قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ” ويقول الشيخ فرحات السعيد المنجي ـ وهو من علماء الأزهر: “إن المؤمن إذا رأى أحداً فانه يستطيع أن يعلم بواطن الإنسان الذي أمامه بنظرة ثاقبة، وهذا من غير أن يعلمه أحد بهذه البواطن”.
والفراسة تعني أن يعرف الإنسان بحنكة وذكاء ما يخفى عنه ويستطيع التكهن ببواطن الأمور، خاصة تلك التي تخص سمات الناس، والفراسة تعني أيضا الذكاء والحنكة وسرعة البديهة، ويرى علماء الدين أن فراسة المؤمن هي هبة من الله تعالى وهبها لعباده الصالحين الذين يتبعون أوامره ويجتنبون فعل المعاصي وينقادون لفعل الخير وتطبيق شريعة الله تعالى فلا يكذبون أو يسرقون أو يحسدون غيرهم على ما أتاهم الله من خيره، وقد وهبهم الله هذه الميزة حتى يسهل عليهم أمور دنياهم فلا يقعون في شرور غيرهم من الناس الذين لا يتبعون شرع الله.
والفراسة لا تعني أن يعتقد الناس أو يظنوا بغيرهم ظنا يرون أنه هو الحقيقة بعينها فيقول الرسول الكريم ” أشققت عليه قلبه ” أي الأناس لا يمكن أن يعرف ما يحمل أخيه الإنسان في داخله من أفكار وأسرار إلا أنه يستطيع التنبؤ بسلوكيات الناس من باب الخبرة وهبة الله لبعض عباده الصالحين بأن يكون لديهم فراسة .
عرف العرب بأنهم يمتلكون الفراسة، واشتهروا بحياكة الألغاز وحلها وهذا يعتبر شيئا من الذكاء، إلا أن فراسة المؤمن مختلفة حيث أن الله وبحسب الحديث الشريف يهب عباده المؤمنين قدرة مميزة تميزهم عن غيرهم باكتشاف بواطن الأمور، والإنسان المؤمن لا يستعمل فراسته في غير محلها حيث أنه يعرف ويقدر قيمة عطاء الله له، فلا ينزل أحكاما ويطلقها على إخوته المؤمنين بغير حساب ودراية، ويستغلها لإيقاع الأذى بهم.
والفراسة لا تعني أن هذا المؤمن وكما يقال مرفوع عنه الحجاب فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ولا يعرف ما في سريرة الناس إلا هو سبحانه وتعالى.
العلوم الحديثة:
درست العلوم الحديثة وخاصة علم النفس الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي عرفها الإنسان بقصد الكشف عن غموضها ومنها مفهوم الذكاء ، والفراسة، والقدرة على التنبؤ، والتخاطب عن بعد، وتفسير الأحلام والرؤى، وبالطبع فإن دراسات علم البحث تتسم بالجدية والامتثال للمقاييس البحثية ، وليست مجرد فرضيات ونظريات غير مدروسة ومجربة، ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء مثلا في علم النفس هي اختبارات علمية ونتائجها لا تسمح بأكثر من 5% من الخطأ، وكلها وضعت بعد دراسات وحسابات دقيقة، ولكل فئة عمرية اختبار خاص يقيس قدرات الذكاء لدى هذه الفئة، ونرى أن الأبحاث التي أجريت على مدى سنوات طويلة في علم النفس أفرزت لنا اختبار بينيه و وكسلر للذكاء ، وقد طورت هذه الاختبارات وتم تطبيقها في أكثر بلدان العالم بعد تحميها أي بعد أن ترجمت وعدلت لتناسب البيئات المختلفة، وأثبتت فعالية عالية حتى أن الكثير من الجامعات والمدارس والوظائف تطلب أن يتم تطبيق الاختبار على من يرغب الالتحاق بها، وهذا يعني أن البعد النفسي والمعرفي الذي يبدو لنا الآن غير قابل للدراسة وليس هناك دليل مثبت على وجوده أو عدمه أو قياسه مثل ما كان الذكاء في القدم ، الآن على العكس كل هذه المفاهيم من الممكن أن تخضع للدراسة، ونجد أن دراسات علم النفس أيضا طورت جهازا لكشف الكذب من خلال رصد المشاعر وردات فعل المفحوص، ومن هنا نجد أن الفراسة علم وفرضية ونظرية قابلة للدراسة، وقد يوجد لها مقاييس واختبارات لفحصها والتأكد من مدى قوتها.