محتويات
التّوحيد
يعتبر التّوحيد من أهمّ مسائل العقيدة الإسلاميّة على الإطلاق، فبعد أن ضلّ معظم النّاس عن السّبيل واتّخذوا الأصنام والأنداد ليعبدوها من دون الله تعالى، جاء الإسلام بنوره ليبدّد ظلام هذا التّيه والانحراف عن العقيدة السّليمة والفطرة النّقيّة التي جبل النّاس عليها، وليؤكّد على أصولٍ ثابته ومعتقداتٍ واضحة وهي أنّ الله سبحانه وتعالى واحدٌ أحد فرد صمد ليس له شريك أو ندّ أو شبيه في الأسماء أوالصّفات، فهو وحده سبحانه المستحقّ للعبادة، وهو وحده سبحانه المستحقّ لتوحيد الرّبوبيّة والألوهيّة، فما هو الفرق بين توحيد الرّبوبيّة و توحيد الألوهيّة ؟
توحيد الرّبوبيّة
توحيد الرّبوبيّة معناه توحيد الله تعالى توحيداً متعلّقاً بأفعاله سبحانه، فالإنسان صاحب الفطرة السّليمة يؤمن بأنّ الله تعالى هو الخالق المدبّر الرّازق المحيي المميت، ويؤمن بأنّ تلك الصّفات والأفعال لا تنبغي لغير الله تعالى، وإنّ هذا النّوع من التّوحيد يشترك فيه كثيرٌ من النّاس وإن كانوا غير مسلمين.
كفّار قريش في الجاهليّة كانوا موحّدين لله توحيد ربوبيّة، بمعنى أنّهم كانوا يؤمنون بأنّ الله تعالى هو الخالق الرّازق المدبّر ولكن كانوا يشركون به أنداداً وشركاء ممّا عملته أيديهم من الأصنام، فهم ينظرون إلى هذه الأنداد بأنّها وسائل توصلهم وتقرّبهم إلى الله تعالى، وإنّ الدّليل على توحيد الرّبوبيّة من القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ )، وفي قوله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ).
توحيد الألوهيّة
توحيد الألوهية هو التّوحيد الذي يتميّز فيه الموحّد المؤمن بالله تعالى حقيقة، وهذا التّوحيد يعني توحيد الله تعالى بأفعال العباد، أي أن يكون المسلم في سلوكه اليومي وأفعاله موحّداً لله تعالى قولاً وفعلاً، وهذا يتعلّق بجميع أفعال العباد من عبادةٍ وتوجّه وقصد ودعاء وتوسّل وخوف ورجاء، فالمسلم في أفعاله لا يشرك بالله تعالى أحداً من الأنداد.
الخلط بين المفهومين
يخلط كثيرٌ من النّاس بين توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الألوهيّة ويظنّون أنّهما شيء واحد، والحقيقة أنّ هناك اختلافاً بيّناً بينهما على الرّغم من أنّهما يكمّلان بعضهما البعض، فلا يكتمل إيمان امرىءٍ إلاّ بالإيمان بهما مجتمعان.
الفرق بين المفهومين
إنّ الفرق بين توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الألوهيّة هو فرقٌ واضح من عدّة وجوه، فمن ناحية الاشتقاق اللّغوي يدلّ توحيد الرّبوبيّة على الملك فيقال ربّ الشّيء أي مالكه وسيّده، بينما توحيد الألوهيّة من التّأله ويعني المستحقّ للعبادة وحده.
كذلك من ناحية التعلّق حيث يتعلّق توحيد الرّبوبيّة كما أسلفنا بأفعال الله تعالى، بينما يتعلّق توحيد الألوهيّة بأفعال العباد، ومن ناحية الإقرار حيث يقرّ بتوحيد الرّبوبيّة جميع الخلق إلاّ ما شذّ عن ذلك من الملحدين، بينما لا يقرّ بتوحيد الألوهيّة سوى المسلم المؤمن، ومن ناحية الدّلالة فإنّ مدلول توحيد الربّوبية علمي اعتقادي، بينما مدلول توحيد الألوهيّة فعلي بمعنى تعلّقه بأفعال العباد، وأخيراً يستوجب توحيد الرّبوبيّة توحيد الألوهيّة لأنّ من يوقن بأنّ الله تعالى هو الخالق المدبّر الرّازق يدرك يقيناً أنّه لا معبود مستحقّ للعبادة سواه.