أين عاش قارون
يُعتبر قارون من أغنياء قوم موسى عليه السلام، حيث كان يمتلك الكثير من الثروات، وكان وزيراً لشؤون العبرانيين لدى فرعون، وعاش قارون في مصر، وورد ذكره في العديد من المواضع في القرآن الكريم، ومنها: سورة العنكبوت، وسورة غافر، وسورة القصص، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص: 76].
نسب قارون
ورد عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير بأن قارون كان من قوم موسى عليه السلام، وقال بأنه كان ابن عمه، وقال ذلك إبراهيم النخعي أيضاً، وسماك بن حرب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وابن جريج، ومالك بن دينار، حيث قال ابن جريج عنه: هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث، وقال محمد بن اسحاق بن يسار بأن قارون هو عم سيدنا موسى، وذكر ابن جرير باتفاق أكثر أهل العلم على كونه ابن عم موسى، أما قتادة بن دعامة فأكد على القول، وأضاف بأنه كان معروفاً باسم “المنوّر”، وذلك لصوته الحسن في قراءة التوراة، إلا أنه نافق كما السامري، فأدى ذلك إلى هلاكه.
قصة قارون
ذكر لنا القرآن الكريم قصة قارون بشكل تفصيلي، وقال بأنه ينتمي إلى قوم موسى، وبأنّ هذه القصة حدثت بوجود موسى، وبني سرائيل في بلاد مصر قبل الخروج، وتحدث القرآن عن كنوز قارون، فقد أورد الله في كتابه بأن مفاتيح الحجرات التي كانت تُخبأ الكنوز بها يجد الرجال الأقوياء صعوبة في حملها، ويدل ذلك على عظمة الكنوز التي كان قارون يمتلكها، وعندما أغنى الله عز وجل قارون بغى على قومه، وظلمهم، واستولى على أراضيهم، وما يمتلكون من أشياء.
نصحه العقلاء من قومه بالاعتدال، والعودة إلى رشده، وإلى النهج الصحيح، وحذروه من الفرح الذي يُلحق الضرر بصاحبه، ويدفعه إلى نسيان الله الذي أنعم عليه بهذه الثروات، ونصحوه أيضاً بالعمل للآخرة، والتصدق بالأموال، وألا يقتصر إنفاقه على إشباع شهواته في الدنيا، وألا يتعارض إنفاقه لماله مع الدين، وحذروه من ظلم الغير، ومن الفساد، والبغضاء، وبأن عليه الإحسان إلى المال، وإيتاء الفقراء منه لكي يُبارك الله به، ويزيده، فرد قارون على كل هذه النصائح بقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) [القصص: 78]، وهذا الرد دليلاً على غروره، ونسيانه الله الذي أنعم عليه بهذه الأموال، فقد أعماه الثراء، ولم يستمع لأحد.
وفي يوم من الأيام خرج قارون إلى قومه، وكان مُكتمل الزينة، فتمنى القليل من القوم بأن لو عندهم مثل ما عند قارون، وشعروا بأنه يمتلك نعمة كبيرة، فتم الرد على هؤلاء ممن سمعهم من المؤمنين والعلماء: “ويلكم أيها المخدوعون، إحذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون”، هنا تدخلت القدرة الإلهية لتضع حداً للفتنة التي تسبب قارون بإحداثها، ولتُدمر غرور قارون وكبريائه، فأتاه العقاب الشديد على أفعاله، قال تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: 81]، وحدث ذلك في لمح البصر، حيث ابتعلت الأرض دار قارون، وما يمتلكه فذهب ضعيفاً لا يقوى على شيء، ولا يتلقى النصرة من أحد.
دهش الناس بما رأوه أمامهم، وأضحوا ينظرون إلى وجوه بعضهم دهشين بما وصل إليه قارون، وقال من كان يتمنى بأن يمتلك مال قارون، وزينته بأن الله يبسط الرزق لمن يريد من عباده، أو يقبض ذلك، وحمدوا الله تعالى على ما هم عليه، وبأنه حماهم من الخسف، ومن العذاب الشديد.
الحكمة من قصة قارون
نستنتج من قصة قارون بأن هذه هي النهاية الطبيعية التي يستحقها أي شخص يتعالى على الله تعالى، ويتكبر، ويُصاب بالغرور ناسياً بأنه عز وجل هو الذي أنعم عليه بهذه النعم ليتمتع بها في الدنيا، ويُحسن بها إلى الفقراء لكي يكسب الآخرة لا أن يتعالى على من لا يملكون المال مثله، فبإمكان من أغناه أن يقبض منه كل شيء بلمح البصر.