محتويات
'); }
التحليل الموضوعي لرواية الجريمة والعقاب
كاتب الرواية هو الأديب الروسي فيودور ديستوفيسكي، تتميز رواياته بأنها تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية، وتقدم تحليلاً ثاقباً للحالة النفسية لأبطال رواياته، وتتحدث رواية الجريمة والعقاب عن جريمة قتل، إلا أن أحداث الرواية ليست من ساحة الجريمة، إنما هي من نفسية المجرم، فالقارىء لهذه الرواية، يعرف اسم المجرم، وكيف ارتكب جريمته، ومتى حدثت، وسيكون القارىء بمثابة الشاهد الوحيد عليها، على الأقل في بداية الرواية.[١]:
تناقضات وصراعات النفس البشرية
بطل الرواية هو الطالب راسكولنيكوف، ترك دراسته لفترة، ويعيش في حجرة متواضعة، وتوجد فكرة شيطانية في رأسه، ويحاول راسكولنيكوف طردها من تفكيره، ويستنكر أنها راودته أصلا، لأنها فكرة مقززة وقذرة، ومن شدة استنكاره للفكرة، لم يجرؤ على النطق بها، أي أن الجريمة بدأت من فكرة مُستنكرة، وفي الفترة ما بين استنكاره للفكرة، وبين تنفيذها، تمر ببطل الرواية أحداثًا.[١]: هو منطوٍ على نفسه، وليس اجتماعيًا، إلا أنه في أحد الأيام سمع حواراً بين شخصين، إذ يطرح أحدهما على الآخر فكرة اشتراكية، فيقول أنه يوجد عجوز مرابية، لديها الكثير من المال الذي تمتصه من الناس عند رهنهم أشيائهم عندها، وفي المقابل يوجد آلاف الفقراء، الذين يمكن أن تُنقذ أرواحهم، لو وُزع هذا المال عليهم، فلماذا لا تُقتل هذه العجوز ويُؤخذ مالها ليخدمهم، فيتبنى راسكولنيكوف الفكرة.[١]:
'); }
معاناة الإنسان الضحية
كان راسكولنيكوف شخصية عملية، مقتنعُ بأن السبب الأساسي الذي يجعل الأشخاص يتعاملون بطريقة أخلاقية مع بعضهم، هو جُبنهم وعدم قدرتهم على التخلص من قيود التقاليد، وقد عذّبته هذه الأفكار، فهو طالب في القانون، يعاني الجوع والفقر والمشاكل العائلية، وأمه مريضة لا تملك المال، وأخته تخطط للزواج من شخص مُستبِد لا تحبه، على أمل أن يوفر ذلك لعائلتها المال، فيكمل أخيها دراسته.[١]:
عانى الجوع والمرض والهذيان، وسيطرت عليه الأفكار العدمية، ورأى أن حل المشاكل يكمن في قتل شخص عديم الفائدة والاستفادة من ماله، وتحرير أخته من زواج غير قائم على الحب، وأصبح يتبنى المواقف المعاكسة لأفكاره، فهو يفكر في أمر ما، ثم يثبت رأيه بالحجة، ثم يعاني ضميره أثر فكرته، فيجادل نفسه بأن الحياة الصعبة هي التي تدفعه إلى ارتكاب فعله.[١]:
الحب والخطيئة
يُظهر ديستوفيسكي شخصية بطل روايته راسكولنيكوف على أنه شخص كئيب ومأساوي، أغفل تمامًا حياته العاطفية، إلا أنه متعاطف وطيب، يعيش في عصر يغلب عليه السذاجة والعاطفة، كما أنه شخص يجري بجنون خلف فكرته رغم أنها خطيئة لها عواقبها، ورغم خطاياه، فإن له قلب رقيق، فهو قاتل ملطخ بالدماء، يطلب – مرتبكًا – من بوليشكا الفتاة الصغيرة التي تشكره بمحبة على كرمه، أن تصلي من أجله.[١]:
كذلك رغم كل الظروف السيئة، ورغم تعرضه للظلم، فقد نشأ بينه وبين صوفيا حب طاهر،علماً أنّه رجل قانوني أحبَّ صوفيا، الفتاة التي تبيع جسدها مقابلَ المال الذي تحتاجه، فقد فهمته، وعرفت ما قام به، إلا أنها وقفت جانبه وانتظرته، فكانت تمثل علاقتهما حقيقة الحب والتضحية بالنفس والغفران، وهكذا بدأ التجدد الأخلاقي تحت تأثير حب صوفيا.[٢].
التحليل الأسلوبي لرواية الجريمة والعقاب
وفيما يلي نستعرض أهم جوانب التحليل الأسلوبي لرواية الجريمة والعقاب:[٢].
الفلسفة العدمية
يعتبر ديستوفيسكي من مؤسسي العدميّة، فأسلوبه في الكتابة يرتكز على اعتماد العدمية مذهب أدبي وفلسفي ملحد، فقد اختار أن العدم هو الوجه الآخر للوجود، وأنها حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة السطحية للأمور، وفي رواية الجريمة والعقاب، فإن راسكولنيكوف قتل المرأة المرابية لأنه يرى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء، وبالتالي فإن كل شيء مباح، ولا معنى للأخلاق. [٣]
الإسهاب الوصفي
إن القسوة التي تميزت بها رواية دوستويفسكي ونهايتها والجريمة التي حدثت بداخلها والحركة والأحداث فيها، كلها ما هي إلا وصف وانعكاس حقيقي لقسوة الواقع في تلك المرحلة التي كان يعيشها الكاتب نفسه، كما أن الكاتب برع وصف الأماكن والشخصيات من ناحية لباسها وتعايير وجهها ووصف الأحاسيس والنفسيات، فيشعر القارىء بفقر الفقراء والأسى الذي تعانيه الطبقة الفقيرة من المجتمع.[٣]
السوداوية
يصف ديستوفيسكي الحقيقة الإنسانية السوداوية، وهي أن الحياة عبارة عن عذاب مستمر، ومع ذلك فإنه يوجد خلاصاً، فكان خلاص راسكولنيكوف باعترافه بجريمته، ومواجهة عقوبته، وفي أمله بصوفيا التي أمدّه وجودها في حياته بالأمل، كما أن الكاتب تعمد انتقاء الكلمات الأشد سوداوية، لوصف حالة شخصياته ومعاناتهم.[٣]
الاستعارة والصور الفنية في رواية الجريمة والعقاب
وفيما يلي نستعرض أهم جوانب الصور الفنية في رواية الجريمة والعقاب:[١]:
الرمزية
يعد ديستوفيسكي رائداً للحركة الرمزية في الأدب الروسي، فهو يَستخدم الرمز للتعبير عن الأفكار والمشاعر والرّؤى والهواجس، وكانت هذه الحركة ردَّة فعل على المدرستين الانطباعيّة والواقعيّة، والهدف من هذه الحركة هو التعبير عن أسرار الوجود وما فيه عن طريق الرمز، فهو يُعطي انطباعًا للقرّاء عن الوعي الباطن مبيِّنًا الأحلامَ الداخلية والأفكار الخاصة.[٣]
الحوار والسرد في رواية الجريمة والعقاب
الحوارات التي جاءت في الرواية، أكثر كثافة من مَشاهدها، سواء حوارات بين الشخصيات أو مونولوجاً داخلياً، أما أسلوب السرد فكان أغلبه بضمير المتكلم “أنا”، وكان طويلاً على نحو مرهق يخوض في تفاصيل الزمان والمكان والمشاعر، الأمر الذي قد يجعل القارئ المبتدىء لا يحسن الربط بين التفاصيل، ويفوته الكثير من علاقة الشخصيات ببعضها.[٣]
المنحنى الروائي والدرامي
إن رواية الجريمة والعقاب عبارة عن تتالي لحوادث إنسانية من ناحية، ومن ناحية أخرى هي مغامرة لا تستطيع أن تهتدي إلى معنى، لأن عنصرًا مختلفًا في ماهية راسكولنيكوف يحاول أن يتداخل مع حياته الأرضية ومع سيكولوجيته المعقدة، يحاول راسكولنيكوف البحث عن هذا العنصر فيكتشف بعد الكثير من التأني أن لا معنى للأخلاق. [٤]
الحوار السردي
يقوم دوستويفسكي طوال الرواية بسرد الحالة النفسية والذهنية لبطل الرواية راسكولينكوف، واصفاً حالة الاهتياج والهذيان والشرود الذهني بدقة، والتي تتفاقم بفعل الأوضاع التي كانت عليها مدينة بطرسبرج وشعوره بالاغتراب عنها، عن طريق الحوارات بين شخصيات الرواية المختلفة، مما يجعل الفكرة أو النقد يصل للقارىء بطريقة أسلس في أثناء قراءة الحوار.[٢].
المونولوج الفلسفي
إذ كثرت في الرواية المحادثة الذاتية، فقد كانت العديد من الشخصيات تتحدث إلى نفسها، في سبيل الكشف عن نوايا محددة لأفعاله، وأهمها حوار راسكولينكوف مع نفسه ومونولوجه الداخلي الطويل الذي يمتد على مدى صفحات الرواية، إذ كان يخبر ما يدور في رأسه[٢].
تحليل شخصيات رواية الجريمة والعقاب
إن العديد من الشخصيات في رواية دوستويفسكي، قد وصفت بأنها تعرض الصور النمطية السلبية[٥]:
- روديون رومانوفيتش راسكولينكوف (روديا، رودنكا، أو رودكا): طالب فقير، يعتقد أن لديه الحق بتجاوز القوانين مقابل إثبات فكرة جديدة للبشرية جمعاء، ويستخدم هذه النظرية كمبرر لارتكابه جريمة قتل.
- بورفيري بتروفيتش (المحقق): المحقق المسؤول عن التحقيق في ملابسات الجريمة.
- نيكوديم فوميتش( ضابط شرطة وسيم): كان متواجدًا في مسرح الجريمة، ويعلم بورفيري بهذه الحقيقة.
- ايليا بتروفيتش (ضابط شرطة صاخب): ومتعجرف إلى حد ما، يدلي راسكولينكوف له باعترافه في النهاية.
- دنيا (أفدوتيا رومانوفنا راسكولينكوف): أخت راسكولينكوف المخلصة التي كانت في السابق لدى سفيدريجيلوف.
- أليونا إيفانوفنا (المرابية العجوز): التي قام بقتلها راسكولينكوف.
- ليزافيتا إيقانوفنا (الأخت غير الشقيقة لأليونا): والتي تعرضت للعنف والتحقير من قبلها.
- براسكوفيا بافلوفنا (صاحبة الغرفة التي يسكنها راسكولينكوف): وهي امرأة خجولة وممتلئة القوام.
- ناستاسيا براسكوفيا بافلوفنا (الخادمة التي تصادق راسكولينكوف) وتعتني به عندما يكون مريضًا.
أبرز آراء النقاد حول رواية الجريمة والعقاب
لم تكن روايات ديستوفيسكي تحظى بنقد إيجابي دائما، فبعض النقاد كانوا يرون أن رواياته فلسفية بطريقة مبالغ بها، ومنهم[١]:
- نيكولاي دوبروليوبوف: ناقد أدبي وصحفي روسي وُلد عام 1863، انتقد شخصيات الرواية وعدّها شبيهة بالدمى.
- إيفان بونين: أديب وشاعر روسي وُلد عام 1870، رأى أن كتابة ديستوفيسكي فلسفية وليست أدبية.
- فلاديمير نابوكوف: كاتب روسي أمريكي ولد عام 1899، اعتبر نابوكوف أن دوستويفسكي ظل طوال حياته يعرض في أعماله ذلك الصراع المحبب إلى نفسه، صراع من يتحلّون بالفضيلة ضد ظروفهم القاسية، معتقدين أن فضيلتهم ستصمد، ويقول: “ديستوفيسكي ليس كاتبًا عظيمًا، بل كاتبًا متواضعًا، مع ومضات من الفكاهة الممتازة والتفاهات الأدبية.
- رينيه ماريل ألبيريس: يرى الروائي الفرنسي أن دوستويفسكي تعامل مع الإنسان باعتباره كائنًا ميتافيزيقيًا، تُعد دوافعه عن اللاشعور أو اللاوعي والعقل الباطن، لهذا عدت رواية دوستويفسكي تقاطعًا بين رؤيته الفنية والفلسفية، والتفسيرات الفرويدية للاوعي البشري.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ” ANALYSIS OF FYODOR DOSTOEVSKI’S NOVELS Literary Theory and Criticism”, literariness , Retrieved 6/9/2021. Edited.
- ^ أ ب ت ث , “The Lockdown Lessons of Crime and Punishment “, The New Yoker, Retrieved 6/9/2021. Edited.
- ^ أ ب ت ث ج , Crime and punishment a mind to murder, Boston: Twayne Publishers, Page 136. Edited.
- ↑ “THE BRIDGES OF ST. PETERSBURG”, University of Toronto, Retrieved 6/9/2021. Edited.
- ↑ “crime and punishment”, cliffs notes, Retrieved 6/9/2021. Edited.