قرآن

جديد أين نزل القرآن الكريم

نزول القرآن الكريم

أين نزل القرآن الكريم

كان نزول القرآن الكريم على مرحلتين؛ المرحلة الأولى: نزوله من اللّوح المحفوظ إلى بيتِ العزّة في السماء الدنيا، والمرحلة الثانية: نزوله من السماء الدنيا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فأمّا النزول الأول فقد نزل دفعةً واحدة، وكان وقت نزوله بعد بعثة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على المشهور من الأقوال، في ليلة القدر من شهر رمضان، بدليل قوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)،[١] وغيرها من الأدلة، والإنزال عند العرب عادةً تُطلق على ما نزل دفعةً واحدة،[٢] وهذه المسألة يكفي فيها الخبر الصحيح الذي يفيد غلبة الظن، ولا يُشترط فيها الخبر القطعيّ اليقينيّ كمسائل العقيدة.[٣]

أقوال العلماء في مراحل نزول القرآن

تعددت أقوال العلماء في نزول القرآن الكريم، وفي ما يأتي تفصيلها:[٤][٥]

  • القول الأول: إنّ النزول الأول الذي كان من اللّوح المحفوظ إلى الدّنيا كان دفعةً واحدة، بدليل قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)،[٦] أمّا النزول الثاني فهو من السّماء الدنيا على رسول الله مُفرّقاً، بدليل قوله -تعالى-: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا)،[٧] ودليل أصحاب هذا القول؛ قول ابن عبّاس -رضي الله عنه-: “أُنزِل القرآنُ جُملةً واحدةً إلى السماءِ الدُّنيا في ليلةِ القدرِ، ثمَّ أُنزِل بعد ذلك في عشرين سنةً”، وغيره من الأحاديث الموقوفة على ابن عبّاس، ومعظم أسانيدها صحيحة، وهو القول المشهور والمعتمد عن معظم العلماء.
  • القول الثاني: قول الشعبي ومحمد بن إسحاق؛ حيث قالوا إنّ للقرآن نزولاً واحداً كانت بدايته في شهر رمضان من الليلة المباركة ليلة القدر، ثم تتابع نزوله على رسول الله، بدليل قوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ).[٨]
  • القول الثالث: قول الفخر الرازي، وابن جريج، ومقاتل بن حيان؛ حيث قالوا إنّ القرآن الكريم نزل على مرحلتين مُنجّماً في كلاهما، الأولى كانت على مدى ثلاثٍ وعشرين ليلة قدْرٍ، حيث ينزل في كل ليلة ما سينزل في عامها من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، ثُمّ النّزول الثاني؛ وهو نزوله على رسول الله في ثلاثٍ وعشرين عاماً، وقال الحليمي في كتابه المنهاج؛ “إنّ جبريل كان يُنزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة”.
  • القول الرابع: وهو قول الماورديّ؛ حيث قال إنّ القرآن أُنزل في ليلة القدر من عند الله في اللّوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين السفرة في السماء الدنيا دفعةً واحدة، ثم قامت الملائكة بتنزيله منجّماً على جبريل في عشرين ليلة، ثم أنزله جبريل مُفرّقاً على رسول الله في عشرين عاماً، ورفض ابن حجر وابن العربي وأبو شامة المقدسي هذا القول، وقد سمع جبريل القرآن من الله -عزّ وجل- ونزل به على سيدنا محمد بَغتةً في يوم الاثنين من شهر رمضان، وحينها كان رسول الله يختلي بنفسه في غار حراء، وعمره أربعون سنة.

الحكمة من نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا

شاءت حكمة الله -تعالى- أن ينزل القرآن جملةً واحدة إلى بيت العزّة، للدلالة على عَظمته ومكانته، ومكانة من سينزل عليه، وهو سيّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فإنّ الله قد أخبر بذلك أهل السماوات من الملائكة بنزول آخر كتاب سماويّ على أشرف الخلق لأعظم أُمّة، ثم إن نزوله في بيت العزّة يدل على إعزازه وتكريمه، شأنه في ذلك شأن المكان الذي وُضع فيه، وقد شارك القرآن الكريم جميع الكتب السماوية بكونه نزل مرّةً واحدةً، ثم انفرد عنهم بالنزول الثاني؛ حيث نزل منجّماً، فدلّ على تفضيل سيّدنا محمد على غيره من الأنبياء،[٩] ولولا أنّ إرادة الله اقتضت نزوله إلى الأرض مفرّقاً بحسب الوقائع والأحداث، لنزل جملةً واحدة كغيره من الكتب السماوية، وقد قال السخاوي في كتابه جمال القرّاء: “نزوله إلى السماء الدنيا جملة تكريم لبني آدم وتعظيم لشأنهم عند الملائكة، وتعرفهم عناية الله بهم ورحمته لهم”.[١٠]

الحكمة من نزول القرآن مفرقا على النبي

أنزل الله القرآن الكريم على سيّدنا محمد مفرّقاً لتثبيت قلبه، وليتمكّن ويقوى على مواجهة كل من قابل دعوته بالعناد والجفاء،[١١] ففي كل مرةٍ تنزل بها الآيات على رسول الله يتجدّد العهد، ويدخل السرور على قلبه، وفيه من التحدّي للمشركين وإظهاراً لإعجاز القرآن الكريم، فقد كان هؤلاء المشركين يأتون إلى رسول الله بالأسئلة التعجيزية، فتُجيبهم الآيات، وفي ذلك النزول تسهيلاً لحفظه وفهمه، فإن الله قد أنزله على أُمّةٍ أُميّة، فكان الاعتماد على الذاكرة في حفظ القرآن، وبالتالي فإن نزوله على دفعاتٍ يسهّل حفظه وفهمه والعمل به، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)،[١٢] وقد سار على هذا المنهاج الصحابة ومن بعدهم، ثمّ إنّ من الحِكم أيضاً مواكبة الأحداث، فكانت الآيات تنزل لترشدهم إلى طريق الهدى، وتُبيّن لهم أصول هذا الدين العظيم،[١٣] مِثل الآيات التي نزلت يوم تخلّف أناسٍ عن غزوة تبوك دون عذر، فقاطعهم رسول الله، ثم نزلت الآيات لتُخبر رسول الله أنّ الله قد قبِل توبتهم.[١٤]

واقتضت إرادة الله نزوله مفرّقاً لقوله -تعالى-: (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ)،[١٥] وذلك لكي ليقوى قلبُ رسولِ الله بالآيات، وهذا دليلٌ على عناية الله بنبيّه -صلى الله عليه وسلم-، كما أنّ نزوله دفعة واحدة يتعارض مع غاية القرآن من الإصلاح والهداية، حيث إن الإصلاح والتغيير يحتاج إلى التأنّي والصبر، ونزول القرآن مفرّقاً على مدى ثلاث وعشرين عاماً كان مُرشداً ومتماشياً مع هدف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته؛ وهو نشأة الإسلام ونموّه ومُعالجة أُسس العقيدة وأصول الدين، وقد أدرك الصحابة هذه الحكمة الإلهية، ومن ذلك ما روته عائشة -رضي الله عنها- فقالت: (إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا، لقَدْ نَزَلَ بمَكَّةَ علَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإنِّي لَجَارِيَةٌ ألْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسَّاعَةُ أدْهَى وأَمَرُّ}).[١٦][١٧]

كانت الآيات تُبشّر النبيّ بالنّصر وأنّ العاقبة للمتّقين، وتواسي قلبه وتدعوه إلى الصّبر والتحمّل، فكُلّما كان رسول الله يحزن أو تَثبط عزيمته لعدم استجابة قومه له؛ تُذكّره بأخبار الأُمم السابقة ونهايةُ كفرهم وتكذيبهم، لِيَثبت على طريق الدعوة وما فيه من عنتٍ ومشقّةٍ، ولتبيّن له ما بذله الأنبياء من قبله، وتارةً تأتي الآيات بالأدلة التي ترُدّ على مُعتقدات الكُفّار الباطلة، ومن الحِكم أيضاً التدرُّج في نزع العقائد والأحكام الباطلة، مثل التدرُّج في تحريم الخمر، ويظهر ذلك جليّاً في الفرق بين موضوعات الآيات المكيّة والمدنيّة، حيث تُركّز الآيات المكيّة على العقائد، والآيات المدنيّة على الأحكام العمليّة، ومعرفة حُكم الله في النوازل المُستجدّة، والإجابات عن أسئلة الصحابة المعرفيّة، والتنبيه المُتكرّر من ارتكاب الأخطاء، وتحذيرهم من المنافقين، وتحدّي المعارضين للإتيان بمثل القرآن، لأنه لو نزل دفعةً واحدة لقالوا: لو نزل مُفرّقاً لأتينا بمثله، ومع ذلك نزل مُفرّقاً ليعطيهم مع كل مرة فرصة، ولم يأتوا بمثله، فكان القرآن بذلك سلسلةٌ متكاملةٌ عظيمةٌ.[١٨]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. محمد أبو شُهبة (2003)، المدخل لدراسة القرآن الكريم (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة السنة، صفحة 50. بتصرّف.
  3. محمد أبو شُهبة (2003)، المدخل لدراسة القرآن الكريم (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة السنة، صفحة 54. بتصرّف.
  4. فهد الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 192-198. بتصرّف.
  5. محمد الدبيسي (2010)، السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية، القاهرة: جامعة عين شمس، صفحة 265. بتصرّف.
  6. سورة القدر، آية: 1.
  7. سورة الإسراء، آية: 106.
  8. سورة البقرة، آية: 185.
  9. عبد الودود حنيف، نزول القرآن والعناية به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، صفحة 10-11. بتصرّف.
  10. محمد حويه، نزول القران الكريم وتاريخه وما يتعلق به، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 21. بتصرّف.
  11. مناع القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 107. بتصرّف.
  12. سورة الجمعة، آية: 2.
  13. مناع القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 110-111. بتصرّف.
  14. مناع القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار المعارف، صفحة 116. بتصرّف.
  15. سورة هود، آية: 120.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4993، صحيح .
  17. غانم الحمد (2003)، محاضرات في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، عمان: دار عمان، صفحة 32-34. بتصرّف.
  18. محمد أبو شُهبة (2003)، المدخل لدراسة القرآن الكريم (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة السنة، صفحة 70-82. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى