمثابة اليد الحانية التي تمد من الإنسان إلى الآخر، وقد حضت المجتمعات الإنسانية كافة على التضامن، وبرز أثره على الشعوب فلا أجمل من أن يشعر الإنسان بمعاناة أخيه الإنسان.

الخاتمة: أهمية التضامن

إنّ التضامن هو من الأخلاق التي دعت إليها مجموعة من الدول العظيمة التي تنادي بالإنسانية وتنبذ جميع الأخلاق التي تناهض ذلك، وقبل تلك الدول ومنذ ألف وأربعمئة عام دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تضامن النّاس بين بعضهم البعض، وقد تجلى ذلك لمّا آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بين المهاجرين والأنصار، فكان الأنصاري يقسم ماله وأملاكه وضيعه مع المهاجر، وهذا أكبر مثال على كل أنواع التضامن الاجتماعي التي تجلت كلها في موقف واحد، إذ تعد المؤاخاة تضامنًا اقتصاديًا وسياسيًا ونفسيًا.

إنّ التضامن يُخرج الإنسان من أنانيته التي تحاول دائمًا أن تسيطر عليه وأن تحبسه في سجن الأنا الذي يقضي دائمًا بموت الفضيلة في النفس الإنسانية، ولكنّ التضامن يكون هو الكاسر الحقيقي لقفل الذات فتتحرر نفس الإنسان وتعلو عن كل الدّنايا والرذائل فلا يكون همه سوى مساعدة أفراد مجتمعه وتقديم العون الدائم لهم، وللتضامن أهمية عالية في العمل في المؤسسات الاجتماعية، بحيث يخرج الإنسان من نطاق نفسه والعمل بشكل منفرد وينطلق إلى العمل الجماعي الذي يتضامن فيه الناجح مع زميله الأقل نجاحًا فيكونون جميعًا مثل خلية النحل التي تعمل معًا من أجل النجاح فقط ولا شيء غيره.

إنّ الإنسان لمّا يشعر أنّ أخاه يحبه ويحس بالهموم التي ترهق كاهله ويعلم أنّه متضامن معه نفسيًا وعاطفيًا وأنّه مستعد لتقديم أي مساعدة له يشعر بالراحة في داخله، ويحمل كل واحد منهما المشاعر النبيلة للآخر، فينتشر الأمن والسلام في أفراد المجتمع بدلًا من الأنانية المرهقة لكافة أشكال الفضيلة، والتي تنشر البغضاء والحقد بين أفراد المجتمع الواحد، عدا عن الذي لا يريد الإنسان من ورائه ربحًا ماديًا بل يريد دعوة لطيفة له في ظهر الغيب.

التضامن من أعظم الأخلاق التي إن امتلكها الإنسان فقد امتلك زمام الخير والفضيلة، ولا يتحقق التضامن ما لم يشعر الإنسان بهمّ أخيه الإنسان، التضامن هو اللفظة التي تشعر بالأمان عند حلول الخوف، فيعلم الواحد من أفراد المجتمع أنّه ليس وحيدًا، بل كثيرة هي الأيادي التي ستنشله من بين الحجار التي قد تعثر بها، فتطمئن روحه وتستبشر نفسه ويعلم أنّ هذه الدنيا ما زالت بألف خير ما بقي فيها أناس يشعرون بغيرهم، ويقدمون لهم المساعدة دون فائدة ترتجي من وراء ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى