مملكة سبأ
مملكة سبأ إحدى الممالك العربيّة القديمة، وهي مملكة يمنيّة تُعتبَر من أهمّ الممالك في اليمن، إلّا أنّ مرحلة نشوئها أمر مختلف عليه؛ إذ إنّها موجودة منذ القرن الحادي عشر قَبْل الميلاد على الأقلّ، رغم أنّ ظهورها كان واضحاً في القرنَين: العاشر، والتاسع قَبل الميلاد، وقد سُمِّيت سبأ بهذا الاسم؛ نسبة إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، كما ذكرت المصادر العربيّة أنّ سبأ له اسم آخر، وهوعامر، حيث سُمِّي بسبأ؛ لأنّه أوّل من سبى، وقد ظهرت نظريّات مختلفة حول معنى اسم سبأ، وكانت غالبيّتها ذات طابع خياليّ، إلّا أنّه ورد في
نصوص خطّ المسند لفظ سبأ بمعنى قاتل، أو حارب،[١][٢] كما أنّ مملكة سبأ ذُكِرت في التوراة باسم شيبة، وذُكِرَت في الكتاب المُقدَّس، واستشهدَ بذلك العديد من الكُتّاب اليونانيّين، والرومانيّين، بالإضافة إلى الآشوريّين.[٣]
موقع مملكة سبأ
تقع مملكة سبأ في الجنوب العربيّ، وتحديداً في الشمال الغربيّ من مدينة عَدَن اليمنيّة، على بُعْد 200 ميل منها،[٤] وتُعَدّ مدينة مأرب عاصمتها، وهي تَبعُدُ عن صنعاء ما يقارب الستّين ميلاً إلى الشرق منها، وترتفعُ مسافة 2900 قدم فوق سطح البحر، وتظهرُ شهرة هذه المدينة من خلال سَدِّها الكبير (سَدّ مأرب)، الذي يُعتبَر أعجوبة معماريّة؛ لرُقِيِّه الهندسيّ؛ إذ يبلغُ عَرْضه 150 ذراعاً، أمّا طوله، فيبلغُ 800 ذراع، وهو من أهمّ إنجازات العصر الأوّل للمملكة، كما كان لشعب مملكة سبأ أبجديّة من 29 حرفاً، تُسمَّى بحَرف المسند، ومن الجدير بالذكر أنّ القائم على شؤون الدولة آنذاك هو ألم كرب (المُقرَّب من الآلهة)، الذي يجمع بين الرئاسة الحكوميّة، والدينيّة، ومن أشهرهم: المكرب يثع أمر، والمكرب كربئيل، وبشكل عام، فإنّ شريعة السبئيّين تُعتبَر شريعة ناضجة من الناحية السياسيّة؛ فهي ذات سياسة تدلُّ على أنّ الحُكم فيها حُكم ناضج، وراقٍ.[٥][٦]
ولموقع مملكة سبأ أثرٌ مُهمّ في جَعْلها تتفوَّق في مجال المِلاحة في البحر الغربيّ، والمحيط الهنديّ؛ حيث كانوا يعتمدون على الرياح الموسميّة؛ من أجل تسيير سُفُنهم، كما أنّ الرومان استفادوا من خبرة أهل اليمن في المِلاحة، وهذا ما جَعَل الاهتمام بالطُّرُق التجاريّة البرّية يقلّ بشكل نسبيّ،[٦] إضافة إلى أنّ السبئيّين أنشؤوا مُستعمَرات على سواحل أفريقيا؛ وذلك لأنّ بعض الأماكن في أفريقيا كانت خاضعة لسيادة السبئيّين في نهايات القرن الأوّل قَبْل الميلاد.[٣]
تميَّزت مملكة سبأ بتجارتها، وخصوصاً تجارة اللبّان، والبخور، وكذلك العطور، وقد كان للتجّار السبئيّين صِلَة مع العبرانيّين، كما كانت قوافلهم التجاريّة تَشتهرُ بالأشياء الثمينة والنفيسة التي تَحملُها، إضافة إلى أنّ مملكة سبأ عُرِفت بأنّها مملكة غنيّة؛ إذ جاء ذِكْر تجارتها للعطور في كلٍّ من الإلياذة، والتوراة، وهي المملكة الوحيدة من الممالك القديمة في اليمن التي ذُكِر اسمها صريحاً في القرآن الكريم.[٧]
الديانة قديماً في سبأ
عَبَد السبئيّون القمر، وكوكب الزهرة، والشمس، منذ القرن السابع قَبل الميلاد، ومع تغيُّر الأسرة الحاكمة لمملكة سبأ في القرن الرابع قَبل الميلاد، عَبَد السبئيّون الأصنام (الصنَم تألب ريام)؛ وهو جَدّ الهمدانيّين، ومن ثمّ أصبح لكلِّ قبيلة صنمٌ خاصٌّ بها يأتي بعد الأصنام الرئيسيّة للمملكة، كما أنّ السبئيّين كانوا في تلك الفترة يُقدِّسون الوَعْل، وفي القرن الأوّل الميلاديّ، تَخلَّى السبئيّون عن عبادة الأصنام (الوثنيّة)، واتّجهوا نحو عبادة إله واحد، ولأنّ كلمة الله في اللغة العبريّة تعني إيل، فإنّنا نَجِدُ أنّ الكثير من الأسماء التي تحتوي على كلمة إيل لدى السبئيّين، مثل: شرح إيل (شرحيل)، وشرحبيل (شرحب إيل).[١]
بِلقيس ملكة سبأ
ذُكِرَت ملكة سبأ في القرآن الكريم، وفي التوراة أيضاً، حيث كان ذِكْرها كحدث تاريخيّ، علماً بأنّه لم يُذكَر اسمها، إلّا أنّ المُفسِّرين وأهل الأخبار ذَكَروا أنّ اسم هذه الملكة هو بلقيس، وأنّها ابنة أحد ملوك اليمن(الهدهاد بن شرحبيل)،[٥] وقد ذَكَر لنا القرآن الكريم قصّة ملكة سبأ مع سليمان -عليه السلام-؛ إذ كان نبيُّ الله سليمان يحرص على الإشراف على عمله بنفسه، فتفقَّدَ الطيور ولم يجد الهدهد (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)،[٨] وعندما جاء الهدهد، أخبرَ النبيّ سليمان عن سبب غيابه، حيث ذُكِر ذلك في القرآن، في قوله تعالى (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ).[٩][١٠]
بَعد أن أحاطَ نبيّ الله سليمان ببعض العِلم عن ملكة سبأ، أرسل إليها رسالة بواسطة الهدهد، وقد ذَكَرت بلقيس أنّ رسالة سليمان كتاب كريم، على الرغم من أنّها لم تكن مسلمة، ثمّ أرسلت هديّة إلى سليمان -عليه السلام-؛ حتى تستطيع أن تحصلَ على معلومات وأخبار عنه، وعن مُلْكه، وقوّته، وبعد أن عَلِم رُسُل بلقيس مقدار قوّة ومُلْك سليمان، طلبوا منه أن ينتظرَ زيارة ملكتهم (بلقيس)، وعندما جاءت بلقيس إلى سليمان، وَجَدت عَرْشاً يُشبه عَرْشها، ورَأَت ما يملكه وما يعلمه، ورَأَت قوّته، فأَحَسَّت بضَعْفها، وأعلنَت إسلامها، وتَبِعَها قومها في إعلان إسلامِهم (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[١١][١٠]
المراجع
- ^ أ ب ماجد أحمد (12-12-2017)، “مملكة سبأ”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2018. بتصرّف.
- ↑ قيس الجنابي (6-12-2012)، “مملكة سبأ”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 22-7-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب “Sabaʾ”, www.britannica.com, Retrieved 19-8-2018. Edited.
- ↑ “820 BC – 115 BC – Sabean Kingdom”, www.globalsecurity.org, Retrieved 25-7-2018. Edited.
- ^ أ ب “من تاريخ اليمن السعيد: مملكة سبأ وملكتها بلقيس”، www.alquds.co.uk، 22-7-2015، اطّلع عليه بتاريخ 25-7-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الحميد حمودة، تاريخ الدولة العربية الإسلامية، مصر: الدار الثقافية للنشر، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ محمد فقيه، “مملكة سبأ حاضنة تاريخ اليمن القديم”، www.scribd.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية: 20-21.
- ↑ سورة النمل، آية: 23-24.
- ^ أ ب عبد العزيز القصير (18-8-2013)، “من قصص القرآن الكريم: قصة إسلام ملكة سبأ “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية: 44.