شعر عربي

اشعار احمد شوقى

اشعار احمد شوقى

أحمد شوقي

ولد أحمد شوقي في القاهرة عام 1868م، تلقّى تعليمه الأساسي والثانوي ليحصل على منحة دراسية بسبب تميّزه. درس الحقوق في مصر وأتمّ شهادته وتخصصه في فرنسا على نفقة الدولة.

عاد إلى مصر عام 1894م واستقرّ فيها حتى نفاه الإنجليز إثر الحرب العالمية الأولى إلى إسبانيا، حتى توفي عام 1932م تاركاً وراءه كمّاً هائلاً من التراث الأدبي الشعري والمسرحيّ الرائع. (1)

من أشعار أحمد شوقي

من القصائد التي نظمها أحمد شوقي نقدّم لكم ما يأتي:

خدعوها

خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ

وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ

أَتُراها تَناسَت اسمِيَ لَمّا

كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ

إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم

تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ

نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ

فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ

أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ

يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا

مِنَ الهَوى ما نَشاءُ

وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيبٌ

تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ

جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت

أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراءُ

فَاتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى

فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواءُ

يا جارة الوادي

يا جارة الوادي طربت وعادني

ما زادني شوقا إلى مرآك

فقطّعت ليلي غارقا نشوان في

ما يشبه الأحلام من ذكراك

مثلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى

لما سموت به وصنت هواكِ

ولكم على الذكرى بقلبي عبرة

والذكريات صدى السنين الحاكي

ولقد مررت على الرياض بربوة

كم راقصت فيها رؤاي رؤاكِ

خضراء قد سبت الربيع بدلها

غنّاء كنتُ حيالها ألقاكِ

لم أدر ما طيب العناق على الهوى

والروض أسكره الصبا بشذاكِ

لم أدر والأشواق تصرخ في دمي

حتى ترفق ساعدي فطواك

وتأودت أعطاف بانكِ في يدي

واحمر من خديهما خداكِ

أين الشقائق منك حين تمايلا

وأحمرّ من خفريهما خدّاك

ودخلت في ليلين: فرعك والدجى

والسكر أغراني بما أغراك

فطغى الهوى وتناهبتك عواطفي

ولثمتُ كالصبح المنور فاكِ

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

قلبي بأحلى قبلة شفتاكِ

وبلغت بعض مآربي إذ حدّثت

عيني في لغة الهوى عيناكِ

لا أمس من عمر الزمان ولا غد

بنواك..آه من النوى رحماكِ

سمراء يا سؤلي وفرحة خاطري

جمع الزمان فكان يوم لقاكِ

أريد سلواكم

أَريدُ سُلوَّكم، والقلبُ يأْبَى

وعتبكُم ، وملءُ النفس عُتْبى

وأَهجركم، فيهجرني رُقادي

ويُضوِيني الظلامُ أَسًى وكرْبا

واذكركم برؤية ِ كلِّ حُسْنٍ

فيصبو ناظري، والقلب أصبى

وأَشكو من عذابي في هواكم

وأَجزيكم عن التعذيبِ حُبّا

وأَعلمُ أَن دَأْبكُمُ جَفَائي

فما بالي جعلتُ الحبَّ دأْبا؟

ورُبَّ مُعاتِبٍ كالعيش ، يشكى

وملءُ النفس منه هَوًى وعُتْبى

أتَجزيني عن الزُّلْفَى نِفاراً؟

عَتَبَتكَ بالهوى ، وكفاك عَتبا

فكلّ ملاحة ٍ في الناس ذنبٌ

إذا عُدّ النِّفارُ عليكَ ذنبا

أخذتُ هواك عن عيني وقلبي

فعيني قد دَعَتْ، والقلبُ لَبّى

وأَنتَ من المحاسن في مِثال

فديتكَ قالَباً فيه وقَلْبا

أُحِبُّكَ حين تثني الجيدَ تِيهاً

وأَخشى أَن يصيرَ التِّيهُ دَأْبا

وقالوا : في البديل رضاً ورووحٌ

لقد رُمتُ البديلَ، فرمتُ صَعبا

وراجعتُ الرشادَ عَساي أَسلو

فما بالي مع السُّلوانِ أَصْبى ؟

إذا ما الكأْسُ لم تُذْهِبْ همومي

فقد تَبَّتْ يدُ الساقي، وتَبّا

على أَني أَعَفُّ من احتساها

وأَكرمُ مِنْ عَذَارَى الدير شربا

ولي نفسٌ أُورَيها فتزهو

كزهر الورد نَدَّوْهُ فهبَّا

قلب يذوب

قلبٌ يذوب ، ومدمعٌ يجري

يا ليلُ، هل خيرٌعن الفجر

حالت نجومك دون مطلعه

لا تبتغي حِوَلاً، ولا يسري

وتطاولَتْ جُنْحاً، فخُيِّل لي

أَن الصباحَ رهينة ُ الحشر

أَرسيتَها وملكتَ مذهبَها

بدجنة ٍ كسريرة الدهر

ظلمٌ تجيء بها وترجعها

والموجُ منقلبٌ إلى البحر

ليت الكرى وموسى فيوردها

فرعون هذا السهد والفكر

ولقد أَقول لهاتفٍ سحراً

يبكي لغير نوىص ولا أسر

والروضُ أخرسُ غير وسوية ٍ

خَفَقَ الغصونِ، وجرْية الغُدْر

والطيرُ مِلءُ الأَيْكِ، أَرؤُسُها

مثلُ الثمار بدت من السِّدْر

ألقى الجناحَ ، وناء بالصدر

ورنا بصفراوين كالتبر

لكهم السهادُ بيوتَ هدبها

وأَقام بين رُسومِها الحُمْر

تهدا جوانحه ، فتحسبه

من صَنْعة الأَيدي أَو السِّحْر

وتثور، فهْوَ على الغصون يَدٌ

علقتْ أناملها من الجمر

يا طيرُ، بُثَّ أَخاك ما يَجري

إنَّا كِلانا مَوْضِعُ السِّرّ

بي مثل ما بك من جوىً ونوى ً

أنا في الأنام ، وأنت في القمر

عبث الغرام بنا وروعنا

أنا بالملام ، وأنت بالزجر

يا طيرُ، لا تجزَعْ لحادثة ٍ

كلُّ النفوسِ رهائنُ الضرّ

فيما دهاك لو اطَّلعتَ رضًى

شرٌّ أخفُّ عليك من شرّ

يا طيرُ، كَدْرُ العيشِ لو تدري

في صفوه، والصفْوُ في الكَدْر

وإذا الأُمورُ استُصعِبَتْ صَعُبَتْ

ويهون ما هوّنتَ من أَمر

يا طيرُ، لو لُذْنا بمصْطَبَرٍ

فلعلّ رُوحَ الله في الصَّبْر

وعسى الأَمانيُّ العذابُ لنا

عونٌ على السلوان والهجر

يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ

يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ

كلُّ البلادِ وسادٌ حين تتَّسدُ

قد غيَّبَ الغربُ شمساً لا سقامً بها

كانت على جَنَباتِ الشرقِ تَتَّقِد

حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ

إن النفوسَ إلى آجالها تفد

كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياة ِ سوى

يومٍ يفارقُ فيه المهجة َ الجسد

نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ

برقٌ تمايلَ منه السهلُ والجَلد

برقُ الفجيعة ِ لما ثار ثائِرُه

كادتْ كأَمسٍ له الأَحزابُ تَتَّحِد

قام الرجالُ حيارى منصتين له

حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا

علا الصعيدَ نهارٌ كلُّه شجنٌ

وجلَّل الريفَ ليلٌ كلُّه سُهُدُ

لم يُبْقِ للضاحكين الموتُ ما وجدوا

ولم يَرُدَّ على الباكين ما فقدوا

وراءَ ريبِ الليالي أو فجاءتها

دمعٌ لكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصد

باتت على الفكِ في التابوتِ جوهرة ٌ

تكادُ بالليل في ظلِّ البِلَى تقِدُ

يفاخرُ النيلُ أصداف الخليج بها

وما يدبُّ إلى البحرين أَو يَرِدُ

إنّ الجواهر أسناها وأكرمها ما

يقذفُ المهدُ ، لا ما يقذفُ الزَّبدُ

حتى إذا بلغ الفلكُ المدى انحدرتْ

كأنها في الأكفِّ الصارمُ الفرد

تلك القيَّة ُ من سيف الحمى كسرٌ

على السرير ، ومن رمح الحمى قصد

قد ضمّها فزكا نعشٌ يطاف به

مُقدَّمٌ كلِواءِ الحقِّ مُنفرِد

مشتْ على جانبيه مصرُ تَنْشُدُه

كما تدَلَّهَت الثَّكْلَى ، وتَفتقِد

وقد يموت كثيرٌ لا تحسُّهمُ

كأَنهم من هَوانِ الخطب ما وُجِدوا

ثكلُ البلاد له عقلٌ ، ونكبتها هي

النجابة ُ في الأولاد ، لا العدد

مكلِّل الهامِ بالتصريح ، ليس له

عودٌ من الهام يَحويه ولا نَضد

وصاحبُ الفضل في الأَعناقِ ليس له

من الصنائعِ أَو أَعناقهم سَنَد

خلا من المِدْفَع الجبَّارِ مَركَبُهُ

وحلّ فيه الهدى والرفقُ والرَّشَد

إن المدافِعَ لم يُخْلَقْ لصُحبتها

جندُ السلام، ولا قُوّادُه المُجُد

يا بانِيَ الصرح لم يَشغَله مُمتدِحٌ

عن البناءِ، ولم يصرفه مُنتقِد

أَصمَّ عن غضبٍ مِنْ حَوْلِه ورِضًى

في ثورة ٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِد

تصريحك الخطوة ُ الكبرى ومرحلة ٌ

يدنو على مثلها ، أو يبعد الأمد

الحقُّ والقوة ُ ارتدّا إلى حكمٍ

من القياصل ، ما في دينه أود

لولا سِفارتُك المهديّة ُ اختصما

وملَّ النِّضالِ الذئبُ والنَّقد

ما زِلْت تَطرقُ بابَ الصلح بينهما

تفتحت الأبوابُ والسُّدد

وجَدْتها فرصة ً تُلْقى الحِبالُ لها

إنَّ السياسة َ فيها الصَّيْدُ والطَّرَد

طلبْتَها عندَ هُوجِ الحادثاتِ كما

يمشي إلى الصيد تحتَ العاصفِ الأَسَد

لما وجدت مُعدّاتِ البناءِ بنَتْ

يداك للقوم ما ذمُّوا وما حمدوا

بنيت صرحك من جهد البلاد ، كما

تبنى من الصخرِ الآساسُ والعمد

فيه ضحايا من الأَبناءِ قَيِّمة ٌ

وفيه سَعْيٌ من الآباءِ مُطَّرِد

وفيه ألوية ٌ عزَّ الجهادُ بهم

لولا المنيَّة ُ ما مالوا، ولا رقدوا

رميْت في وَتَدِ الذلِّ القديمِ به

حتى تَزعزعَ من أسبابه الوتِد

طوى حِمايَتَهُ المحتَلُّ، وانبسطتْ

حماية ُ اللهِ ، فاستذرى بها البلد

نمْ غيرَ باكٍ على ما شدت من كرمٍ

ما شِيدَ للحقِّ فَهْوَ السَّرْمَدُ الأَبد

يا ثروة َ الوطنِ الغالي، كفَى عظة ً

للناس أنك كنزٌ في الثرى بدد

لم يطغك الحكمُ في شتَّى مظاهره

ولا استخفَّك لينُ العيشِ والرَّغد

تغْدُو على الله والتاريخِ في ثِقة ٍ

ترجو فتُقْدِمُ، أَو تخْشَى فتَتَّئِد

نشأتَ في جبهة ِ النيا ، وفي فمها

يدورُ حيثُ تَدور المجدُ والحسَد

لكلِّ يومٍ غَدٌ يمضي برَوْعَتِهِ

وما ليومكَ يا خيرَ اللداتِ غدُ

رَمَتْكَ في قنواتِ القلبِ فانصدعَتْ

منِيَّة ً ما لها قلبٌ، ولا كَبِد

لمّا أناختْ على تامورك انفجرتْ

أَزكَى من الورْدِ، أَو من مائه الوُرُد

ما كلُّ قلبٍ غدا أو راح في دمه

فيه الصديقُ وفيه الأَهلُ والولد

ولم تطاولكَ خوفاً أن يناضلها

منك الدهاءُ ورأيٌ منقذٌ نجد

فهل رثى الموت للبرِّ الذَّبِيحِ وهل

شجاه ذاك الحنانُ الساكنُ الهَمِد؟

هَيْهَات! لو وُجِدَتْ للموت عاطفة ٌ

لم يبك من آدمٍ أحبابه أحد

مَشَتْ تَذُودُ المنايا عن وَديعتها

مدينة ُ النُّور ، فارتدَّتْ بها رمد

لو يُدفع الموتُ رَدَّتْ عنك عادِيَهُ؟

للعلم حولكَ عينٌ لم تنمْ ويد

أبا عزيز سلامُ اللهِ ، رسلٌ

إليك تحمل تسليمي ، ولا بردُ

ونفحة ٌ من قوافي الشعر كنت لها

في مجلس الراحِ والريحانِ تحتشدِ

أرسلتها وبعثتُ الدمعَ يكفنها

كما تحدَّر حولَ السَّوسن البرد

عطفتُ فيك إلى الماضي ، وراجعني

ولا تغّير في أبياتها الشُّهد

حتى لمحتُكَ مَرموقَ الهلالِ على

حداثة ٍ تععدُ الأوطانَ ما تعد

والشعرُ دمعٌ، ووجدانٌ، وعاطفة ٌ

ياليت شعريَ هل قلتُ الذي أجد.

المراجع

(1) بتصرّف عن نبذة حول الشاعر: أحمد شوقي، adab.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى