محتويات
'); }
تحليل مسرحية الملك هو الملك
الملك هو الملك؛ مسرحية من تأليف الكاتب السوري سعد الله ونوس وهو أحد أهم رواد المسرح العربي، كُتبت هذه المسرحية لأول مرة عام 2006م، وتتكون من 38 صفحة، وتحليلها فيما يأتي:[١]
سيميائية العنوان
عنوان المسرحية هو “الملك هو الملك” وهنا الجملة هي جملة اسمية وهي عكس الجملة الفعلية؛ لأنّ الجملة الاسمية تُمثل الاستقرار والتمكين بينما الجملة الفعلية تُمثل التغيير، وعنوان المسرحية جملة اسمية، إذ تُؤكد على أنّ الملك هو الملك نفسه مع السيادة والسلطة والتحكم في الأشياء، إضافةً إلى الضمير المنفصل “هو” الذي أضاف الإحكام والتثبيت.[٢]
كلمة ملك اسم مشتق من الفعل مَلَكَ، وللملك القدرة على الهيمنة والسيطرة والاستبداد، ولا يحتاج لسؤال أحد عن رأيه، ويبدو أنّ هذه الدراما جاءت من هذه الفكرة؛ لهذا اختار الكاتب سعد الله ونوس “أل التعريف” في هذه الكلمة لتوضيح القوة التي يتمتع بها الحاكم، وهذا التعريف يُعطي الكلمة تفردًا واضحًا.[٢]
'); }
أفكار النص
تضمنت مسرحية “الملك هو الملك” مجموعةً من الأفكار التي حاول الكاتب التعبير عنها، وأبرزها ما يأتي:[٣]
- الملك أو الحاكم هو المُتسلط الأول والأكبر في مقدرات الشعوب؛ إذ يُمكنه أنْ يفعل أشياء لا يستطيع أيّ إنسان على وجه الأرض القيام بها، فهو متسمك بالعرش ويأبى أن يتنازل عنه.
- الملك هو المتحكم الأول وليس الحاشية؛ لأنّ البعض يعتقد خطأً أنّ أتباع الملك يُخطئون دون علم الملك، والملك لا يعلم ذلك، إذ يعتقد سعد الله ونوس خلاف ذلك، فهو يرى أنّ الملك يعلم بكل شيء.
- الطبقية هي التي تتحكم في المجتمع، وهذا المجتمع يتحكم فيه رجل واحد يُسمى الملك.
- تحول الملك القاسي في النهاية إلى لعبة خشبية مذابة في رمز الملك المتمثل بالصولجان “عصا الملك” والعرش والتاج، فهو دون هذه المظاهر لا يُساوي شيئًا.
- التعرض المباشر للحديث عن ظلم الملك وفساده، والابتعاد عن الحديث عن حاشية الملك في جميع الأعمال الدرامية السياسية الماضية.
- الحل الوحيد للمضطهدين هو تغيير الملك الفاسد نفسه، وليس التفكير في تغيير الحاشية لحل المشكلة.
- الإرهاب هو الحل الوحيد عند الملك الطاغية، فهو لا يفشل في تلبية احتياجات الناس فحسب، بل يميل إلى قمعها، وهو ما عالجه سعد الله ونوس مباشرًة في مسرحيته.
- وجود ملك مُتعجرف على عرشه ليس أكثر من تلبية لرغبة طبقة اجتماعية معينة، ووجوده شرط ضروري لتلبية متطلباتها.
- الحاشية هي التي تُعين الملك على الظلم، وطالما أنّ الحاشية تُساعد الملك في الحفاظ على عرشه، فإنّه لا يهتم إنْ كانت صالحةً أم فاسدةً.
الشخوص
الشخصية هي المحرك الرئيسي للمسرحية، وهو العضو النشط الفعلي الذي يُغير مسار الحدث من البداية إلى النهاية، ويخلق الكتاب الناجحون أدوارًا ذات أبعاد نفسية واضحة بناءً على الأدوار التي تلعبها الشخوص، وفيما يأتي تفصيل للشخصيات في مسرحية “الملك هو الملك”:[٤]
- الملك
هو بطل المسرحية، وهو شخصية نرجسية لا تهتم إلا بنفسها، كان يُحاول دائمًا الترفيه عن نفسه حتى اخترع اللعبة التي قادته إلى النهاية، اللعبة التي اعتقد أنّه بطل فيها، وكان مجرد ضحية لها، ليعلم أخيرًا أنّه: “عندما يضجر الملك يتذكر أنّ رعيته مسلية ومليئة بالطاقات الترفيهية”.
- الوزير
هو شخصية رئيسة، وهو أكثر فطنة من الملك، إذ يعلم أنّ اللعبة التي اخترعها الملك تُؤدي إلى منزلقات خطيرة لا قدرة لهم فيما بعد على تدبيرها، ويُحاول الوزير في كل لحظة أنْ يُقنع الملك بالعدول عن فكرته، ولكنّ الأخير كان يظنّ أنّ ما يخوضه مغامرة لا بُدّ من حدوثها، وكان الوزير في بادئ الأمر مليئًا بالوفاء لملكه ويصفه بعبارات عظيمة.
- الملكة
شخصية ثانوية في المسرحية، ولا تعترف بالطاعة إلا للرجل الذي يرتدي رداء الملك وتاجه، فعندما خلع زوجها رداءه لم تعد تتعرف عليه، وعندما لبس الخادم رداء زوجها أصبحت تُعامله مثل ما كانت تُعامل زوجها القديم.
- أبو عزة
شخصية ثانوية، فهو تاجر سوق أصبح مُفلسًا بعد أنْ تشاجر مع الشهبندر، ولم يعترف بالإفلاس أبًدا، بل ظل يُحاول عيش حياة الثراء ولو كان ذلك في مُخيلته فقط.
- أم عزة
شخصية ثانوية، وهي أم الأبناء وزوجة أبو عزة، إذ حاولت إخراج العائلة من الأزمة المالية التي لم يهتم بها زوجها الذي أغرق نفسه بالمنكرات بعد أنْ فشل في استعادة ثروته.
- عزة
شخصية ثانوية، فهي الفتاة التي لم تعد قادرةً على العيش في المنزل، وتُحاول دائمًا إيجاد مخرج، حتى في ذهنها عندما تُفكر في فارس أحلامها، وبرز ذكاؤها وحكمتها في بعض الأماكن في المسرحية.
- عرقوب
شخصية ثانوية، وهو خادم فاسد أخلاقياً، حاول استغلال فقر أبو عزة بعد أنْ كان خادمًا له وسخر منه، بل وتزوج من ابنته مع أنّها لا تُحبه، ولم تكن لديه أيّ صفة من صفات الذكاء.
- ميمون
شخصية ثانوية، وهو الخادم الذي لم يكن يعرف وجه سيده، إذ تُمثل شخصيته ذوبان الفرد أمام مظاهر السلطة التي تتمثل بالصولجان والرداء والتاج، فعندما خلعهم الملك لم يتعرف عليه قط.
- السياف ومقدم الأمن
شخصيتان رتيبتان ثانويتان، يهتمان فقط بتنفيذ الأوامر حتى أصبح التنفيذ متعةً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ السيّاف يشعر بنوع من النشوة عند فصل الرأس عن الجسد.
- الشيخ طه وشهبندر التجار
شخصيتان ثانويتان تُمثلان بوضوح تحالف القوة الاقتصادية والسلطة الدينية؛ لتكون الثانية شرعيةً على الأولى، وهو أمر شائع أيضًا في المجتمع عندما يكون رجل الدين غير أهل لذلك.
- زاهد وعبيد
شخصيتان ثانويتان تُمثلان الفئة التي تحلم بالتغيير، وهما مطلوبان للأمن؛ كما أنّهما يتنكران حتى لا يُكشفا فالأول يرتدي زيّ حمّال، والثاني يرتدي زي متسول.
الحوار
يجب أنْ يكون الحوار في المسرحية قصيرًا؛ لأنّ أصل المسرحية يعتمد على التبادل المباشر للعبارات بين الشخصيات، ومن خصائص هذه العبارات أنّها مرتبطة بالأدوار التي تُؤديها، فمثلًا لغة الشيخ تختلف عن لغة الوزير وتختلف أيضًا عن لغة الملك، وعمد سعد الله ونوس إلى استخدام العبارات القصيرة التي استطاعت أنْ تُعبر عما حدث داخل كل شخصية.[٥]
برز ذلك في حوار الشهبندر والشيخ طه عند قولهم: “الشيخ طه والشهبندر معًا: نحن من المحراب ومن السوق نمسك الخيوط، الشيخ طه: خيط يمسك العامة، الشهبندر: وخيط يمسك أسباب الرزق والتجارة”.[٦]
الزمان
بدأ الزمن الخارجي لرواية “الملك هو الملك” عندما سئم الملك من حياته، وبدأ يُحاول أنْ يجعل من الرعية تسلية له فيدس المنوم لأبي عزة ويجعل منه ملكًا مستغلًا جنونه وخمرته، بمعنى آخر إنّ الزمن الخارجي في المسرحية هو الوقت الحاضر.[٧]
أمّا الزمن الداخلي فهو الماضي الذي تستحضره الذاكرة، وينطبق الشيء نفسه بالنسبة للزمن المستقبلي الذي تعيش فيه الشخصية في الحلم، سواء كان حلم نوم أو يقظة.[٧]
“ضاقت عيون التجار وعلى رأسهم الشهبندر الأكبر فنصبوا لزوجي مكيدةً فاحشةً ولقلة حيلته لم ينتبه إلا بعد أنْ أوقعوه”،[٨] يُستعرض الآن في هذا الكلام الزمن الماضي؛ ليُعبر عن معاناة الزمن الحاضر.[٧]
الأمكنة
عادة ما يكون المكان الحقيقي للمسرحية هو خشبة المسرح، لكن الأمكنة المقصودة من الرواية تُعرف غالبًا من الحوار الذي يدور بين الشخصيات، إذ تنوعت الأماكن في مسرحية سعد الله ونوس ما بين أماكن مفتوحة وأخرى مغلقة، أمّا الأماكن المفتوحة فبرزت في المدينة وهي الفضاء العام المفتوح الذي يلتقي فيه كافة النّاس ومن جميع الأطياف.[٩]
أمّا الأماكن المغلقة فهي أيضًا أماكن خاصة لا يستطيع دخولها سوى عدد قليل من الأشخاص ومنها القصر الملكي المليء بالملل والضجر الذي يشعر به الملك دائمًا، وهو مكان منعزل عن الجميع، وبيت أبي عزة الذي يعج باليأس نتيجة الوضع الذي يُقاسي منه أبا عزة وأبنائه وزوجته، والجامع هو واحد من الأماكن المغلقة التي تُصور على أنّها برج من أبراج المراقبة على عامة الشعب.[٩]
الصراع
الصراع والتناقضات في مسرحية “الملك هو الملك” يُعبر عنها بوضوح بعرض الرغبات الإنسانية للبشر والأشياء وما تُواجهه هذه الرغبات، ويتنوع الصراع في المسرحية ما بين الصراع الساكن الذي تمثل في العبد ميمون الذي بقي ذائبًا في شخصية الملك التي تتمثل في الرداء والتاج.[١٠]
أمّا النوع الثاني من الصراع فهو الصراع الصاعد الذي يظهر في شخصية أبي عزة، فهو لم يعد معاديًا لرؤوس الفساد في الدولة بعد أنْ صار ملكًا، ولم يعد غاضبًا على الشهبندر أو الشيخ طه فهُم الآن من أركان دولته، ليكون الصراع الأخير الذي يضع المتلقي في حالة من التوتر، فلا الملك يعود إلى عرشه ولا أبي عزة يعود لسالف أمره.[١٠]
بنية اللغة والخطاب
إنّ لغة النص المسرحي مكتوبة باللغة العربية الفصحى، ولم يكتب سعد الله ونوس المسرحية كلها بنفس اللغة، إذ كان يتدرج ما بين صعود ونزول فيها تبعًا للشخص الذي يتكلم، واستطاع أنْ يُوظف التراث الديني والتراث التاريخي بوضوح في المسرحية، كما هيمن السجع أكثر من مرة على بعض أجزاء المسرحية.[١١]
حاول ونوس في بعض الأحيان استعمال اللغة الفصيحة القريبة من العامية، لكن ذلك لا ينفي العمق الفني الذي استطاع الكاتب أنْ يغوص فيه في المسرحية، إذ كانت العبارات تتناسب مع الموقف المطروح، فلا مبالغة ولا زيادة ولا إطناب في غير محله، واستطاعت اللغة أنْ تخدم الهدف المطلوب من وراء المسرحية مباشرًة خاصةً أنّها موجهة للفئة العامية.[١١]
العبرة من المسرحية هي أنّ تغيير الأشخاص في السلطة لا يعني تغيير السلطة نفسها، وأنّ اتباع الرغبات واتخاذ القرارات دون تفكير مسبق بالنتائج سيضر ذلك صاحبه لاحقًا وستكون النتائج وخيمةً.
المراجع
- ↑ سعد الله ونوس، الملك هو الملك، صفحة 5. بتصرّف.
- ^ أ ب رابح ذياب، الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 70. بتصرّف.
- ↑ أسماء أبو الفتوح، صورة السلطة في مسرح سعد الله ونوس، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ رابح ذياب، الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 93 – 104. بتصرّف.
- ↑ رابح ذياب، الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 110 – 112. بتصرّف.
- ↑ سعد الله ونوس، الملك هو الملك، صفحة 4.
- ^ أ ب ت رابح ذياب، الخطاب المسرحي في مسرحية الملك هو الملك، صفحة 122 – 123. بتصرّف.
- ↑ سعد الله ونوس، الملك هو الملك، صفحة 31.
- ^ أ ب رلبح ذياب، الخطاب المسرحي في مسحية الملك هو الملك، صفحة 130 – 133. بتصرّف.
- ^ أ ب رابح ذياب، الخطاب المسرحي في مسرحية سعد الله ونوس، صفحة 133-136. بتصرّف.
- ^ أ ب سهام علي، الأنساق الأسلوبية المهيمنة على لغة السرد، صفحة 188. بتصرّف.