محتويات
'); }
صلاة الجمعة
يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ” سورة الجمعة 9، فهنا يحثُّ الله تعالى عباده المؤمنين على هذه العبادة العظيمة، والتي تعتبر من الأمور المهمّة والواجبة في شريعة الإسلام؛ حيث إنّ الكثير من المسلمين يجهلون أحكام هذه العبادة وصفاتها التي علَّمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا نَودُّ أن نُفَصِّل بعض أحكامها وصفاتها حتى نؤدّيها على الوجه الصحيح الذي أمر به الله سبحانه وتعالى.
حكم صلاة الجمعة شرعاً
لا يَختلف العلماء قاطبةً على وُجوب هذه العبادة على كلِّ مسلمٍ ذكرٍ مُكلَّفٍ، ولذلك نرى فعل الأمر في هذه الآية “فَاسْعَوْا” هو فعل أمرٍ يقتضي وجوب فعله، وأيضاً هناك أمرُ نهيٍ عن البيع “وَذَرُا البَيْعَ”، حتى لا يُشتَغَل به عنها، ولا يقتصر الأمر بالنَّهي عن البيع فقط، بل ويشمل أيضا ً النَّهي عن كل الأمور التي من الممكن أن تُلهي عن هذه الصلاة؛ حيث إنّنا سنبين مَن تَجِبُ عليه صلاة الجمعة، وسنبتعد عن الأقسام التي اختفلت آراء العلماءِ فيها.
'); }
وجوب صلاة الجمعة
- المسلم: فالكافر لا تجب عليه صلاة الجمعة، بل ولا تُقْبل ولا تصح منه، ودليل ذلك قوله تعالى: ” وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ”، ولأنّ رُكن الصلاة يأتي بعد الشهادتين، فكيف لمن لا يشهد بوحدانية الله ورسالةِ نبيِّه أن يصلي أو يصوم أو يتزكى.
- النساء بشكلٍ عام: قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: “لا تمنعوا إماءَ الله مساجد الله، وبيوتهنَّ خيرٌ لهن”، وهنا نجد أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ينهى عن منع النساء عن الذهاب للمساجد، ولكنه أيضاً نوَّه إلى أنّ صلاة المرأةِ خيرٌ لها في بيتها، وذلك حفاظاً عليها ممن كان في قلبه مرض من الرجال.
- المُكلَّف: وهذا شرط من شروط وجوب صلاة الجمعة، وقد قسَّمه العلماء إلى قسمين:
- البلوغ: فالصَّبي الذي لم يَبْلُغ الحُلُم لا تُفرض عليه صلاة الجمعة، لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام: “رُفِع القلم عن ثلاثة، النَّائم حتى يستيقظ، وعن الصبيِّ حتى يبلُغ، وعن المجنون حتى يعقِل”؛ حيث إنّ الصبيَّ إذا صلَّى تُقبل منه صلاته ولكن من غير وُجوب، وذلك عكس المجنون غير العاقل، وهو القسم الثاني الذي صنَّفه العلماء من ناحية التكليف.
- المجنون: كما ذكرنا الحديث الذي ورد في حكم الصَّبي الذي لم يَبْلُغ الحُلُم، فإننا هنا أيضاً سنذكر نفس الدليل؛ حيث إنَّ المجنون غير مُكلَّفٍ بأيِّ شيءٍ من الدين، وذلك لأنّ العبادات لا تُقبل منه؛ لأنَّ شرط “النِيَّة” الذي تَفْرِضُه الشَّريعة في إقامة العبادات غير متوفرٍ عند المجنون، فقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: “إنَّما الأعمالُ بالنِّيات، ولِكُلِّ امرئٍ ما نوى…”.
- المريض: وهو الرجل الذي يمنعه مرضه من الوصول إلى المسجد، وذلك بسبب المشقَّة أو الضرر اللَّذين قد يصيباه في الطريق إلى المسجد.
- المسافر: وهو أن يكون الرجل مُرْتحلاً وغير مستوطنٍ، فهذا لا تجب عليه صلاة الجمعة، والدليل على ذلك أن النبيّ عليه الصلاة والسلام في حجَّة الوداع لم يصلِّ الجمعة، وكان ذلك يوم عرفة الذي صادَف في نفس يوم الجمعة من ذلك الأسبوع، والدليل على ذلك حديث جابرٍ رضي الله عنه، والذي في صحيح مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ” لما وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثمَّ بعد الخطبة أذَّن بلال، ثم أقام فصلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلى العصر”، فهذه الصِّفة تخالف صِفة صلاة الجُمعة من عدة نواحٍ:
- الخُطبة في صلاة الجُمعة بعد الأذان، وهنا كانت الخُطبة قبل الأذان.
- صلاة الجُمعة تتَقدَّمُها خُطبتان، وهنا ذكر الحديث أنّ الخُطبة كانت واحدة.
- في صلاة الجُمعة يَجْهر الإمام بالقِراءة، وأما هنا لم يَجْهر لقول جابرٍ رضي الله عنه: “صلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلّى العصر”.
- صلاة الجمعة تسمَّى صلاة الجمعة، وأما هنا فقد سمَّاها جابرٌ رضي الله عنه بصلاة الظُّهر.
- لا تُجْمَع صلاة الجمعة إلى صلاة العصر، وهنا جمع النبيُّ عليه الصلاة والسلام الجمعة إلى العصر.
وأيضاً يوجد دليلٌ آخر وهو أنَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصلّي الجمعة في حالة السفر، مع أنّ معه الجمع الغفير من الناس، وإنما كان يصلي الظُّهر مقصوراً.
بعض صِفات صلاة الجمعة وشروطها
- وقتها: وذلك لأنّ الوقت آكدُ شُروط الصلاة، سواءً كان ذلك في صلاة الجمعة أو في الصلوات الخمس الأخرى، فمن غير تحديد الوقت لن تكون إقامة الصلاة بالشكل الصحيح، وعلى الرّاجح بين أكثر العلماء هو أنّ وقت صلاة الجمعة هو ما بعد الزوال ـ أي زوال الشمس-، وهو الوقت الذي أول ما إن يبدأ ظِلُّ الأشياء الشَّاخِصة يظهر من جهة الشَّرق، وهذا ما حدّده معظم العلماء بحديث أبو هريرة رضي الله عنه؛ حيث إنّه قال: “من اغتسل، ثم راح في الساعة الأولى، ثم قال: في الثانية، ثم قال: في الثالثة، ثم قال: في الرابعة، ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكْر”، وهذا دليلٌ على أنّه يوجد متسعٌ في الوقت ما بين الشروقِ ووقت الزوال، وأما بالنسبة لخروج وقت صلاة الجمعة؛ فالصحيح هو أن جميع الإدراكات للصلاة لا تكون إلا بركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: “من أدْرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة”، ووقت الخروج هو وقت دخول صلاة العصر؛ حيث إنّ ذلك يكون عندما يصبح الظِّلُّ بنفس طول الأشياء الشاخصة، وهنا يخرج وقت الظُّهر ويَدخل وقت العصر.
- عدد المصلّين الذين يحضرون الجُمعة: اختلف العلماء في ذلك، ولكن أقرب الآراء إلى الصواب هو ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي أخذ بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ما من ثلاثةٍ في قريةٍ لا تُقام فيهم الصَّلاة إلا اسْتَحْوَذ عليهم الشيطان”، وهذا كلامٌ عام في الصلاة من غير استثناءٍ لا لصلاة الجمعة أو غيرها، وقال شيخ الإسلام أيضاً إنّه لا بد من جماعةٍ تستمع، رجلين والإمام هو الثالث.
- تقدُّم الخُطبتين: والدليل على ذلك ما ورد في السُّنَّة النبوية أنّه صلّى الله عليه وسلَّم لم يتركهما لا في شدة الحرِّ أو البرد، أو غيرها من الظروف.
- صلاة الجمعة ركعتان: وهذا ما جاءنا بالتَّواتُر، وهو إجماع متواتر بين الصحابة والعلماء قاطبة؛ حيث إنَّه يُسَنُّ أيضاً أن تكون القراءة فيهما بصوتٍ جهريٍّ، وكذلك يسَنُّ أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وفي الركعة الثانية يقرأ بسورة المنافقين.
سُنَن صلاة الجمعة
- الغُسْلُ، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل”، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الغُسل مستحب وليس واجب.
- التَّطَيُّب ولبس أفضل الثياب؛ لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يلبس أحسن الثياب عنده إذا أتاه الوَفد أو ذهب لصلاة الجمعة، وهذا ما ذكره البخاري في صحيحه.
- الدُّنُوُّ من الإمام: أن يجلس في الصفوف الأولى خير له من الصفوف التي في آخر المسجد أو مسطه، وذلك لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام: “لِيَلِني منكم أُلو الأحلام والنُّهى”.
نُنَوِّه إلى أنَّ الصلاة جائزة من غير هذه السُّنَن، ولكن الأفضل أن يعمل بها المسلم حتى يكون الأجر والثواب أكْمل.