المعارك الإسلاميّة
تختلف أسباب المعارك من أمّةٍ لأخرى، فقد يكون الداعي لها عند أمّةٍ من الأممٍ؛ حبّ التسلّط والسيطرة، وقد يكون السبب دفع الظلم والاعتداء، وهذا السبب معتبرٌ في الشريعة الإسلاميّة، فالغرض الذي من أجله نشبت معارك في الإسلام كان دائماً غرضاً شريفاً، وكانت حيثيّاتها والأساليب المتّبعة فيها لا تخلّ أو تخرج عن مبادئ الإنسانيّة والرحمة، والناظر في تاريخ المعارك الإسلاميّة يتبيّن له مقدار الظلم في تصوير المعارك الإسلاميّة بصورةٍ وحشيّةٍ، وإنّ المعارك في الإسلام لم تكن لتوسيع النفود وإراقة الدماء، ولا لإكراه الناس على الدخول في الإسلام، يقول الله عزّ وجلّ: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[١] وإنّما كان الباعث لقيامها هو حماية الدعوة الإسلاميّة التي تدعو إلى الشورى وغيرها من المبادئ العظيمة؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتظهر رحمة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- جليّةً في معركة أُحد، حين أراد المشركون قتله؛ فطلب منه أصحابه أن يدعو عليهم، فردّ قائلاً: (اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون).[٢]
أقوى المعارك الإسلاميّة
خاض المسلمون العديد من المعارك والغزوات، سطّروا من خلالها سطوراً في الشجاعة والقوة، منها:
- غزوة بدرٍ: وقعت أحداث غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، عن طريق اعتراض الصحابة لقافلة قريش المتّجهة إلى الشام؛ لاسترجاع أموالهم التي قامت قريش بالاستيلاء عليها، حيث قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (هذه عيرُ قُريشٍ، فيها أموالُهم، فاخرُجوا إليها، لعلَّ اللهَ يُنفِلُكُموها)،[٣] فسار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بجيشٍ قوامه ثلاثمئةٍ وأربعة عشر رجلاً، معهم فرسان وسبعون بعيراً، فكان الثلاثة منهم يشتركون في الواحد من البعير، وسرعان ما وصل خبر خروج المسلمين الى أبي سفيان، حتى أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري نذيراً الى أهل مكة، يحذّرهم ويأمرهم بإعداد العُدّة؛ لقتال المسلمين، فتجمّع من المشركين ألفٌ وثلاثمئة محاربٍ، معهم مئة فرسٍ بقيادة أبي جهل، وعندما أفلت أبو سفيان بالقافلة، أرسل رسالة إلى جيش قريش مفادها أنّهم خرجوا للحصول على العير والأموال وقد أفلت هو بها، وأشار عليهم بالرجوع ، لكنّ أبا جهلٍ أبى الرجوع، وقال: (لا نرجع حتى نرد بدراً، نقيم بها ثلاثاً، ننحر الجزور، ونشرب الخمر، وتعزف لنا القيعان، وتسمع بنا العرب وتهابنا)، فلم يرجع منهم أحدٌ إلا بنو زهرة، أمّا عن المسلمين فما يزال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يستشير أصحابه ويُعلمهم بالوضع الراهن، حتى أشاروا عليه جميعاً مهاجرين وأنصار بالمضيّ قُدماً نحو قتال المشركين، فسُرّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بهم، وتحرّك الجيش حتى اقترب من بدرٍ، فأشار الحباب بن المنذر على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يُنزل الجيش ويحرّكه؛ ليكون أدنى إلى الماء من العدو؛ فيبنون حوضاً فيشرب المسلمون ولا يتمكّن جيش المشركين من شرب الماء، وأشعل الأسود بن عبد الأسد المخزومي شرارة بدرٍ حين قال: (لأشربنّ من الحوض أو لأهدمنّه أو لأموتنَّ دونه)، فاشتدّ القتال بينهم حتى أمدّهم الله تعالى بجندٍ من عنده يقاتلون معهم، فعاد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالنصر المؤيّد من الله تعالى إلى المدينة، وقد شاع ذكر قوّة المسلمين ومنعتهم على الألسن حتى دخل في الإسلام بعد الغزوة جمعٌ غفير من الناس.[٤]
- معركة مؤتة: من أقوى المعارك التي خاضها المسلمون في السنة الثامنة من الهجرة، وقد تألّف جيش المسلمين من ثلاثة آلاف مقاتلٍ مسلمٍ، يقابله مئتا ألف محاربٍ من المشركين، ويعود السبب في معركة مؤتة؛ إلى أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أرسل الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك الروم، فقام شرحبيل بن عمرو الغسّاني، وكان أميراً على منطقة البلقاء عيّنه قيصر الروم، باعتراض طريقه وقتله، وكان قتل الرسل من أعظم الجرائم، فجهّز النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الجيش، وأمّر عليه ثلاثة قادةٍ، هم؛ زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وقاتلوا بشجاعةٍ منقطعة النظير حتى استشهد القادة الثلاثة، ومن معجزات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدالة على صدق نبوته؛ أنّه نعى القادة قبل وصول خبر استشهادهم إلى المدينة قائلاً: (أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ وعيناه تذرِفان: حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم)،[٥] فكان خالد بن الوليد هو سيف الله المسلول، وقام بسحب الجيش من أرض المعركة بأقوى الأساليب العسكريّة.[٦]
- معركة اليرموك: وقعت معركة اليرموك في السنة الثالثة عشر من الهجرة بقيادة خالد بن الوليد، وكانت بين الروم والمسلمين، أراد هرقل أن تكون هذه المعركة فاصلةً مع المسلمين بعد أن تكبّد الكثير من الخسائر في حروبه معهم، إلّا أنّ جيش المسلمين ضرب مثلاً عظيماً في الشجاعة والبطولة؛ فقد قامت السيدة أسماء بنت يزيد بن السكن بقتل سبعةٍ من جيش الروم، وقد اشتدّت المعركة حتى صار لا يُسمع إلّا صوت السيوف وصهيل الخيول، وفي هذه الأثناء تولّى عمر بن الخطاب الخلافة، وكانت له سياسةٌ مختلفةٌ عن سياسة أبي بكر؛ فأمر بعزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيش، وتعيين أبي عبيدة عامر بن الجرّاح؛ حتى لا يفتتن المسلمون بخالدٍ؛ فهو لم يدخل معركةً إلّا انتصر حتى ظنّ بعض قادة الفرس أنّه يُقاتل بسيفٍ من السماء، ومع انتهاء المعركة وقتل الأعداد الكبيرة في صفوف المشركين، قرّر هرقل الهروب إلى القسطنطينية، وفي طريقه التفت إلى الشام وقال: (السلام عليك يا سورية، سلاماً لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك روميٌّ أبداً إلّا خائفاً).[٧]
أسباب المعارك في الإسلام
بعد أن استقرّ المسلمون في المدينة بقيادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، التفت الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى ضرورة نشر الدعوة الإسلاميّة التي جاءت للناس كافّة، كما وبرز الأعداء المتربّصون بالإسلام والمسلمين، ومن الجدير بالذكر أنّ عداوة قريش للمسلمين لم تنته بالهجرة إلى المدينة؛ لأنّهم يعلمون أنّ قيام دولةٍ للمسلمين يعني انتهاء مُلكهم وجاهليّتهم، فعندما أعلنت قريش رغبتها في الحرب، وأذن الله -عزّ وجلّ- لأهل المدينة بالقتال، بدأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالعمل على رفع مكانة الدولة الإسلاميّة عن طريق الخروج في الغزوات، وإرسال السرايا.[٨]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 256.
- ↑ أبو الوفا المراغي (27-5-2015)، “الحروب الإسلامية (أسبابها – نظمها – غاياتها)”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 218، صحيح.
- ↑ هشام عبد المنعم (26-2-2014)، “غزوة بدر”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4262، صحيح.
- ↑ “معركة مؤتة”، www.islamweb.net، 5-11-2009، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2018. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار المرسومي (6-5-2013)، “اليرموك معركة غيرت مسار التاريخ”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2018. بتصرّف.
- ↑ د. علي الصلابي، “الغزوات والسرايا قبل غزوة بدر الكبرى”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018.