محتويات
أول غزوة للرسول
تعدّ غزوة ودّان من أوّل الغزوات التي غزاها الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – والتي تسمّى أيضاً بغزوة الأبواء، وذلك لقربها من منطقة الأبواء، حيث أنّ المسافة بينهما لا تزيد عن ستّة أميال.
غزوة ودّان
كانت غزوة ودّان هي أول غزوة قام بها الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – بنفسه، وقد كانت في شهر صفر، في بداية اثني عشر شهراً من السّنة الهجريّة، وقد حمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبد المطلب، وقد لونه أبيضاً، واستخلف النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – على المدينة سعداً بن عبادة، ثمّ خرج في المهاجرين، ولم يكن فيهم أنصاريّ واحد، وذلك لكي يعترض عيراً كانت لقريش، وقد كان ذلك لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، حتّى وصل إلى ودّان، وهو يريد كلاً من قريش وبني ضمرة، حتى بلغ الأبواء فلم يلقَ منهم أيّ كيد. وكان الذي وادع النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – منهم عليهم سيّدهم في زمانه، مخشيّ ابن عمرو الضمريّ، وذلك على ألا يغزو بني ضمرة، ولا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعاً، ولا يعينوا عليه عدوّاً، وكتب بينه وبينهم كتاباً، وكانت غيبته – صلّى الله عليه وسلّم – خمس عشرة ليلةً. (1)
أحداث الغزوة
استعمل النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – على المدينة سعداً بن عبادة، وقد حمل اللواء حمزة بن عبد المطلب، ولمّا بلغوا سيف البحر ليعترضوا عيراً لقريش كانت قد جاءت من الشّام، وقد كان فيها أبو جهل في ثلاث مئة راكب، ثمّ كانت فيها المصالحة بينه – صلّى الله عليه وسلّم – وبين بني ضمرة، وعلى رأسهم سيّدهم مخشيّ بن عمرو، على أنّ بني ضمرة لا يغزونه، ولا يكثّرون عليه جمعاً، ولا يعينون عليه عدوّاً، فرجع – صلّى الله عليه وسلّم – إلى المدينة، ولم يلقَ منهم كيداً. (2)
وعن محمّد بن إسحق قال:” خرج رسول الله – صلّى الله عليه وَسَلَّمَ – فِي صَفَرٍ غَازِيًا عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ، حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ، وَكَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِي ضَمْرَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الأَبْوَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابن هشام “. قال ابن إسحق:” فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، مَخْشِيُّ بْنُ عَمْرٍو الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا “. (3)
أشهر غزوات الرسول
توالت الغزوات التي قام بها النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – بعد غزوة الأبواء، نذكر منها تفصيلاً:
غزوة العشيرة
قام الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – بغزو قريش، وقد استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ، وقد كان هذا في شهر جمادى الآخرة، في بداية ستّة عشر شهراً من الهجرة، وقد حمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبد المطلب، وكان لون اللواء أبيضاً، وقد خرج – صلّى الله عليه وسلّم – في خمسين ومئة من المسلمين، وقيل أنّه خرج في مئتين من المهاجرين ممّن انتدب، ولم يُكره النّبي – صلّى الله علي وسلّم – أحداً على الخروج، وقد خرجوا على ثلاثين بعيراً وهم يعتقبونها في الرّكوب؛ وقد كانوا يعترضون عيراً لقريش تقصد الشّام، وجاء الخبر بفصولها من مكّة، وكان فيها أموال لقريش، فوصل إلى ذي العشيرة، وهي لبني مدلج بناحية ينبع، فوجد أنّ العير قد سبقته بأيّام، وهذه هي العير ذاتها التي خرج في طلبها أيضاً حين رجعت من الشّام فساحلت على البحر، وعندما بلغ قريشاً خبرها خرجوا ليمنعونها عنه، فلقوا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ببدر، فواقعهم وقتل منهم من قتل، وهي ذاتها الشّوكة التي وعد الله عزّ وجلّ نبيه بها، ثمّ وفى له بوعده، وبذي العشيرة كنّى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – عليّاً بن أبي طالب بأبي تراب. (1)
غزوة ذي قرقرة
كانت غزوة ذي قرقرة في النّصف من شهر المحرّم، وذلك في بداية ثلاثة وعشرين شهراً من السّنة الهجريّة، وذلك كما ذكر في العيون عن ابن سعد، فقد جاءت بعد غزوة السّويق، حيث قال في العيون:” ولمّا بلغه – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ بهذا الموضع جمعاً من بني سليم، وغطفان.. استخلف على المدينة سيّدنا عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وسار إليهم، وحمل لواءه – صلّى الله عليه وسلّم – علي بن أبي طالب، فلم يجد في المحالّ أحداً، وأرسل نفراً من أصحابه في أعلى الوادي، واستقبلهم رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في بطن الوادي، فوجد رعاءً، منهم غلام يقال له: يسار، فسأله عن النّاس، فقال: لا علم لي بهم، إنّما أورد الخمس، وهذا يوم ربعي، والنّاس قد ارتفعوا في المياه؛ ونحن عزّاب في الغنم.
فانصرف رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – وقد ظفر بالنّعم، فانحدر به إلى المدينة، واقتسموا غنائمهم بصرار، على ثلاثة أميال من المدينة. وكانت النّعم خمسمئة بعير، فأخرج خُمسه، وقسّم أربعة أخماسه على المسلمين، فأصاب كلّ رجل منهم بعيران، وكانوا مئتي رجل، وصار يسار في سهم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – فأعتقه؛ وذلك أنّه رآه يصلّي، وغاب رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – خمس عشرة ليلةً “.
قال السّهيلي:” وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسيره مع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في تلك الغزوة، فقال لعمران بن سوادة، حين قال له: إنّ رعيتك تشكو منك عنف السّياق، وقهر الرّعية، فذقّن على الدّرة، وجعل يمسح سيورها، ثمّ قال: قد كنت زميل رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع، وأسقي فأروي، وأكثر النّجر، وأقلّ الضّرب، وأردّ العنود، وأزجر العروض، وأضم اللّفوت، وأشهر بالعصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك.. لأغدرت فتركت “. (2)
غزوة ذات الرقاع
قال اليعمريّ:” سمّيت بذلك لأنّهم رقّعوا فيها راياتهم؛ ويقال: ذات الرّقاع، شجرة بذلك الموقع، وقيل: لأنّ أقدامهم نقبت، فكانوا يلفّون عليها الخرق “، وقد روى البخاريّ ومسلم عن أبي موسى، قال:” خرجنا مع النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – في غزاة ونحن ستّة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنّا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرّقاع؛ لما كنّا نعصب على أرجلنا من الخرق “. وقد اختُلف في وقتها، فعند ابن إسحاق هي بعد بني النّضير، في سنة أربع للهجرة، في شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، وأمّا عند ابن سعد وابن حبان فهي في الشّهر المحرّم، في سنة خمس للهجرة.
وقد مال البخاري إلى أنّها كانت بعد غزوة خيبر؛ وذلك لأنّ أبا موسى قد شهدها، وهو إنّما جاء من الحبشة بعد غزوة خيبر، وذلك في سنة سبع، فلزم أنّها كانت بعد غزوة خيبر.
ولمّا بلغ الرّسول – صلّى عليه وسلّم – أنّ المشركين قد جمعوا الجموع، خرج في ليلة السّبت، وذلك لعشر أيّام خلون من الشّهر المحرّم، وذلك في أربع مئة من أصحابه، ويقال: في سبع مئة، وقد استخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل: أبا ذرّ رضي الله عنه.
قال في شرح المواهب:" وسار - صلّى الله عليه وسلّم - إلى أن وصل وادي الشّقرة، فأقام فيها يوماً، وبعث السّرايا، فرجعوا إليه من الليل، وخبّروه: أنّهم لم يروا أحداً، فسار حتّى نزل نخلا، بالخاء المعجمة: موضع من نجد، من أرض غطفان ".
قال ابن إسحاق:” فلقي جمعاً منهم، فتقارب النّاس، ودنا بعضهم من بعض، ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف النّاس بعضهم بعضاً، حتّى صلّى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم – بالنّاس صلاة الخوف “، قال الزرقانيّ:” وكان في صلاة العصر، كما رواه البيهقي عن جابر، ثمّ انصرف النّاس، وكان ذلك أوّل ما صلاها “، قال في روض النّهاة:” وممّا تخالف به غيرها من الحكم أنّه لا سهو فيها “، وكانت غيبته – صلّى الله عليه وسلّم – في هذه الغزوة خمس عشرة ليلةً، وقد بعث النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – جعال بن سراقة بشيراً بسلامته وسلامة المسلمين.
وقد روى ابن إسحاق، وذكره اليعمريّ عنه:” عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنّ رجلا من بني محارب يقال له: غورث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمّداً؟ قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمّد؛ أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، فأخذه فاستله، ثمّ جعل يهزّه ويهمّ، فيكبته الله تعالى. ثمّ قال: يا محمّد؛ أما تخافني؟قال:لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافني وفي يدي السّيف؟ قال: لا، بل يمنعني الله منك، قال: ثمّ عمد إلى سيف رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – فردّه عليه، فأنزل الله تبارك وتعالى:” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ” “. (2)
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم/ السيد الجميلي/ دار ومكتبة الهلال- بيروت/ الجزء الأول.
(2) بتصرّف عن كتاب إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم/ حسن بن محمد المشاط المالكي/ دار المنهاج- جدة/ الطبعة الثانية.
(3) بتصرّف عن كتاب عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير/ محمد بن محمد بن سيد الناس أبو الفتح/ دار القلم- بيروت/ الطبعة الأولى.