محتويات
'); }
الحقوق في الإسلام
لقد شرع الإسلام نظاماً فريداً، يَضمن لُحمة المجتمع الإسلاميّ، وتَراحمه، وشَرع الحقوق والواجبات بين المجتمع الإسلاميّ بتكويناته المتعددة في البيت، والأسرة، والحي، والبلد، والمدينة، والدولة بأسرها، حرصاً على المجتمع، وكل ما من شأنه أن يَضمن سعادته وتَطوّره، وذلك في حال التزام كل فردٍ من أفراد المجتمع بما عليه من حقوقٍ للآخرين، فمتى التزم كل إنسانٍ بواجباته، وأدَّاها على الوجه الصحيح يتحقق سببٌ من أهم أسباب السعادة على صَعيد الفرد والمجتمع.
حقوق الجار
جَعل الله سبحانه وتعالى للجار حُقوقاً شرعيّةً على جيرانه، فإذا التزم المسلمون بهذه الحقوق، سَادت بَينهم روح الأُلفة والمَحبة والتسامح، والتي تَصبغ المجتمع بصبغةٍ إسلاميّةٍ تُميّزه عن غيره من المجتمعات، ومن أهم حقوق الجار:[١]
'); }
- أن يَكف الجار الأذى عن جاره، ويَدفع عنه كُلّ ما يُؤذيه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أنه قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)[٢]
- وجاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (واللهِ لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ قيل: من يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه؟ قال: شرُّه)[٣]
- أن يُهدي الجار إلى جاره، ويَبذل له المعروف؛ لأنّ الإهداء إلى الجار وبذل المعروف يُوقع في قلب الجار الذي أهدى إليه أثراً عظيماً، فالهدايا وبذل المعروف تُقرِّب النفوس، وتَزرع المحبّة، وتُزيل الأحقاد، وتُبرهن على حُسن الجوار.
- أن يُحبّ الخير لجاره، فمن حقوق الجار محبّة الخير له، والبعد عن حسده، وأن يحب لجاره ما يحب لنفسه، فقد رُوي عن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (والذي نفسي بِيَدِه، لا يؤمِنُ عَبدٌ حتى يحِبَّ لِجارهِ- أو قال لأخيه- ما يحِبُّ لِنَفسِه)[٤]
- أن يُقدِّم الجار لِجاره كلّ مُساعدة ماديّة مُمكنة، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام: (لا يمنعُ أحدُكم جارَه أن يغرزَ خشبَه في جدارِه. قال: ثم يقولُ أبو هريرةَ: ما لي أراكم عنها معرضين؟ واللهِ! لأرمين بها بين أكتافِكم)[٥]
- أن يَحفظ عورات جاره، وما قد يكون من نَقصٍ في بيته.
- أن يحافظ الجار على جاره في ماله وعرضه، فلا يَخون الجار جاره، ولا يُؤذيه في أهله، فقد رُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (سألتُ، أو سئلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الذنبِ عندَ اللهِ أكبرُ؟ قالَ: (أنْ تجعلَ للهِ ندًا وهوَ خَلَقَكَ) قلتُ: ثمَّ أيُّ؟ قالَ: (ثمَّ أنْ تقتُلَ ولدَكَ خِشيَةَ أنْ يطْعَمَ معكَ). قلتُ: ثم أيُّ؟ قالَ: (أنْ تُزانِيَ بحليلةِ جارِكَ). قالَ: ونزلَتْ هذهِ الآيةُ تصديقًا لقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ})[٦]
- أن يُشارك الجار جاره في أحزانه وأفراحه، ويواسيه في حال المصيبة بأنواعها، ويقف معه ويُسانده، ولا يكون مَصدر إزعاجٍ وقلقٍ لجاره.[٧]
فضل الإحسان إلى الجار
إنَّ أقرب الناس للإنسان وأكثرهم معرفةً به وبأحواله هم جيرانه القريبون منه سَكناً، ولا تَخفى شِدَّة حاجة الإنسان إلى جاره، وقُوة تأثير الجار في جاره، وعِظم حقه عليه، وأنّ القيام بحق الجار من أوجب الواجبات، ومن أكبر أسباب السعادة والراحة، وقد كان العرب في الجاهلية يتفاخرون بحسن الجوار، ويتفاخرون بإكرام الجار، ورعاية حقوقه، فلمّا جاء الإسلام أكّد على حق الجار، وأنّ للجار حقاً عظيماً، قال تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ…)[٨] فالله سبحانه وتعالى يوصي بالإحسان إلى الجار مهما كانت مكانته، ومهما كانت درجة قربه، ولم تحدد الآية ديناً أو لوناً أو عرقاً، بل دعت إلى الإحسان إلى الجيران، وأوصت بالجار على إطلاقه دون تحديد.[٧]
أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجار كما أوصاه الله به عن طريق الوحي، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنهاـ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما زالَ يوصيني جبريلُ بالجارِ حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيورِّثُهُ)[٩]
ورُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيُكرِمْ جارَهُ)[١٠]
وهذا يَدُلّ على فَضل إكرام الجار، وعلى فَضل حسن معاملته، وأن إكرام الجار وحُسن معاملته صفاتٌ تَدُل على كمال الإيمان وتمامه.[١١]
أصناف الجار
عند النظر في تصنيف الجار، يُنظر إلى الجار من عدّة جهات، وهي:
- مدى قرب مسكن الجار لجاره، وهل هو جارٌ مُلاصقٌ أم لا؟ ويُصنف الجيران من حيث المسافة بُعداً وقُرباً.
- هل هو جارٌ مسلمٌ أم غير مسلم؟
- هل تَربط الجار بجاره صِلة قُربى أم لا؟
فالجار المسلم الذي يرتبط بجاره بصلة قُربى، وقريبٌ من حيث السكن لجاره، له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق المسلم، وحق القُربى. أما الجار المسلم القريب في السكن وليس من ذوي القُربى له حقان: حق الإسلام، وحق الجوار. والجار غير المسلم وليس من ذوي القُربى له حقٌ واحدٌ وهو حق الجوار.[١٢]
فيديو عن حقوق الجار
لمعرفة المزيد شاهد الفيديو التالي
المراجع
- ↑ عابد بن عبد الله الثبيتي (20-10-2013)، “حقوق الجار”، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22-2-2017.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2560، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2550، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 45، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1609، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 4761، صحيح.
- ^ أ ب زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) (1422هـ – 2001م)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 349، جزء 1.
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6014، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي شريح العدوي الخزاعي الكعبي، الصفحة أو الرقم: 6019، صحيح.
- ↑ محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)، الآداب الشرعية والمنح المرعية (الطبعة الأولى)، الرياض: عالم الكتب، صفحة 16، جزء 2.
- ↑ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ) (1420هـ -2000 م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، السعودية: الرسالة، صفحة 177.