'); }
الحِكمة من يُتم النبيّ
اختار الله -تعالى- لنبيّه -عليه الصلاة والسلام- أن ينشأ يتيماً، ومِن الحِكَم لذلك ما يأتي:[١][٢]
- إبعاد الشكّ والتُّهم في أن هذا الدين كان من توجيه وإرشاد وتربية أبيه وجدّه له؛ خاصة وأن جدّه عبد المُطلب كان من كبار قُريش وأسيادهم.
- إبعاد النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الميل إلى مجد الجاه والمال، أو التأثّر بهم، فيلتبس على الناس النبوّة وجاه الدُنيا، فقد نشأ يتيماً وتولّاه خالقه بالعناية والرعايّة وحده.
- الكمال في القُدوة لغيره من الأيتام، لقول الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)،[٣] فيشعُر اليتيم أن الله -تعالى- اختار له ما اختاره لنبيّه، مما يزيد صبره، وتشبُّهه بنبيّه -صلى الله عليه وسلم-.
- النشأة على القوّة والصلابة والتحمُّل مُنذ الصّغر؛ ليكون مؤهّلاً لتحمّل مسؤولية الدعوة لجميع البشر فيما بعد، فقد عاش النبي -عليه الصلاة والسلام- حياة الفقر، وكان يتيماً، ورعى الغنم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ)،[٤] وذلك جعله يكتسب عدّة صفاتٍ لا يتحصّل عليها لو لم يعشْ يتيماً؛ كسعة الصدر، واهتمامه وعنايته برعيّته، وحمايتهم.
- صناعة الله -تعالى- لنبيّه، وتربيته له، ومن ذلك بُعده عن عبادة الأصنام والمُحرّمات التي كانت تحصُل في مُجتمعه، وكان يُشتهر عنه الصفات الحميدة، فقال -تعالى- مُتفضّلاً على نبيّه الكريم: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى).[٥]
'); }
النبيّ اليتيم ونشأته
سافر عبد الله والد النبي -عليه الصلاة والسلام- في تجارةٍ لقُريش، ولمّا وصل المدينة؛ مرض ومات فيها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- حينها في بطن أُمّه، وقد وُلد النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم الاثنين من شهر ربيعٍ الأول، وألهم الله -سبحانه وتعالى- أُمّه آمنه وجدّه عبد المُطّلب تسميته مُحمّداً؛ لجمعه لصفات الخير، فهو كثير الحمد، وأرضعته أُمّه، ثمّ أرضعته ثويبة، ثُمّ ذهبت أمّه به إلى حليمة السعدية لتُرضعه؛ كما كانت تفعل العرب بإرسال أبنائهم إلى مراضع البادية، فينشأ الابن فصيح اللسان، قوي الجسم، وعندما حصلت حادثة شق الصدر أرجعته حليمة إلى أهله، فبقي تحت رعاية جدّه وحاضنته أم أيمن بركة الحبشيّة، ولما بلغ سن الخامسة أخذته أُمّه لزيارة أخوال جدّه من بني النجّار في المدينة، وفي أثناء عودتهم إلى مكة مرضت أُمّه مرضاً شديداً، ثُمّ توفيت في مكانٍ يُسمى الأبواء، ودُفنت هُناك، فأصبح في كفالة جدّه عبد المُطلب، فأحسن تربيته، وأكرمه، وقرّبه منه، وبقي على ذلك سنتين حتى توفّي أيضاً.[٦]
وبعد وفاة جدّ النبيّ عبد المطّلب كفله عمّه أبو طالب، وهو الأخ الوحيد لوالده، فأدّبه على الأخلاق، وصِدق الحديث،[٦] وكان يعمل معه في التّجارة ورعي الغنم،[٧] وكان مثالاً للسّعي في طلب الرزق مُنذ صغره، ممّا ساعده على قيادة الأُمّة، وتعلّمه الحلم والشّفقة، والصبر على الدعوة، ورعاية شؤون الأمة، وخصّه الله -سبحانه- برعاية الغنم؛ لضعفها، وتفرُّقها أكثر من غيرها كالإبل والبقر، وليكون كسبه من الحلال ومن عمل يده، وذلك الأمر كان سبباً لتواضعه،[٨] ولمّا بلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- سنّ الخامسة والعشرين خرج في تجارةٍ إلى الشام لخديجة -رضي الله عنها-؛ لِما سمعت عنه من الصّدق والأمانة والأخلاق، فخرج معه غُلامها ميسرة، وعندما رجعوا إلى مكة عند خديجة، أخبرها ميسرة بما رآه من أمانته في التجارة، وربحه أضعاف ما كانت تربح قبله، فلمّا علمت ذلك عرضت عليه الزواج منها، فأخبر النبيّ أعمامه أبا طالب وحمزة بذلك، فذهبوا إليها وطلبوها للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وتزوّجها.[٩]
عناية الإسلام باليتيم
يُعرف اليَتيم في اللُغة بأنّه الإنسان الذي فقد أباه وهو صغير قبل أن يبلُغ، وجمعُه أيتام، ويتامى، ويَتَمة، ويتائم، وللمؤنث يتيمة، وجمعُها يتيمات ويتامى،[١٠] أما في الاصطلاح فيعرّف بأنه انفصال الإنسان عمّن يرعى شؤونه؛ لحاجته في هذه المرحلة -أي الصغر- إلى الرعاية،[١١] وقد اهتمّ القُرآن الكريم باليتيم مُنذ بداية الدعوة، وتفضّل الله -تعالى- على نبيّه الذي نشأ يتيماً، فآواه وحفظه ورعاه، وفي ذلك تكريمٌ لليتيم، وقد أمَر الله -تعالى- بإكرامهم والإحسان إليهم، ولِعظم مكانة اليتيم قرنه الله -تعالى- بعبادته وعدم الإشراك به، وكان من المواثيق التي أخذها الله -تعالى- من بني إسرائيل، فقال -سبحانه-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).[١٢][١٣]
وأمَر الله -سبحانه وتعالى- من يرعى اليتيم بالأمانة على أمواله؛ فلا يُسرفها، أو يُدخل عليها الحرام بالتجارة وغيرها، وأن يُسارع لردّها إليه كاملةً من غير نقصٍ عند بُلوغه ونُضجه، لقوله -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً)،[١٤][١٣] أمّا اهتمام السُنة والنبي -عليه الصلاة والسلام- باليتيم فكان عظيماً، وقد بشَّر النبي -عليه الصلاة والسلام- كافل اليتيم بدخول الجنة معه، فقال: (وأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا؛ وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا).[١٥][١٦]
المراجع
- ↑ سعيد حوّى (1995)، الأساس في السنة وفقهها – السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 158، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمود بن أحمد الدوسري (5-7-2017)، “اليتم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-9-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2262، صحيح.
- ↑ سورة الضحى، آية: 6-8.
- ^ أ ب عبد القادر شيبة الحمد (2013)، القصص الحق في سيرة سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام (الطبعة الرابعة)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 13-20. بتصرّف.
- ↑ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة ، صفحة 649، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ موسى بن راشد العازمي (2013)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون «دراسة محققة للسيرة النبوية» (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 110-113، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ موسى بن راشد العازمي (2013)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون «دراسة محققة للسيرة النبوية» (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 118-124، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “تعريف ومعنى يتيم في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2020. بتصرّف.
- ↑ صالح بن عوّاد بن صالح المغامسي، القطوف الدانية ، صفحة 3، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 83.
- ^ أ ب محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان، دروس للشيخ محمد حسان ، صفحة 4، جزء 28. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 6.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 5304، صحيح.
- ↑ سامي محمد، العمل الصالح، صفحة 401، جزء 1. بتصرّف.