محتويات
'); }
جابر بن حيان
إنّ ريادة جابر بن حيان في منهجيّة البحث العلميّ، وسبقه في مجال النظريّة والتجربة والتطبيق، وتطويره للفكر الإنسانيّ من فكرٍ يؤمن بالخرافة والإكسير إلى فكرٍ علميٍ نيّر، جعلت منه بلا منازع شيخ الكيميائيّين.[١]
وُلِد العالم العربيّ أبو موسى جابر بن حيّان في عائلة علم ودين، وكان ذلك عام 103هـ الموافق لعام 721م، أمّا عن مكان مولده فقد اختلف فيه الرّواة؛ فمنهم من قال إنّه وُلِد في منطقة الفرات في بلاد العراق، ومنهم من قال إنّه وُلِد في حران، وقيل أيضاً إنّه وُلِد في طوس في إقليم خراسان؛ وهو القول الرّاجح.[٢]
'); }
انطلاقة جابر بن حيان
تلقّى جابر بن حيان علمه بدايةً على يدَي والده، فتعلّم منه العطارة وأتقنها، لكن ما لبثت السّنون حتى أخذت من جابر أباه في المعارك الدائرة حول السُّلطة، وعلى إثر ذلك انتقل جابر للعيش في الكوفة؛ حيث تتلمذ على يدَي الإمام جعفر الصّادق الذي قرأ تراجم الكيمياء عن اليونانيين، والهنود، والمصريّين، والصّينيّين، والفرس، لكن وجد جابر أنّ كثيراً من هذه العلوم قد شابتها الأساطير والخرافة، لذا انطلق إلى دراسة العلوم بنمطٍ علميّ تجريبيّ، ووضع منهجيّةً جديدةً في التدارس، وقد أثبتت منهجيته التجريبيّة نجاحها بثمارها الباهرة.[٣]
انطلق جابر بن حيان في بحوثه بدراسة النظريّة الإغريقيّة -نظريّة العناصر الأربعة- التي تنصّ على أنّ كلّ موجودات الكون ما هي إلا مزيجٌ من أربعة عناصر رئيسيّة، هي: الهواء، والماء، والتّراب، والنار، وأنّ كلَّ موجودٍ تتغيّر صفاته تِبعاً لنسبة كلّ عنصر رئيسيّ في مزيجه، كانت هذه النظريّة سائدةً قبل بحوث جابر بآلاف السنوات، وبعد البحوث التي أجراها دخل في دراسة خصائص الموادّ، وتعريضها للحرارة والطّرق، وسجّل أثناء دراسته هذه الكثير من المشاهدات والملاحظات، وأسّس بذلك منهجيّتَي التجربة والتحليل في علوم الكيمياء.[١]
إسهامات جابر بن حيان في الكيمياء
استطاع جابر بن حيان أن يُحدِث قفزةً نوعيّةً في تجاربه عن طريق تطويره لجهاز التقطير؛ وهو جهازٌ زجاجيّ يفصل المواد الكيميائيّة السائلة عن بعضها؛ نتيجةً لاختلاف درجات غليانها، ومن خلال إدراكه مفاهيم التبخّر والتكاثف والذوبان، واستطاع ابن حيان أيضاً أن يُحضِّر أحماضاً مختلفةً وكثيرةً، كان منها: حمض الأسيتيك (بالإنجليزيّة: Acetic Acid) المُستخرَج من الخلّ، كما حضّر حمض الطرطريك (بالإنجليزيّة: Tartaric Acid) المُستخرَج من فضالة الخمر، وحضّر أيضاً حمض الستريك (بالإنجليزيّة: Citric Acid) من الفواكه غير النّاضجة، والتي كان لها إسهامات كبيرة وأساسيّة في علوم الكيمياء التطبيقيّة.[١]
إنّ من يعرف الهدف لا يعدم الوسائل، وبهذا الفكر استطاع جابر بن حيان أن يتغلّب على عشوائيّة التجارب باختراع جهاز للوزن، فأصبح باستطاعته حساب الوزن النوعيّ للمادة الصلبة أو السائلة عن طريقه.[٣] يُذكَر أيضاً أنّ ملامح العمران قد تطوّرت تطوراً كبيراً بعد ابتكار جابر بن حيان الحبرَ الذهبيَّ، وذلك بعد مزجه حمضَي النيتريك والهيدروكلوريك معاً، فأذاب هذا المزيج المعادن المختلفة وعلى رأسها الذهب، وجعلها قابلة للطّلي والكتابة، وأحدثَ بذلك ثورة حقيقيّة في فنون العمارة؛ في العالم العربي والإسلاميّ، والإمبراطوريّة الأوروبيّة آنذاك.[٢]
تراث ابن حيّان المكتوب
ترك ابن حيّان عدداً كبيراً من المؤلّفات العلميّة التي تجاوزت 500 رسالة في الكيمياء، كان قد سطّر فيها غزارة علمه وبديع ابتكاراته، وله رسائل في المرايا كذلك، كما ترك آثاراً ومؤلّفاتٍ في الطبّ والفلسفة والرياضيّات أيضاً، وهذا يدلّ على موسوعيّة هذا العالم الجليل. تُرجمت الكثير من مؤلفات ابن حيّان إلى لغات العالم، وتُعدّ مؤلّفاته حتى اللحظة مرجعاً رئيسياً لطلبة الدراسات العليا في جامعات العالم، وقد أسهمت في بناء أساسٍ صلبٍ للكيمياء الحديثة، ومن مؤلّفاته:[٤]
- كتاب الخواص الكبير: وهو أشهر كتبه على الإطلاق؛ وتوجد نسخته الأصليّة في المتحف البريطاني.
- كتاب أسرار الكيمياء.
- كتاب أصول الكيمياء.
- كتاب الرحمة.
- كتاب السبعين.
- كتاب البحث عن الكمال.
- كتاب الأتون.
- كتاب العهد.
يُذكَر أنّ كتابَي ابن حيان نهاية الإتقان ورسالة الأقران قد تُرجِما إلى اللاتينيّة في القرن الثالث عشر الميلادي، وكانَ لهما أثر بارز في رسم المنهج التجريبيّ الأوروبيّ، الذي أنار الطريق فيما بعد لعلماء أوروبيّين كبار، أمثال: روجر بيكون، وفرانسيس بيكون، وروبرت الشستري، ونيوتن، وبريستلي، وألتون، وجاليليو، ولافوزاييه، وغيرهم.[٣]
من أقوال جابر بن حيّان
ممّا وردَ في أثر جابر بن حيّان ووضّح فلسفته في تجاربه أنّه قال:[٣]
- (من كان دؤوبـاً كان عالِماً حقاً، ومن لم يكن دؤوباً لم يكن عالماً، وحسبُك بالدّربة في جميع الصنائع، إنّ الصانع الدّرب يحذَق، وغير الدّرب يُعطِّل).
- (إنّ كلّ نظريّةٍ تحتمل التصديق والتكذيب؛ لا يصحّ الأخذ بها إلا مع الدليل القاطع)
- قال ابن حيّان في كتابه الخواص الكبير: (إنّنا نذكر في هذا الكتاب خواصّ ما رأيناه فقط، دون ما سمعناه أو قرأناه، بعدما امتحنّاه وجرّبناه، فما صحّ أوردناه، وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضاً قايَسْناه على أحوال هؤلاء القوم).
- ومن أقواله أيضاً: (إنّ من لم يسبق إلى العلم لم يمكنه إتيان العمل؛ وذلك لأنّ العِلَل إنّما تُبرز الصورة في المادة على قدر ما تقدّم من العلم).
وفاة ابن حيّان
عاش جابر حياةً مليئةً بالعلم والتجارب، وبعد نجاح الثورة العباسيّة استقرّ في بغداد، إلا أنّه تُوفّي في طوس -التي وُلِد فيها- عام 813 م، بعد أن سطّر في صفحات التاريخ سطوراً مضيئة بالعلم والإنجاز.[٤]
المراجع
- ^ أ ب ت راغب السرجاني (26-7-2008)، “جابر بن حيان”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب الجزيرة الوثائقيّة (6-6-2013)، “علماء مسلمون-جابر بن حيان”، الجزيرة الوثائقيّة، اطّلع عليه بتاريخ 22-11-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث عاطف محمد (2003)، جابر بن حيان-أعظم علماء الكيمياء (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار اللطائف، صفحة: 3-8، 17-22. بتصرّف.
- ^ أ ب أكرم عبد الوهاب (2008)، 100 عالم غيّروا وجه العالم (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الطلائع، صفحة: 17-18.