موقع مرج دابق
يقع مرج دابق شمال مدينة حلب الشَّهباء، بمنطقة أعزاز، ودابق قرية تاريخيّة تَبعُد عن مركز مدينة حلب قُرابة 35 كم، وهي قريبة من الحدود التركيّة، إذ تَبعُد عنها حوالي 45 كم، وتضمُّ منطقة أعزاز بلدات أُخرى، هي؛ صوران، ومارع، وأخترين، ونبل، بينما تَتبعُ دابق بالإضافة إلى قُرىً أُخرى دائرة أخترين، ويتميّز مناخ القرية بكونه دافئاً ومُعتدلاً، وهو مُصاحبٌ للأمطار في فصل الشتاء، بينما تكون درجات الحرارة معتدلة في فصل الصيف؛ وذلك لوقوع القرية في منطقة زراعيّة خَصبة تساعد على تلطيف الأجواء.[١]
لقرية دابق موقع استراتيجيّ مُهمّ على مدى عدّة عقود، وقد ذُكِر أنَّ أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك وَلّى أخاه مسلمة بن عبد الملك الجيوش الإسلاميّة لفَتْح القسطنطينيّة، فتوجَّهت الجيوش من بيت المقدس حتى دخلوا دمشق، ومن ثمَّ نزلوا مرج دابق، ليستكملوا بعدها طريقهم إلى القسطنطينيّة، وكان مرج دابق آخر ما وطئته قدما سليمان بن عبد الملك، حيث مات ودُفِن فيها، وقد عُيّن فيها الخليفة الذي تلاه، وهو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز،[٢] كما شهدت هذه المنطقة حَدثاً تاريخيّاً فاصلاً، حيث كانت بداية حُكم العثمانيّين لمنطقة الشام ومصر، وهذا بَعد معركتهم بقيادة السُّلطان سليم الأوّل ضدّ المماليك بقيادة قانصوه الغوري عام 1516م.[١]
معركة مرج دابق
ومن أشهر المعارك على أرض مرج دابق، المعركة التي وقعت بين الدولة العثمانيّة بقيادة السُّلطان سليم الأوّل، والدولة المملوكيّة بقيادة السُّلطان قانصوه الغوري، وذلك في 24 أغسطس من عام 1516م، في قرية تُسمَّى دابق، تقع في شمال سوريا، بالقُرب من الحدود التركيّة، حيث أراد السُّلطان سليم الأوّل توحيد الأمصار الإسلاميّة، وإخضاعها للدولة العثمانيّة، بعد تنامي المخاوف إثر سقوط الأندلس بأيدي الصليبيّين، واحتلال البرتغاليّين لليمن وعُمان، بعد اكتشافهم طريق رأس الرجاء الصالح، وجعلوا من هذه الدُّول قواعد لهم؛ بهدف الوصول إلى مزيد من المكاسب، كما توجَّهت أنظارهم إلى المدينة المُنوَّرة؛ لنَبْش قَبر الرسول عليه السلام، ولمُساوَمة المسلمين على القدس بجثمان النبيّ.[٣]
كما أنَّ ظهور الدولة الصفويّة، ومُهاجمتها للعثمانيّين، وتحالفها مع البرتغاليّين، والنزاعات التي وقعت بين العثمانيّين والمماليك، وضَعْف الدولة المملوكيّة في التصدّي لهجمات البرتغاليّين من جهة، ومن جهة أُخرى المساعدات التي كان يُقدِّمها المماليك للصفويّين على حساب العثمانيّين، كلّ هذه الأسباب جعلت السُّلطان سليم شديد الغضب على السلطان الغوري ودولته في مصر، ونتيجة لذلك فقد حاول السلطان قانصوه الغوري حلّ الخلاف، إلّا أنَّ السلطان سليم عَزَم على مهاجمة المماليك، فتوجَّه إلى بلاد الشام، ونجح في إقناع وُلاة الشام بالوقوف إلى جانبه في حَربه.[٣]
ونَشبَت المعركة عند مرج دابق بالقُرب من مدينة حلب؛ إذ استطاع المماليك في البداية الدفاع عن دولتهم ببَسالة، إلّا أنّ الخلاف الذي حصل داخل فِرَق المماليك المُحارِبة، وانشقاق بعضها، ووقوفها إلى جانب العثمانيّين، أدّى إلى هزيمة المماليك بعد انتشار مقتل السلطان الغوري، ومن خلال هذه المعركة، زَحفت الدولة العثمانية لاستكمال فتوحاتها في الشام، إلى أن وصلت إلى القاهرة، فدخلتها الجيوش العثمانيّة في معركة الريدانيّة، وبذلك تكون نهاية الدولة المملوكيّة في مصر والشام على يد السُّلطان سليم الأوّل، الذي جعل مصر واحدة من ولاياته العثمانيّة.[٣]
البُعد الديني لمرج دابق
يحتلّ مرج دابق مكانة لدى المسلمين، إذ يَذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- دابق بالاسم، ويقول إنّ جيش المسلمين سوف يلتقي فيها بجيش الروم، لتبدأ معركة آخر الزمان في دابق أو الأعماق، وهما اسمان لموضعين كما ذُكِر في كتاب المصابيح، ومن خلال التأمُّلات في الحديث النبويّ الآتي، نَجِد أنّه يشيرُ إلى أنّه بعد المُصالحة التي تَحصلُ بين المسلمين والروم لقتال عدوّ، تقع الملحمة الكُبرى بينهم، وذلك قَبل فَتح القسطنطينيّة، فيسألون المسلمين أن يُخلّوا بينهم وبين من سَبى ذُرِّيتهم، إلّا أنًّهم يرفضون طلبهم.[٤]
روى الإمام مسلمٌ في صحيحه، عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أو بِدَابِقٍ، فيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ من المَدِينَةِ من خِيَارِ أَهْلِ الأرض يَوْمَئِذٍ، فإذا تَصَافُّوا، قالت الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ. فيقول الْمُسْلِمُونَ: لا والله، لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ الله عليهم أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قد عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قد خَلَفَكُمْ في أَهْلِيكُمْ. فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فإذا جاؤوا الشام خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كما يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حتى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ الله بيده فَيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ)[٥]
المراجع
- ^ أ ب “دابق.. البعد الديني وإستراتيجية المكان”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2018. بتصرّف.
- ↑ ابن كثير (1410هـ، 1990م)، البداية والنهاية (الطبعة الثامنة)، بيروت، لبنان: مكتبة المعارف، صفحة 174، 175، 181، 183، جزء التاسع. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د. عثمان علي عطا (11-9-2011)، “معركة مرج دابق”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-5-2018. بتصرّف.
- ↑ علي بن سلطان القاري (1422هـ، 2011م)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 52، 53، جزء العاشر. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2897 .