السفر في الإسلام
يعني الفقهاء بالسفر عند إطلاقه الخروج بقصد قطع مسافة القصر الشرعيّة، أو ما يزيد عليها، وهو ينقسم إلى ثلاثة أنواعٍ؛ فأولها السفر المحمود، وهو ما كان في طاعة لله تعالى، وبقصد تأدية منفعةٍ دينيةٍ، ويُؤخذ حكمه بحسب نوع الطاعة التي حصل من أجلها، ومنه السفر إلى الحجّ والعمرة، وكذلك السفر براً بالوالدين أو صلةً للأرحام، ومنه أيضاً السفر من أجل زيارة المسجد النبوي أو المسجد الأقصى، أمّا النوع الثاني من السفر فهو السفر المذموم؛ وهو ما كان منطوياً على معصيةٍ، ومثاله: سفر المرأة بغير مُحرمٍ، حتى وإن كان سفرها بقصد أداء فريضة الحجّ، ومنه أيضاً السفر لأجل الاستيلاء على أموال الغير أو قطع طُرقهم، وآخر أنواع السفر هو السفر المباح، يتعلّق هذا النوع بطلب الرزق من خلال العمل أو التجارة، ويدخل فيه أيضاً السفر من أجل الاستجمام والترويح عن النفس فيما أباحه الله عزّ وجلّ، وقد امتدح الله -عزّ وجلّ- المسافرين في القرآن الكريم، فقال فيهم: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).[١][٢]
وقد أشارت الآية الكريمة المذكورة إلى حرص الإسلام على استجلاب المنافع، والسعي في الأرض والعمل على عمارتها، وكذلك نبذ الرهبانية، وما فيها من أمورٍ سلبيةٍ لا تنسجم ولا تتفق مع الإسلام، والسفر في حقيقته قطعةٌ من العذاب، يشتمل على فراق الأهل والأحباب، وترك ما تعوّد الإنسان عليه وارتاح فيه وتأقلم معه إلى أمورٍ أخرى مجهولةٍ، قد يشعر معها بالقلق والتوتر، فيعاني في البلد الجديد من ظروفٍ بيئيةٍ مختلفةٍ، وعاداتٍ اجتماعيةٍ جديدةٍ، بالإضافة إلى الشوق والحاجة للأهل والأصحاب، فيلقى في ذلك كلّه أصنافاً من المعاناة والمشقة، ولأجل ذلك فإنّ سماحة الإسلام وحكمة المشرّع سبحانه أدّى إلى جعل السفر سبباً من أسباب التخفيف في الإسلام، وساوى في ذلك بين كونه مُوجباً للمشقة أو غير موجبٍ؛ لأنّ الغالب فيه حدوث المشقة البدنية والنفسية، وقد كان للسفر عند المسلمين شأنٌ كبيرٌ، فكانوا يسافرون للحجّ ولطلب العلم والجهاد ودعوة الناس للإسلام وغيره، لذلك فقد عدّدوا له الكثير من الفوائد، منها رؤية عجائب الأمصار ومحاسن الآثار، وهذا يزيد المسافر علماً ويدعوه إلى شكر نعمة الله عزّ وجلّ، ويعينه على جمع المكاسب وكسب التجارب.[٢]
كيفية الصلاة في السفر
تشمل صلاة المسافر على أحكام الجمع والقصر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعيّة؛ بجعلها ركعتين فقط، ودليل ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)،[٣] وقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالتواتر أنّه كان يقصر الصلاة في حال سفره، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في حكم قصر الصلاة للمسافر، فذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في حقّه، فلا يجوز له أن يتمّ صلاته الرباعية، وإن فعل ذلك يكون آثماً، وذهب آخرون منهم إلى القول بأن القصر رخصةٌ شرعيةٌ، فإن شاء المسافر أخذ بها وقصر صلاته الرباعية وإن شاء أتمها، واختلف هؤلاء أيضاً في الأفضلية بين القصر والإتمام، كما اختلف العلماء في تحديد المسافة التي يجوز للمسافر فيها أن يقصر صلاته، مع العلم بأنّ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في المسألة قد أطلقت السفر دون تحديد مسافةٍ معينةٍ له، لذلك فقد ذهب الإمام ابن تيمية -رحمه الله- إلى القول بأنّ المرجع في ذلك إلى العرف، أي أنّ كلّ ما يطلق عليه سفرٌ بالعرف يكون كذلك وكلّ ما لا يعدّ في العُرف سفراً لا يكون كذلك.[٤]
كما اختلف العلماء في المدة التي يجوز فيها للمسافر أن يستمر في قصر الصلاة، فذهب بعضهم إلى أنّها لا تزيد عن أربعة أيامٍ، وجعلها بعضهم خمس عشرة يوماً، وهناك أقوال عديدةٌ أخرى في المسألة، إلّا أنّ الراجح فيها هو القول بأنّ الشريعة الإسلامية قد أطلقت المدّة ولم تعيّنها، ولذلك فإنّ المسافر يبقى مسافراً حتى لو بقي أكثر من أربعة أيامٍ أو أكثرٍ أو أقلٍ، أمّا الحكم الثاني الذي يتعلّق بصلاة المسافر فهو حكم الجمع بين الصلوات، حيث يجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر و العصر جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ، وذلك يأن يؤديهما معاً في وقت الأولى أو وقت الثانية منهما، وكذلك له أن يجمع بين صلاة المغرب وصلاة العشاء جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ، كما يجوز له فعل ذلك سواءً أكان يسير في طريق سفره، أو نازلاً في استراحةٍ أو مكانٍ ما، وفيما يتعلّق بنية الجمع أو القصر فالراجح عدم اشتراطها عند بدء الصلاة، وإنّما يشترط فقط وجود السبب المبيح للجمع أو القصر.[٤]
آداب السفر في الإسلام
يجدر بالمسافر أن يراعي بعض الآداب الشرعية المتعلّقة بالسفر، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[٥]
- استحباب توديع المسافر لأهله وأصحابه، وذلك بأن يقول لهم: أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم.
- السفر مع الرفقاء، واجتناب السلم للسفر وحيداً.
- استحباب السفر في أول نهار يوم الخميس، فقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يحبّ الخروج في ذلك اليوم.
- الحرص على قراءة الأدعية الماثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
- الحرص على تعجيل العودة إلى الأهل، وعدم إطالة السفر بعد قضاء الحاجة منه.
- يكره للمسافر أن يعود إلى أهله ليلاً.
المراجع
- ↑ سورة المزمل، آية: 20.
- ^ أ ب محمد سلامة الغنيمي (2014-1-3)، “الإسلام والسفر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-16. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 101.
- ^ أ ب رامي حنفي محمود (2013-8-26)، “ملخص أحكام صلاة المسافر (القصر والجمع) و صلاة الخوف”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-16. بتصرّف.
- ↑ أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد (2008-1-2)، “آداب السفر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-16. بتصرّف.