تعليم

الاشتقاق في اللغة العربية

صورة مقال الاشتقاق في اللغة العربية

تعريف الاشتقاق في اللغة العربية

تعريف الاشتقاق لغةً

أجمعت مُعظم المعاجم العربية على أنّ الاشتقاق مأخوذ من الفعل: شَقَقَ، ومصدره: الشَقّ، فنقول: شَققت العود شَقًا، والشَق: هو الصدع البائن وقِيل غير البائن، ويُعرف الشَق أيضًا أنّه الموضع المَشقوق، وجَمعه: شُقوق، وفي تعريف اللحياني: الشَقّ هو المصدر، ويُقال: بيد فلان ورجله شُقوق ولا شُقاق، إنّما الشُقاق يكون داء بالدّواب.[١]

يُقال: شُق الفجر وانشق، أيّ طلع وكأنه شَقّ موضع طُلوعه وخرج منه، يُقال: هُم بشقّ من العيش إذا كانوا في جهد، ومنه قوله تعالى: “لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ”[٢] وأصله من الشَق أيّ نصف الشيء، وكأنّه قد ذهب بنصف أنفسهم حتى بلغوه.[٣]

تعريف الاشتقاق اصطلاحًا

الاشتقاق اصطلاحًا؛ هو أخذ كلمة من كلمة أو أكثر، وطريقة معرفته تكون بتقليب تصاريف الكلمة حتى يرجع منها إلى صيغة هي أصل الصيغ، إذ يقول ابن دريد في كتاب “الاشتقاق” الذي يُحاول فيه إرجاع العديد من الأسماء إلى أُصولها اللغوية من خلال الاشتقاق اللغوي لأسماء القبائل والرجّال: “مُحمد النبي -عليه السلام- اشتق من الحَمد وهو مُفعَّل ومُفعَّل صفة تَلزم من كثر منه، فمُحمد مُفعَّل لأنّه حَمد مرةً بعد أخرى”.[٤]

أقسام الاشتقاق في اللغة العربية

لم يتبادر لذهن العلماء في البداية إلى أنّ الاشتقاق هو عملية إنشاء فرع من أصل يدل عليه، فوصل تقسيمه إلى أربعة أقسام، وهي كالآتي:

الاشتقاق الصغير

يُسمى أيضًا الاشتقاق الصرفي، وقد عرّفه السيوطي بأنّه أخذ صيغة من صيغة أخرى على أن يتفقا في المعنى والمادة الأصلية والتركيب، لتدل الصيغة الثانية على معنى الصيغة الأصلية بزيادة قد تكون اختلافًا في حرف أو هيئة، مثل: حَذَرٌ من الفعل حَذِرَ.[٥]

وعرّفه عبد الواحد وافي بأنّه ارتباط كلّ أصل ثُلاثي في اللغة بمعنى عام وُضع له، وهذا المعنى يتوفر في كل كلمة تتواجد فيها الأصوات الثلاثة مرتبةً حسب الطريقة التي رُتبت فيها في أصل الكلمة التي أُخذت منها.[٦]

الاشتقاق الكبير

يُسمى أيضًا باسم التقاليب وهذا ما يُميزه عن الاشتقاق الأكبر الذي عُرف بالنحت، إذ إنّ الاشتقاق الكبير يكون اللفظان فيه متناسبين في المعنى، متفقين في الأحرف الأصلية دون ترتيبها، مع تشابه بينهما في المعنى واتفاق في الأحرف، مثل: “لكم وكلم وملك وكمل”، وكان ابن جني أول من عرّف الاشتقاق الكبير، وأطلق عليه اسم الأكبر.[٧]

عقد ابن جني فصلًا خاصًا بالاشتقاق الكبير، إذ يقول فيه: “وهو أن نأخذ أصلًا من الأصول الثلاثة فنعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحد، إذ تُرد التقليبات من الأصل الثلاثي إلى مدلول عام، ومثال ذلك: (ك ل م) ومنها كَلِم، و(م ل ك) ومنها مَلِك، و(ك م ل) ومنها كَمَلَ، ويزعم أنّ جميع هذه التراكيب تدل على القوة والشدة.[٧]

الاشتقاق الأكبر

أضاف السكاكي قسمًا للاشتقاق أَطلق عليه اسم الاشتقاق الأكبر، وهو قسم مُختلف عن قسم “الاشتقاق الأكبر” الموجود عند ابن جني، وقد عُرف هذا القسم بالإبدال اللغوي في القِدم، وقام بعض المحدثين بزيادة قسم رابع وأطلقوا عليه اسم الاشتقاق الكُبَّار، وهو الذي كان يُعرف بالنحت.[٨]

عُرف الاشتقاق الأكبر بالإبدال أيضًا، وهو أن ترتبط الأصوات من المجموعات الثلاثية مع بعض المعاني حيث يكون هذا الارتباط غير مُقيد بالأصوات نفسها، وإنّما يكون مقيدًا بنوعها وترتيبها فقط، سواء تم الإبقاء على هذه الأصوات أم تم استبدالها بأخرى متفقة معها في النوع.[٩]

الاشتقاق الأكبر يعني أيضًا الاتفاق في النوع عندما تكون الحروف متقاربة في مخارجها، أو الاتحاد في الصفات جميعها ما عدا الإطباق كتقارب المخرج، مثل: تناوب الميم والنون، مثل: امتقع لونه وانقع، وتناوب النون واللام، مثل: أسود حالك وحانك، والميم والواو، مثل: أوشاج وأمشاج.[١٠]

الاشتقاق الكبار

يُطلق عليه أيضًا النحت أو الاختزال، وأمّا تسميته بالكُبَّار فهي تسمية أطلقها بعض المحدثين، ويَعنون بها أخذ كلمة من كلمتين أو أكثر ويجب أن يتناسب المأخوذ والمأخوذ منه في المعنى واللفظ.[١١]

اعتمد العلّامة عبدالله أمين تقسيم الاشتقاق الكُبَّار في كتابه الاشتقاق، ثم جاء محمد حسن حسن جبل وهو باحث، فذكر قسمًا خامسًا وهو ما كان يُطلق عليه الاتباع في كتب اللغة، مثل: حَسَن بَسَن، ولم يَذكر هذا القسم أحد سواه، كما أنّه لم يُسمِّ من نَقَل عنه،[٨]

يكون ذلك من خلال أخذ كلمتين أو أكثر تُزال منهما أو البعض منهما حرفًا أو أكثر، وتَجمع ما بقي من أحرف كل كلمة إلى الأخرى، وتُؤلف منها جميعًا كلمة واحدة فيها بعض أحرف الكلمتين أو الأكثر، وما تدلان عليه من معانٍ، مثل: “حمدل” في الحمد لله، وقد جعل العلماء للنحت أقسامًا أربعة، وهي كالآتي:[١٢]

  • النحت الفعلي

هو نحت فعل من الجملة يدل هذا الفعل على النطق بها، أو يدل على حدوث ما تتضمنه، مثل: بسمل؛ أيّ بسم الله الرحمن الرحيم.

  • النحت الاسمي

هو نحت اسم من كلمتين مثل: الجلمود وتعني الصخر، وهي اسم من جلد وجمد، وحبَقُر للبرد، وأصلها من الكلمتين حَبُّ قُرّ.

  • النحت الوصفي

هو نحت كلمة واحدة من كلمتين تدل على صفة من حيث المعنى أو بأشد منه، مثل: الضبطر؛ أيّ الرجل الشديد من ضبط وضبر.

  • النحت النسبي

هو نسب الأشخاص أو الأشياء إلى مدينتين أو رجلين، فتَنحت من اسمي المنسوب إليها اسمًا منسوبًا واحدًا، مثل: تيلمىّ من تيم الله، ومرقشي نسبة إلى امرئ القيس.

شروط الاشتقاق في اللغة العربية

للتأكد من صحة الاشتقاق وضع علماء اللّغة شُروطًا لذلك، وقد ذكر الشيخ التهانوي شروط الاشتقاق واختلاف الناس فيه، فقال: أعلم أنّه لا بد في المشتق اسمًا كان أو فعلًا من أمور أحدها:[١٣]

  • أن يكون له أصل، فإنّ المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر، ولو كان أصلًا في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مُشتقًا.
  • أن يتناسب المُشتق في الحروف مع الأصل؛ وذلك لأنّ الأخذ لا يتحقق بدون التناسب بين الأصالة والفروع، وتناسب المعتبر في جميع الحروف الأصلية.
  • أن يتناسبا في المعنى، سواء أنّهما اتفقا فيه أم لم يتفقا.

أصل الاشتقاق الاسم أم الفعل؟

اختلف علماء اللغة في الأصل الذي يُشتق منه اللفظ، ففي أصل المشتقات أقوال كثيرة منها: أنّ المصدر هو الأصل وهذا كان رأي جمهور البصريين، وذهب جمهور الكوفيين إلى أنّ الفعل هو أصل المصدر وغيره من المشتقات، أمّا السيرافي فذهب إلى أنّ المصدر أصل للفعل وحده، وأنّ الفعل أصل لبقية المشتقات.[١٤]

ذهب ابن طلحة إلى أنّ المصدر والفعل كل منها أصل، وليس أحدهما مشتقًا من الآخر، وذهب الزجاجي إلى أنّ كل لفظ مشتق، ورُجح الرأي الذي يقول إنّ أصل المشتقات ليس واحدًا، وإنّما قامت العرب وبصورة مُتفاوتة بالاشتقاق من الأفعال والأسماء، فقد اشتق من الأفعال أكثر من الأسماء.[١٥]

الاشتقاق بين السماع والقياس

أجمع أهل اللغة على أنّ للاشتقاق قياسًا، وأنّ العرب اشتقت الكلام من بعضه بعضًا، فكلمة الاجتنان اشتق منها اسم الجن، وتدلان الجيم والنون على الستر، فتقول العرب للدّرع: جُنّة، وأججَنة الليلُ، وقول هذا جنين أيّ أنّه في بطن أمّه أو أنّه مقبور، وأنّ الإنس من الظهور؛ فعند القول أنسْتُ الشيء: أيّ أبصرته، وعلى هذا الشكل سائر كلام العرب.[١٦]

يُبنى هذا الكلام على ما ذُكر عن التوقيف، فالذي جعلنا نتوقف على أنّ الاجتنان التستر هو ذاته الذي جعلنا نتوقف على أنّ الجن قد اشتق منه، واليوم لا يُمكننا أن نخترع أو نقول غير الذي قالوه أهل اللغة ولا يُمكننا أيضًا قياس أيّ شيء لم يقسوه؛ لأنّ ذلك يُؤدي إلى إفساد اللغة وإبطال حقائقها.[١٧]

فوائد الاشتقاق في اللغة العربية

يُمكن الإشارة إلى بعض من فوائد الاشتقاق وأهميته في النقاط الآتية:[١٨]

  • معرفة معاني الأسماء التي نقلها الناس عن العرب وجهلوا أصولها.
  • الوقوف على الحس الجمالي للغة العربية الذي ينشأ عن التجاور الصوتي، إذ تأتي منه دلالات معينة.
  • المحافظة على اللسان العربي من الانصهار والاضمحلال.
  • معرفة أسرار الأمم وأصول لغتهم.
  • معرفة الأصيل من الدخيل في اللسان العربي.
  • نمو اللغة وزيادة الثروة اللفظية.

آراء العلماء حول الاشتقاق

تعددت آراء العلماء حول الاشتقاق، نذكر منها الآتي:[١٩]

  • تمّام حسان

أشار في كتابه “اللغة العربية معناها ومبناها” إلى الاشتقاق، حيث يرى أنّه قد تقوم بين الكلمات التي جاءت على صيغ مختلفة صلة معينة قوامها هو اشتراكها في ثلاثة أصول معينة وهي “فعل”؛ فتكون فاء الكلمة وعينها ولامها في كلمة واحدة.

  • المعجميون

من وجهة نظر المعجميين حول الاشتقاق هو أنّ الهدف ليس الصيغ، إذ قد تتحقق بكلمات، وقد تظل احتمالًا نظريًا صالحًا للتحقيق بصياغة الكلمة المناسبة على مثالها عند الحاجة إليها.

  • عبد الله أمين

عرّف علم الاشتقاق كما أسماه هو، وعرضه بصورة جليلة وواضحة في مؤلفه “الاشتقاق”؛ أنّه أخذ كلمة من كلمة أو أكثر تُناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى، كما صرح عن أقسام علم الاشتقاق واختار لها من الصفات “الصغير والكبير والكبار والكبّار”.

  • إبراهيم أنيس

أشار في كتابه “من أسرار اللغة” أنّ الوسيلة الثانية لنمو اللغة، لا سيما من حيث الألفاظ والصيغ هي ما يُسمى بالاشتقاق، وأنّ الصلة بين القياس والاشتقاق هي صلة وثيقة، والقياس هو الأساس الذي تُبنى عليه هذه العملية الاشتقاقية.

أمثلة على المشتقات في اللغة العربية

أمثلة متنوعة على المشتقات فيما يأتي:

  • خيرُ الناس أنفعُهُم للناسِ. (صفة مشبهة)

خير: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف، والناس مضاف إليه مجرور بالكسرة.

  • إنَّ كاتبَ المقالةِ مثقفٌ. (اسم فاعل)

كاتب: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

  • الكريمُ مُحترمٌ قدرُهُ.(اسم مفعول)

محترمٌ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

  • خرجتُ إلى المسجد. (اسم مكان)

المسجد: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.

  • قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.[٢٠](اسم زمان)

مطلع: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره وهو مضاف، الفجر: مضاف إليه مجرور.

نستخلص مما سبق، أنّ الاشتقاق الركيزة الأساسية لأعمال اللفظ، والقرينة الرئيسة لتحديد الوظيفة النحوية، وهذا متوارد في أبواب نحوية كثيرة؛ كمفعول المطلق المشتق من لفظ الفعل، والحال، والتمييز، والخبر المشتق وأمثال ذلك، ومن هنا تكمن أهمية دراسة الاشتقاق.

المراجع

  1. سوهير حفيان، الاشتقاق ودوره في نمو اللغة، صفحة 5. بتصرّف.
  2. سورة النحل، آية:7
  3. سوهير حفيان، الاشتقاق ودوره في نمو اللغة، صفحة 5. بتصرّف.
  4. سوهير حفيان، الاشتقاق ودوره في نمو اللغة، صفحة 6. بتصرّف.
  5. عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: ابستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 20-21. بتصرّف.
  6. عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 20-21. بتصرّف.
  7. ^ أ ب عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبتسيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 23. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمود الحسن مولانا شمس الحق، الاشتقاق عند ابن عادل الدمشقي في تفسيره اللباب في علوم الكتاب، صفحة 65-66. بتصرّف.
  9. عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 23. بتصرّف.
  10. عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 23. بتصرّف.
  11. عبد المجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 24. بتصرّف.
  12. عبد المجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الإعمال، صفحة 24. بتصرّف.
  13. جويرية محمد اليمني، دلالة المشتقات وإعمالها في الربع الثاني من القرآن، صفحة 25. بتصرّف.
  14. جويرية محمد اليمني، دلالة المشتقات وإعمالها في الربع الثاني من القرآن الكريم، صفحة 28. بتصرّف.
  15. جويرية محمد اليمني ، دلالة المشتقات وإعمالها في الربع الثاني من القرآن الكريم، صفحة 30. بتصرّف.
  16. أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، صفحة 35-36. بتصرّف.
  17. أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائله وسنن العرب في كلامها، صفحة 35-36. بتصرّف.
  18. عبدالمجيد طلحة وعبدالكريم الدخيسي وعبدالله صغيري، الاشتقاق والنص: إبستيمولوجيا المصطلح وقواعد الاإعمال، صفحة 71-76. بتصرّف.
  19. سوهير حفيان، الاشتقاق ودوره في نمو اللغة، صفحة 16-18. بتصرّف.
  20. سورة القدر، آية:5

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى