مواضيع دينية متفرقة

جديد الإصابة في تمييز الصحابة

الإصابة في تمييز الصحابة

كتب ابن حجر العسقلاني كتاب الإصابة في تمييز الصحابة؛ الذي يُعدّ من أكبر الكُتب التي جمعت تراجم الصحابة، حيث جمع ابن حجر أكثر من اثني عشرة ألف ترجمة للصحابة، وضمَّ في كتابه التراجم التي جمعها المؤلّفون من قبله، وتميّز بذكر الترجمة باختصار، ويحرص على ذكر المشاهد المُتعلّقة بالصحابي المترجَم له مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم-،[١] واستفاد ابن حجر في تأليف الكتاب من كتب الجرح والتعديل، وتواريخ المدن المحلّية، وكتب الحديث، والتفسير، والرقائق، وغيرها من أصناف الكتب، والذي يدلّ على كثرة علومه واطّلاعه الواسع، ويتضمّن الكتاب أربعة مجلدات؛ أول ثلاثةٍ منها تذكر مًن عُرف باسمه من الصحابة، والمجلد الرابع يذكر مَن عُرفوا بكُناهم، وذَكَر أيضاً النّساء وبدأ بمن عُرِفت أسماؤهنّ، ثم انتقل إلى من عُرِفنَ بالكُنية.[٢]

ويعود سبب تأليف ابن حجر لكتابه الإصابة في تمييز الصحابة؛ كونه يرى أنّ علم الحديث النبوي الشريف من أهم العلوم، حيث يحتوي هذا العلم تمييز الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- عن غيرهم، ولم يكن هذا المُؤلَّف الأول في هذا العلم، فقد سبقه الكثير من المُؤلَّفات، فرجع إليها ابن حجر وأضاف عليها وطوّر منها وتوسّع فيها، وتنبّه في مؤلَّفِه إلى الكثير من أسماء الصحابة التي لم تُذكر قبله رغم أنّها من المفترض أن تكون مذكورة، وأخذ معه التأليف ما يقارب من الأربعين عاماً، مبيّناً أن التأليف فيه كان على مهلٍ، وأنّه كتبه في ثلاث مسوّدات، ففي كل مرّةٍ كان يضيف إلى الهوامش ويصحّح،[٣] وقد سمّى ابن حجر كتابه بهذا الاسم، وذكره في كتبه الأخرى عندما كان يُحيل إليه، وهو الاسم المتواتر بين الناس، وسمّاه بعض العلماء؛ “الإصابة في معرفة الصحابة”، و”الإصابة بمعرفة الصحابة”، و”الإصابة في أسماء الصحابة”، لكن اسم “الإصابة في تمييز الصحابة” هو الاسم الذي يتفّق مع غاية المؤلف من تأليفه، حيث أراد أن يميّز الصحابة عن غيرهم.[٤]

مؤلّف كتاب الإصابة في تمييز الصحابة

اسمه أحمد بن علي بن محمد، شهاب الدِّين أبو الفضل المشهور بابن حجر الكناني العسقلاني الأصل، وُلد في مصر، شافعي المذهب،[٥] وقد عاش حياته في ظلّ والده، وامتازت هذه الفترة بالعناية والاهتمام الفائقين به من قِبَل والده، فقد كان أبوه بارعاً في كثيرٍ من العلوم، كما أخذه معه إلى الحج وبيت المقدس، وعاش معه في مجاورة الحرمين، وكان حريصاً على حضور ابنه لمجالس الحديث، وكان أثناء هذه الفترة قد فقد أمّه، ولما بلغ من العمر أربع سنوات تُوفّيَ والده، وكان قد أوصى أبا بكر الخرّوبي عليه قبل وفاته، وهو أحد التُّجّار، فقدّم له الرعاية والاهتمام الكبيرين، فكان له الأثر الكبير في تنشئة ابن حجر تنشئةً صالحةً عفيفةً وفق الأخلاق الحميدة، وأتمّ حفظ القرآن الكريم حين كان له من العمر تسع سنوات، وحفظ بعض المؤلفات المختصرة في أساسيات العلوم؛ مثل كتاب العُمدة في الأحكام للمقدسي، وحفظ البخاري وعرضه على العفيف النشاوري بمكة المكرمة.[٦]

واهتمّ بتحصيل العلم اهتماماً بالغاً، حتى وصل الأمر به أن يستأجر الكتب ويستعيرها؛ ليستفيد منها، وبعدما توفّيَ وصيّه الخرّوبي أصابه الفتور في طلب العلم، فتراجع تحصيله؛ نتيجة فقده من كان يحثّه على طلب العلم، وفي هذه الفترة اتّجه نحو الأدب والتاريخ، وما لبثت همّته إلّا أن عادت كما كانت، فعاد من جديدٍ إلى طلب العلم وخاصّة علوم الحديث، إضافة لاهتمامه بالتاريخ، ومما ساعده على كثرة التحصيل في هذه الفترة؛ قراءته المُتقنة السّريعة، وسرعته في الكتابة، وفطنته وسرعته في الفهم، واتّصافه بالصبر والعزم والهمّة العالية، ومرافقته للصحبة الصالحة التي تُعينه وتُرافقه في طلبه للعلم وتُصوِّبُ أخطائه.[٦]

وله الكثير من المُصنّفات والمؤلفات التي ظهرت فيها براعته، وامتازت بقوّتها، وكثرة فوائدها، حتى تسابق الناس في تحصيلها، وقام الكثير من المصنّفين بجمع كتبه وسردها في مصنّفاتهم، ومن الكتب التي قام بتأليفها ابن حجر العسقلاني؛ فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وتهذيب التهذيب، وتقريبه، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام، وإتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، وتغليق التّعليق، والتمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز، والإصابة في تمييز الصحابة، ولسان الميزان، ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، وشرحها نزهة النظر،[٧] وقد وافته المنيّة بعدما مرض أكثر من شهر، وكان ذلك في ليلة يوم السبت في الثامن والعشرين، من شهر ذي الحجة من السنة الثانية والخمسين والثمانمئة، وحضر جنازته أُممٌ كثيرة بلغ عددهم أكثر من خمسين ألفاً من العلماءِ والسّلاطين والشّعراء والقُضاة والأُمراء، وقام الشُّعراء برثائه بعد موته.[٨]

منهج تأليف كتاب الإصابة في تمييز الصحابة

ميّز ابن حجر العسقلاني في هذا الكتاب الصّحابة عن غيرهم، وحاول أن يجمعهم رغم أنّه قال إنّه لم يجمع عُشر عددهم؛ ذلك لأنّ عددهم كثيرٌ لا يُمكن معرفته بدقّة، وكما قال أبو زُرعة إنّ رسول الله حين تُوفّيَ كان مَن رآه وسمع منه يزيد على مئة ألف إنسان، وجاء التأييد لكلام أبي زرعة فيما رواه كعب بن مالك في غزوة تبوك بقوله: “والنّاس كثيرٌ لا يحصيهم ديوان”،[٩] وقد قام بتقسيم الكتاب إلى أربعة أقسام على النحو الآتي:[١٠][١١]

  • القسم الأول: ذكر فيه مَن وردت صحبته لرسول الله من خلال الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الرواية صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو ما كان فيه دلالة على الصُّحبة.
  • القسم الثاني: ذكر فيه الأطفال من الصحابة الذي وُلِدوا في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لآباء وأمهات من كبار الصحابة، ثم مات رسول الله دون أن يبلغ هؤلاء الأطفال سنّ التمييز، وإنّما ذكر هذه الفئة منهم على غلبة الظنّ بأنّ رسول الله قد رآهم حين كان الصّحابة يُحضرون أبناءهم عند ولادتهم إلى رسول الله ليحنّكهم ويسمّيهم ويُبارك عليهم.
  • القسم الثالث: ذكر فيه أسماء مَن ورد ذكرهم في كتب معرفة الصحابة؛ من الصحابة المُخضرمين ما بين الجاهليّة والإسلام، ولم يأتِ دليلٌ على اجتماعهم برسول الله، دون النظر إن كانوا ممن دخل في الإسلام أم لا، واتّفق أهل الحديث على أنّ هؤلاء ليسوا من الصحابة.
  • القسم الرابع: ذكر فيه ما تم ذكرهم في الكتب السابقة على سبيل الغلط والوهم، مع تبيين ذلك، كما اقتصر على ذكر من كان الوهم فيه بيّناً واضحاً، ورتّب تراجمه على حروف المعجم.

وذكر مجموعةٌ من الفصول قبل أن يبدأ بذكر هذه الأقسام، فبدأ بتعريف الصّحابي، وميّز كونه صحابيّاً أم لا، ووضّح حالة كل صحابيٍّ من حيث العدالة، وقد أطال في هذا القسم، حيث شرح وبيّن وأوضح وفصّل، ثم ختم هذه الأقسام بذكر أسماء الصحابة المُكثرين من الفتوى على الإطلاق، وحين يتطرّق لمن يريد أن يُترجم له يذكر اسمه ونسبه، والمعروفين من تلاميذه، والغزوات التي شهدها في عصر الرسول، والفتوحات الإسلاميّة في عهد الخلفاء الراشدين، وقد يذكر إن ذُكر حديث هذا الصحابي خارج الكتب الستة ويسوق بعضاً من أحاديثه، ثم يذكر سنة وفاته، ويلاحظ الناظر في كتب معرفة الصحابة أنّ كتاب الإصابة حوى ما لم تحويه الكتب الأخرى،[١٢] وقد أدّى المنهج الذي اتّبعه ابن حجر في كتابه إلى تكرار أسماء بعض الصحابة؛ لأنه قد يذكر الاسم في القسم الأول تحت من روى عن رسول الله، ثم قد يذكره في قسم من ذكروا في الصحابة على سبيل الوهم، فيحصل التكرار على هذا الأساس.[١٣]

أهمية ومكانة كتاب الإصابة في تمييز الصحابة

يُعدّ كتاب الإصابة في تمييز الصحابة من أهمّ الكتب التي أُلّفت في تراجم الصحابة، وقد امتاز الكتاب بالعديد من المزايا التي جعلته مركز اهتمام طالب العلم، ومن هذه المزايا:[٤]

  • المكانة العلمية الجليلة التي تمتّع بها مؤلّف الكتاب؛ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-.
  • الأهميّة الكبيرة لموضوع الكتاب، نظراً لما حواه من تراجم الصحابة -رضوان الله عليهم-، وبيان أحوالهم وتمييزهم عن غيرهم.
  • امتداد الأخبار التي عرضها الكتاب منذ الجاهليّة مروراً بالإسلام ووصولاً إلى وفاة آخر صحابي.
  • اطّلاع صاحب الكتاب على الكثير من المؤلّفات في ذات الموضوع من قبله، فقام بالتهذيب والتنقيح والتفصيل والبيان والشرح، فجاء الكتاب مُميّزاً لا نظير له، كما استدرك على من قبله وبيّن مدى صحة ما ذكروه.
  • المقدمة التي وضعها مؤلف الكتاب وما امتازت به من الفصول والأقسام التي يُرجع إليها من أجل معرفة الصحابة وتمييزهم عن غيرهم.
  • احتواء الكتاب على الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وبيانه لدرجة صحتها.
  • نقل الكتاب للكثير من المواد العلمية المذكورة في كتبٍ صار بعضها مخفيّاً لا يمكن الوصول إليه، وذلك مثل كتاب معرفة الصحابة لابن السَّكَن، وكتاب الصحابة للعقيلي، وكتاب الصحابة لمُطيّن، وغيرها.
  • عرض الكتاب لبعض الجوانب الحضاريّة للإسلام، كما أظهر الجانب الثقافي، وبيّن الكِتاب مهمّة كل واحد من كُتّاب النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وتاريخ كتابة السيرة النبوية، وأثر الآيات القرآنية في نفوس الصحابة.

المراجع

  1. محمد السلمي (2010)، صحيح الأثر وجيل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم (الطبعة الأولى)، جدة: مكتبة روائع المملكة، صفحة 28. بتصرّف.
  2. أكرم العمري (2009)، عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة العبيكان، صفحة 38-39. بتصرّف.
  3. ابن حجر العسقلاني (1415)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 123-124، جزء 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب “ابن حجر وكتابه الإصابة في تمييز الصحابة”، www.islamstory.com، 30-11-2014، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2020. بتصرّف.
  5. يوسف بن عبد الله الظاهري، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 17، جزء 2. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني (1998)، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة للنشر والتوزيع، صفحة 39-44، جزء 1. بتصرّف.
  7. ابن حجر العسقلاني (2007)، التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز المشهور بـ التلخيص الحبير (الطبعة الأولى)، الرياض: دار أضواء السلف، صفحة 21-22، جزء 1. بتصرّف.
  8. يوسف بن عبد الله الظاهري، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 22، جزء 2. بتصرّف.
  9. محمد خليفة، مدرسة الحديث في مصر، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 478. بتصرّف.
  10. محمد الزهراني (1996)، علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الهجرة، صفحة 110-111. بتصرّف.
  11. أكرم العمري، بحوث في تاريخ السنة المشرفة (الطبعة الرابعة)، بيروت: بساط، صفحة 74. بتصرّف.
  12. محمد الزهراني (1996)، علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الهجرة، صفحة 111-112. بتصرّف.
  13. ابن حجر العسقلاني (1415)، الإصابة في تمييز الصحابة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 133-134، جزء 1. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى