إسلام

بحث عن التعاون في الإسلام

بحث عن التعاون في الإسلام

تعريف التعاون لغة واصطلاحاً

يعود أصل كلمة “التعاون” في اللغة العربية إلى: “العون”، والعرب تقصد بالعَون على الشيء: المُظاهرة على ذاك الشّيء، يقال: “فلان عوني”: أي مُعيني وقد أعنته، كذلك تقول العرب: “استعنت به فأعانني”، كما تقول: “تعاوُنُ الأعوان”: إعانة بعضهم بعضاً، وعاونه معاونة وعوناً، وبذلك يصبح معنى: “لقد تعاونَّا”، أي، أعان بعضنا بعضاً.[١]

وحين نتتبع التراكيب المتعلقة بلفظ “العَون” -بفتح العين- وما يُشتق منه في كل القرآن الكريم، سنجده يقصد به: الظهير الذي يُقوِّي بأن يمُد بالقوة.[٢] ومن هنا من الممكن استنتاج تعريف التعاون اصطلاحاً بأنه: مساعدة الآخرين على الوصول إلى الحق، ابتغاء الأجر من الله سبحانه. بتسخير الطاقات والإمكانات وما يؤتيه الله -تعالى- من قوة وفهم، في خدمة الدين والناس.[٣]

حث القرآن الكريم على التعاون بين الناس

أشهر آية تدل على ضرورة التعاون بين الناس فيما فيه مصلحتهم، والنهي عن التعاون فيما فيه مضرتهم: قوله -تعالى-: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)،[٤]فأمرت الآية بالتعاون على أمرين -هما: البر والتقوى-، ونهت عن التعاون في أمرين -هما الإثم والعدوان-، والمقصود بتلك الأمور الأربعة هو ما سيأتي بيانه:[٥]

  • (الْبِرِّ): التعاون بالبر يكون بحثِّ الإنسان صاحبه على التوسع في فعل الخير ومساعدته في ذلك.
  • (التَّقْوى): التعاون بالتقوى يكون بحثِّ الإنسان لأخيه على اتِّقاء ما يضره: في دينه، أو دنياه، ومساعدته في القيام بذلك.
  • (الْإِثْمِ): يكون النهي عن الإثم بأن ينهى الإنسان صاحبه عن فعل كل ذنب ومعصية.
  • (الْعُدْوانِ): يكون النهي عن العدوان بنهي الإنسان صاحبه عن تجاوز حدود الشرع والعرف في المعاملة، والخروج عن العدل فيها.

أحاديث نبوية تحث على التعاون وشرحها

وردت أحاديث تحث الناس على التعاون فيما بينهم، منها حديث أبي سعيد الخدري عن توجيه نبوي جاءهم وهم في رحلة مع النبي الكريم فقال لهم: (مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ ما ذَكَرَ حتَّى رَأَيْنَا أنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ)،[٦] والمقصود بالظهر: الراحلة التي يركب عليها المسافر.[٧]

كما حث النبي الكريم على مساعدة الناس مالياً، بإعطاء المعسر ما يفك ضيقه -أو وضع جزء من الدَّين عنه-، فقال: (مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنْه)،[٨] والتنفيس عن المعسر يكون بإمهاله عن المطالبة، أو وضع جزء من المبلغ، أو التفريج عنه.[٩]

أحوال الأفراد في التعاون مع غيرهم

عدّد الماوردي أحوال الناس من جهة قبولهم بمبدأ التعاون فيما بينهم وموقف الناس منهم، فجعلها أحوالاً أربعة فيما سيأتي بيانها:[١٠]

  • الشخص الذي يعين ويستعين

هذا الشخص مُعاوض مُنصف؛ لأنه سيؤدّي ما عليه، ويستوفي ماله، فحاله هنا كحال المقرِض: يُسعف غيره عند الحاجة، ويستردّ عند الاستغناء. وهذا الإنسان مشكور في معونته لغيره، وهو في الوقت ذاته معذور في طلبه الاستعانة من غيره، فهذا أعدل الإخوان.

  • الشخص الذي لا يُعين ولا يستعين

وهذا الشخص يتركه الناس لأنه يمنع خيره -وإن كان يقمع شرّه- فهو ليس بالصديق الذي يُرجى، فهو يشبه الصّورة المعلقة على الحائط الممثِّلة لذاك الشخص، يروقك حسنها، ولكن يخونك نفعها. فهذا الشخص لا هو مذموم -لأنه يكفيك شرّه-، ولا هو مشكور -لأنه يمنع خيره-، وإن كان باللّوم أجدر.

  • الشخص الذي يستعين ولا يُعين

وهذا هو الشخص الذي تصفه العرب باللئيم الكلِّ على أصحابه، وهو مَهين لا يرجو الناس خيراً منه، وشرّه لا يؤمن جانبه، وحسبك مهانةً مِن رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقلّ عند استقلاله، فليس لمثله في الإخاء حظّ، ولا في الوداد نصيب.

  • الشخص الذي يعين ولا يستعين

وهذا كريم في طبعه، مشكور قد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء؛ فلا يراه الناس ثقيلاً في النائبات، ولا هو بالذي يقعد عن معاونة غيره عند الشدائد، وهو أشرف الإخوان نفساً، وأكرمهم طبعاً. هذا الشخص ينبغي لِمن يجده التمسك بصداقته؛ لأنّه البرّ الكريم، وعليه أن يعضّ عليه بأسنانه، ولا ينبغي أن يزهد فيه لسوء في خلقه ينكره منه -إذا رضي سائر أخلاقه-؛ لأنّ اليسير مغفور، والكمال معوز.

المراجع

  1. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 299. بتصرّف.
  2. محمد حسن جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل، صفحة 1534. بتصرّف.
  3. خالد الخراز، موسوعة الأخلاق، صفحة 441. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:2
  5. المراغي، تفسير المراغي، صفحة 45. بتصرّف.
  6. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1728 ، صحيح .
  7. القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، صفحة 24. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة، الصفحة أو الرقم:1563، صحيح .
  9. جلال الدين السيوطي، شرح السيوطي على مسلم، صفحة 170. بتصرّف.
  10. الماوردي، أدب الدنيا والدين، صفحة 173. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى