محتويات
أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى
يقول الله عزَّ وجل: “وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”، يعلم كلُّ مسلمٍ أن الله سبحانه وتعالى جعل لنفسه أسماءً وصفات كاملةً وخاليةً من النُّقصان، حيث إنَّ المسلم يتعبَّد الله سبحانه تعالى ويتقرَّب إليه ويدعوه بها.
كما أنه لكلِّ اسمٍ من هذه الأسماء معنى متكامل، وسنذكر اليوم شرحاً مبسطاً لهذه المسألة، وهي توحيد أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى، وسنقسِّم بحثنا المختصر جداً إلى خمسة مباحث، حيث إننا اقتبسنا من بعض المشايخ والعلماء، كالشيخ العلَّامة محمد بن صالح العثيمين، مع بعض التَّصرف والإضافات، حتى نبيِّن بعض الأمور العقائدية التي تخصُّ هذه الأسماء والصِّفات.
أسماء الله تعالى تتضمَّنُ أوصافاً ذات معنى
إنَّ أسماء الله سبحانه وتعالى ثابتة عظيمة، أي أنها حق، حيث يتضمَّن كل اسمٍ منها الصِّفة التي اشتُقَّ منها، حتى اسم (الله) يتضمَّنُ صفة، وهي صفة الألوهية التي ينفردُ بها سبحانه وتعالى، إذاً فإن أسماء الله تعالى هي أعلامٌ دالَّةٌ على صِفة ذات معنى، ولولا ذلك لما كانت أسماءً حُسنى كاملة، أو لأصبحت أسماءً جامدةً لا تحمل أيَّ معنى.
قد يتضمَّن الاسم الواحد من أسماء الله تعالى صفتين أو أكثر من باب دلالة اللُّزوم، فمثلاً الخلَّاق من أسماء الله تعالى، يتضمَّنُ صفة الخلق ويسلتزم صفة العِلم والقُدرة، حيث إنه لا خَلق بغير علمٍ وقُدرة، ومن هذا المبحث نفهم بأن أسماء الله سبحانه وتعالى هي أعلامٌ وأوصاف، وذلك إن كان اعتبار دلالتها على الذَّات فهي تكون أعلاماً، وإن كان اعتبار دلالتها على المعاني فهي تكون أوصافاً.
أسماء الله تعالى متباينة ومترادفة
من أجل فهمٍ أكثر لهذا المبحث يلزمنا فهم معنى متباينة ومترادفة أولاً، كالآتي:
- المتباين: هو أن يكون اللفظ والمعنى للاسم متعدِّد، فمثلاً الاسمين (حجر) و (إنسان) يكونان متباينين؛ وذلك لأن اللفظ غير متشابه، والمعنى مختلف بالكامل.
- المترادف: هو أن يكون اللفظ مختلفاً ولكن المعنى واحد، فمثلاً الاسمين (بشر) و (إنسان) يكونان مترادفين؛ وذلك لأن اللفظ غير متشابه، ولكن المعنى يؤدي إلى نفس الشيء.
بعد هذا التفسير للمعنيين نقول بأن أسماء الله تعالى باعتبار دلالتها على الذَّات فهي مترادفة؛ لأنها دلَّت على شيءٍ واحد وهو الله سبحانه وتعالى، وأما باعتبار دلالتها على المعنى فهي متباينة؛ لأن لكلِّ اسم منها معنى يختلف عن معنى الأسماء الأخرى، فمثلاً من أسماء الله تعالى (العزيز) و (الرحيم)، فإذا نظرنا إلى هذين الاسمين من ناحية الدَّلالة، فإننا نجدهما يدُلَّان على شيءٍ واحد وهو الله تعالى، فعندها نقول بأنهما مترادفان بالدَّلالة، وأما إذا نظرنا إلى هذين الاسمين من ناحية المعنى، فإننا نجدهما مختلفين، فعندها نقول بأنهما متباينان بالمعنى.
أسماء الله ليست محصورةً
إن أسماء الله سبحانه وتعالى غير محصورةٍ بعددٍ معيَّنٍ لا تزيد ولا تنقُص، بل لا يمكن حصرها والدليل على ذلك ما ورد بالحديث عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه في دعاء الغمِّ والكرب، الذي علَّمنا إياه الرسول عليه الصلاة والسلام: “.. أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّتَ بهِ نفْسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمتهُ أحداً من خلْقك، أو استأثرت به في عِلْمِ الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي…” إلى آخر الحديث، والشاهد هنا من هذا الحديث، قوله صلى الله عليه وسلَّم: “أو استأثرت به في عِلْمِ الغيب عندك”، وهذا يدلُّ على أن الله سبحانه وتعالى استأثر لنفسه بأسماءٍ لا يَعلمها أحدٌ من خَلْقه، ولا يمكن الوصول إليها؛ لأنه إن أمكن الوصول إليها فهي لن تكون مستأثرة.
يتساءل البعض عن كيفية الجمع بين هذا الحديث والحديث الآخر الذي يقول به عليه الصلاة والسلام: “إن لله تسعةً وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنَّة”، من المعلوم لغوياً أن هذا الحديث الثَّاني لا يدل على الحصر، وإنما يدلُّ على حصرٍ معيَّنٍ، وهو أن المسلم إذا أحصى تسعةً وتسعين اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى دخل الجنَّة، وحتى نفهم المسألة بشكلٍ أفضل يمكننا ضرب مثال على ذلك، فلو قال أحمد أنه أعدَّ خمس سياراتٍ لتحميل البضائع، فهذا لا يعني أن أحمد يملك فقط خمس سيارات، ولكنه هنا حصر عدد السيارات التي ستنقل البضائع، حيث إنه أعدَّ سياراتٍ أخرى لنقل الرِّجال مثلاً وأخرى لنقل الغذاء، إذاً أحمد يملك أكثر من خمس سيارات.
الفائدة من هذا الكلام الذي ورد في الحديثين وغيرها من الأدلَّة، أنه على المسلم المُكلَّف البحث عن هذه الأسماء من الكتاب والسُّنَّة حتى يُدركها.
تسمية المخلوقين بأسماء الله سبحانه وتعالى
يوجد بعض الأسماء التي لا يجوز لأحد أن يسمِّي بها أي شخصٍ آخر من المخلوقين، حيث إن هذه الأسماء خاصَّةٌ خصوصيَّة تامَّة بالله تعالى وحده، ومن هذه الأسماء (الله)، لا يجوز تسمية أحدٍ من المخلوقين بهذا الاسم لا على سبيل ترادف المعنى أو غيره، وكذلك اسم (الرَّحمن) لا يجوز أن يُسمَّى ولا يوصف به غير الله؛ لأن الألوهية والرَّحمة الواسعة الشَّاملة التي فيها وصفٌ لازمٌ للرحمة ولا تكون إلا لله تعالى.
أما بالنِّسبة لبقيَّة الأسماء، فإن قُصِد بها ما يُقصدُ بأسماء الله من الدَّلالة على العَلَميَّةِ والوصفيَّة، فهي ممنوعة، وإن قُصِد بها مجرَّد العَلَميَّة فقط فهي ليست ممنوعة، ومثال ذلك الاسمين (الحكم) و(الحكيم) من أسماء الله، فلا بأس إن سمَّينا شخصاً (بالحكم) أو (بحكيم) ولم نقصد بذلك معنى الحكمة فيه، ودليل ذلك أن من بين الصَّحابة من كان اسمه حكيم والحكم ولم ينكر النَّبيُّ عليه الصلاة والسَّلام عليهما ذلك.
لكن إن قصدنا بالتَّسمية هذا المعنى الذي اشتققنا منه هذا الاسم، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من خصائص أسماء الله الحسنى التي يُراد بها الاسم والوصف، وكذلك على سبيل المثال، إن سمَّينا رجلاً (بصالح) فهذا لا يعني أنه إنسانٌ صالح، أو اسم (سلمان) فهذا لا يعني أنه شخصٌ سليم لا عيوب به، لربما كان من أصحاب الأمراض وليس به شيئٌ سليم، ولكن سمَّيناه بهذا الاسم فقط كاسم علمٍ مجرَّدٍ من أية صفة.
إذاً فأسماء الله هي أعلامٌ مشتقَّةٌ من صفات وتدل على معنى، وأما أسماء المخلوقين فهي أعلامٌ مجرَّدة لا تدل على صفةٍ بهذا المخلوق، فهي جامدة من غير أية دلالة معنى أو صفة.
أسماء الله تعالى توقيفية
معنى توقيفية، أي أنها موقوفة على ورود الشَّرع بها، فهي التي يتوقف إثباته أو نحوه على قول الشَّرع، إذاً لا يجوز لنا أن نسمِّي الله بما لم يُسَمِّ به نفسه، والأدلَّة على ذلك تأتي من الأثر والنَّظر، كالتالي:
- الدليل من الأثر، قوله سبحانه وتعالى: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”، فإثبات اسمٍ لله لم يُسَمِّ به نفسه، فهذا من القول على الله بلا عِلم وهو حرام؛ وذلك لقول الله تعالى: “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً”.
- الدليل من النَّظر، من طبيعةِ الإنسان أن يستاء إن سمَّيناه بما لم يُسَمِّ به نفسه أو ما لم يُسمِّه به أبوه، فمن باب الأولى أن نتأدَّب مع الخالق سبحانه وتعالى وأن لا نتعدَّى عليه بتسميته بما لم يُسَمِّ به نفسه، وكما أن الله تعالى قال: “وللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى..” أي أنها بلغت كمال الحُسْنِ، فهي خاليةٌ من النُّقصانِ، فمن أين لنا أن نعلم إن سمَّيْنا الله باسمٍ من عندنا أن هذا الاسم بلغ كمال الحُسْنِ، كما يريده الله سبحانه وتعالى لنفسه؟
رأينا مما سبق أنه من الواجب علينا التَّعرُّفُ إلى أسماءِ الله وصفاته الدَّالة عليه، حتى نكون أكثرَ عِلماً بخالقنا من غير مُبالغةٍ بذلك ولا تقصير، فما ورد بالشَّرع نأخذه كما هو من غير زيادةٍ أو نُقصان، كما أننا نأخذ هذه الأسماء والصِّفات بفهم الشَّرع، ولا نتعدَّى بالسؤال عنها، فما سأل عنه الصَّحابة رضوان الله عليهم نأخذه، وما سكتوا عنه نتركه، فلا يأتِ سائلٌ ويسأل عن أمورٍ لم يتكلم بها لا الشَّارع ولا الصَّحابة من قبل.