فقه البيوع في الإسلام
جاءت تشريعات الإسلام بنظامٍ اقتصاديٍّ متكاملٍ، يضمن فيه حقوق البائع والمشتري، ووضع فيه من القواعد والأسس ما يجعل البيع يتم بصورة منضبطة لحِفظ حقوق الناس، ومنعاً لما قد يحدث بينهما من الغِشِّ، والغبن، والاحتكار، والخِداع، والتضليل، هذه الأمور التي تؤدّي إلى أكل أموال الناس بالباطل في المعاملات التجارية والمالية، وفي سبيل الحفاظ على أموال النّاس حرّمت التشريعات الاقتصادية كلّ البيوع التي لا تلحق الضرر بمال المشتري أو مصلحته؛ فحرّم الرّبا بكلّ أشكاله ووسائله ومسمياته، قال الله عزّ وجلّ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)،[١] وأوصى الشرع الحكيم الناس أن يتسامحوا فيما بينهم في البيع والشراء، حرصاً على أن تسود المحبة أرجاء المجتمع؛ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رحمَ اللهُ رجلاً، سَمْحاً إذا باعَ، وإذا اشترى، وإذا اقْتضى)،[٢] ومع تقدّم الحضارة المدنية، وظهور وسائل الاتصال الإلكترونية أصبح عالم التجارة وعقود البيع والشراء أكثر زخماً؛ لسهولة التواصل بين المتعاقدين، وظهرت سوق التعاملات المالية الإلكترونية، وتعارف عليه الناس باسم البورصة؛ فما حكم الشرع في البورصة؟
تعريف البورصة ومجالاتها
- تعريف البورصة: كلمة البورصة أصلها غير عربي، وترجع إلى اللغة الفرنسية، وتعني كيس نقود، واصطلح على تسميتها في الاقتصاد العالمي الحديث بأنّها مؤسسة مالية يجتمع فيها بشكل يومي منتدبين عن الشركات الاستثمارية الكبرى، وعملاء المصارف، والتجار، والسماسرة لتبادل العملات الأجنبية، والمضاربة بالأموال، وشراء البضائع والسّلع، ولها مؤشر إلكتروني يعطي معلومات حول اتّجاهات الأسعار والأسهم، ارتفاعاً، واستقراراً، وانخفاضاً من خلال بعض العيِّنات المرجعيّة، وتقوم على الشفافية والعلانية.[٣][٤]
- اختلاف البورصة عن السوق العادية: يختلف التعامل بالبورصة عن التعامل بالعقود في الأسواق العادية، حيث إنّ تجارة البورصة يتولى عمليات البيع والشراء فيها وسطاء وسماسرة، خلافاً للسوق العادي، والسلع في البورصة ليست حاضرة؛ فقد تكون في مستودعات خاصّة، وقد تكون غائبة أساساً، بمعنى أنّها غير منتجة، ومعاينة السلعة غير موجود في معاملات البورصة خلافاً للأسواق العادية.[٤]
- مجالات العمل في سوق البورصة:[٤]
- بورصة الأوراق المالية: وهي السوق التي يجري فيها التداول على حصص رأس المال، وتتضمن الأسهم والسندات.
- بورصة البضائع: وتسمّى ببورصة التجارة، وهي السوق التي يتمّ فيها عقود بيع وشراء المنتجات الصناعية والزراعية وغيرها، مثل: الرّز، والسّكر، والزيوت، والنفط، وغيرها.
- بورصة المعادن النفيسة: وهذا خاص بتداول البيع والشرّاء على السلع المعدنية النفيسة، مثل: الألماس، والذهب، والفضة.
- بورصة العملات: حيث يتم فيها تبادل العملات بطريقتين؛ إمّا الصرف العاجل (المباشر)، أو الصرف الآجل (المؤجل).
- بورصة العقود: حيث يتمّ فيها التداول على عقود صفقات خاصة، وفي هذا المجال لا تكون البضائع والسلع حاضرة، وإنّما تتمّ المبادلات بين المتعاملين وفقاً لنماذج معينة، أو بناءً على تسمية لصنف معيّن ومتفق عليه مسبقاً بينهما، وطبيعة بيع عقود الصفقات للسلع غير الحاضرة يتمّ من خلال تحديد سعر، أو بسعر معلّق حسب اتجاهات البورصة، ويسمح فيها بالبيع لمن يملك السلعة بناءً على قدرته على تسليمها حين حلول أجلها، وهذا ما يسمّى بالبيع على المكشوف.
حكم التعامل بالبورصة
الأحكام الشرعية المترتبة على التعامل بالبورصة والأسهم المالية كثيرة ومتنوعة، وإعطاء حكم شرعي عام بشأنها متعسّر، والأصل بيان طبيعتها، وصورة المعاملات المالية التي تنتظم بها، ثمّ يجري تقديم الحكم الشرعي بشكلٍ خاصٍّ بكلّ مسألة على حدة، ولذلك أفتى مجمع الفقه الإسلامي بأنّ:[٥]
- العقد القائم على دفع الثمن مباشرة (العاجل) للسّلعة الحاضرة المراد بيعها يُشترط أن تكون مملوكة للبائع ملكاً حقيقياً، ويجري فيها التقابض في مجلس العقد هي من العقود الجائزة، شريطة أن يقوم العقد على بيع السلع المباحة.
- يستثنى من شرط التقابض السلع التي يُجَوِّز الشرع تأخير قبضها.
- إذا لم تكن العين المباعة في ملك البائع فيجب أن تتوفر شروط السَّلم في هذا العقد، ولا يجوز للمشتري التصرف بالسلعة المباعة قبل قبضها.
- عقد السَّلم في اصطلاح الفقهاء هو عقد بيع لسلعة مؤجّلة، لكنّها موصوفة في الذّمة مقابل ثمن يُعطى عاجلاً.[٦]
- العقد العاجل في أسهم الشركات والمؤسسات الربحية عقد جائز بشرطين:
- أن تكون الأسهم مملوكة للبائع.
- أن يكون موضوع التعامل مباح شرعاً.
- عقد البيع المسمّى بسندات القروض بفائدة، سواءً أكان عقد عاجل أو آجل، محرّمة شرعاً بكلّ أنواعها؛ لأنّها معاملات تقوم على التعامل بالربا.
- عقود البيع القائمة على الدفع المؤجّل، وتجري على الأسهم أو السلع التي لا يملكها البائع بالكيفية التي تجري في الأسواق المالية (البورصة) محرّمة شرعاً؛ لأنّها تتضمن بيع المرء ما لا يملك، إذ يكون اعتماده في عقد البيع على اعتبار ما سيكون في ملكه بعد شرائه، وقد جاء النهي الشرعي صريحاً بذلك، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تبعْ ما ليسَ عندكَ).[٧]
- لا يصحّ قياس صورة البيع في العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) على صورة بيع السلم الجائزة في الشرع، ويعدّ هذا القياس باطل من وجهين:
- الوجه الأول: في تعاملات الأسواق المالية لا يُدفع الثمن في العقود الآجلة في نفس مجلس العقد، بل يتمّ تأجيل دفع الثمن إلى موعد التصفية، خلافاً للثمن في بيع السلم، حيث يشترط أن يُدفع في مجلس العقد.
- الوجه الثاني: في عالم البورصة يتمّ بيع السلعة نفسها المتّفق عليها في العقد عدّة بيوعات متتالية؛ فلا هي خرجت من ذمة البائع الأول، ولا حتى المشتري الأول حازها وتملّكها، والغرض من ذلك دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، حيث يخاطروا في تحقيق الكسب والربح، فصار الأمر كالمقامرة تماماً، وهذه الصورة منتفية في بيع السّلم، إذ لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم أو التصرف به قبل قبضه.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 275.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2076، صحيح.
- ↑ “تعريف ومعنى البورصة في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-5-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عاصم بدوي (4-6-2016)، “صور عقود التداول الإلكتروني للعملات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-5-2018. بتصرّف.
- ↑ فريق الموقع، “حكم العمل في البورصة”، www.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-5-2018. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404-1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 191، جزء 25. بتصرّف.
- ↑ رواه النووي، في المجموع، عن حكيم بن حزام، الصفحة أو الرقم: 9/259، صحيح.