بر الوالدين هو خلق عظيم، فقد أمر الله بطاعة الوالدين وحذر من التهاون فيه ونهى عن العقوق، فإن طاعة الوالدين من طاعة الله، فهو من الأمور التي يستقيم بها الإيمان لما فيه من عظيم الأجر المترتب على الإحسان إليهما، وخفض جناح الطاعة لهما، والمكوث عند أقدامهما ومرافقتهما دون ملل أو كسل، فقد قال الله في عزيز كتابه: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: آية 24)، حيث جاء هذا البرُّ رداً على ما بذلاه في سبيل راحة أبنائهما من تعب وسهر في حياتهما، فهذه الأم تحمل أبناءها تسعة أشهر طوال، وتذوق من الآم الولادة الكثير لترى عينا أبنائها النور، وهذا الأب يكدح لتحصيل الرزق وتأمين حياة كريمة لهم، بالإضافة إلى ما يتكلفاه من كدٍّ وتعب لتنشئتهم تنشئة صالحة يواجهون بها الحياة.
هنيئاً لمن فاز ببر والديه، فبر الوالدين صفقة رابحة لا محالة، يرى الإنسان بركتها في ماله وبيته وعمله وعمره، على عكس العاق الذي تُنزع البركة والخير من كل أمره بالإضافة إلى سوء الجزاء الذي سيلقاه في الآخرة، ولبر الوالدين صور عديدة تتمثل بطاعتهما وتنفيذ أوامرهما، وعدم التأفف والتذمر منهما، وخفض الصوت في حضرتهما، ومساعدتهما في أداء ما يرغبان من أعمال، بالإضافة إلى احترامهما وإجلالهما في المجالس، وخصّهما بما يحبّان من المأكل والمشرب والملبس، بل وتفضيلهما على النفس في ذلك، فيما لا يعني موت الوالدين انقطاع أبواب برّهما فلقد سُئل النبيّ -عليه السلام- عن برّ الوالدين بعد الوفاة، هل لا يزال إليه سبيل؟ فأجاب بالإيجاب، وقال: (الصَّلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلَّا بهما، وإكرامُ صديقِهما)، (حديث صحيح أو حسن)، حيث يشير الحديث إلى ضرورة إبراء ذمتهما مما علق بها من ديون وحقوق، وإنفاذ أي عهد متعلق بهما، وصلة أرحامهما، وعدم قطعها وبر أصدقائهما وإكرامهم، والتصدّق عنهم، ليكون لهم الأجر المستمر بعد مماتهم.
إنّ بر الوالدين مقامه عظيم وأجره عند الله جزيل، فقد ضمن الإسلام لمن أدرك والديه أحدهما أو كليهما فبرهما الجنة جزاء، فلنحرص على هذه القيمة ابتغاء مرضاة الله أولاً، ورغبة في أن يبرنا أولادنا في المستقبل ويحسنوا إلينا كما أحسنّا ثانياً، فهذه الدنيا عملٌ وجزاء.